قضايا وآراء

هل يعيد الغاز القطري المسال الصلابة للاستراتيجية الأمريكية؟

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

آموس هوكشتاين موفد واشنطن إلى ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يزور بيروت في شباط (فبراير) المقبل حاملا معه مقترحا جديدا لكسر الجمود في المفاوضات غير المباشرة بين الكيان الإسرائيلي ولبنان حول الحدود البحرية؛ أملا في تفعيل نشاط شركات التنقيب والحفر عن الغاز شرق المتوسط.

في الآن ذاته نشطت الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن في البحث عن حلول لأزمة الطاقة وتدفقات الغاز إلى القارة الأوروبية في حال فرض عقوبات جديدة على روسيا؛ لتهتدي إلى حل سريع وأكثر فاعلية في الدوحة؛ بدعوة أميرها تميم بن حمد آل ثاني لزيارة واشنطن الإثنين المقبل فهل ينجح الغاز القطري المسال في معالجة ما عجز عنه هوكشتاين في لبنان؟.

لبنان وشرق المتوسط

هوكشتاين بحسب ما سربته صحيفة النهار اللبنانية يوم أمس الأربعاء سيقدم مقترحا للإبقاء على مساحة 860 كلم2 لمصلحة لبنان من أصل الـ 1430 كلم 2 المتنازع عليها مع الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى ضمان يكون فيه حقل "قانا" بالكامل من حصة لبنان، الذي تقدر احتياطاته بمليارات الدولارات وتصل حجم ثرواته إلى ضعفَي حقل "كاريش" الذي سيحتفظ به الكيان الإسرائيلي.

مقترح يأمل المبعوث الأمريكي من خلاله اقناع لبنان بالتخلي عن مطالبه التي تتجاوز الـ 860 كلم2 وتقدرها الحكومة اللبنانية بـ 1430 كلم2 المساحة التي تقف حائلا أمام الكيان الإسرائيلي لإنجاز مشاريعه بمد خطوط للغاز وتصديره.

المقترح الأمريكي إن نجح فإنه سيفتح الباب لشركات التنقيب الأمريكية والفرنسية للعمل دون إشكالات قانونية في حقول الغاز؛ وسيفتح الباب لإيجاد حلول جيوستراتيجية تسمح بمد خط أنابيب غاز  في أعماق المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها لتصل إلى قبرص ومن ثم اليونان وإيطاليا لمسافة 1200 كلم في محاولة لإحياء مشروع أنبوب (إيست ميد) الذي أعلنت الإدارة الأمريكي التخلي عن دعمه مؤخرا بعد معارضة تركية وقيود لبنانية معقدة.

قطر والخليج العربي

في خضم هذا المشهد برزت قطر كلاعب أساس إذ وقعت عقدا في 2021 مع مجموعة "هودونغ"  (Hudong) الصينبة لبناء 4 سفن عملاقة لنقل للغاز لتزويد زبائنها خصوصا في آسيا بالطاقة بلكفة بلغت الـ 750 مليون دولار؛ كلفة متواضعة اذا ما قيست بحجم صادراتها للسوق الاسيوي المقدرة بـ  67 % و الاوروبي  المقدرة بـ 20 %.

العام 2021 شهد مزيد التطورات التي كانت الدوحة في صلبها؛ بعد أن وقعت قطر عقدا طويل المدى لتزويد الصين بمليوني طن من الغاز المسال سنويا؛ وعمدت لتوقيع عقود مماثلة مع بنغلادش وباكستان علما بأن كوريا الجنوبية واليابان والهند والصين هم زبائنها الكبار الأربع على التوالي؛ عقود تسير بالتوازي مع طموحات الدوحة  لتوسيع أسوقها الأوروبية بتوقيع عقود جديدية كان آخرها عقد مع كرواتيا العام الفائت 2021.

توافر ناقلات الغاز العملاقة القطرية دفع ادارة الرئيس الأمريكي بايدن للبحث عن سبل إدماجها في جهوده لصياغة المشهد الجيوستراتيجية؛ وإيجاد علاج لمشكلة الغاز الروسي التي تتهدد الحلفاء الأوربيين وتعيق قدرتهم على تحدي موسكو والتصعد معها بفرض مزيد من العقوبات في ملفات استراتيجية أبرزها الملف الأوكراني.

قطر قفزت إلى موقع متصدر ذلك أن الدوحة قادرة على تقليص اعتماد القارة الأوروبية على الغاز المسال الروسي الذي يمثل 20% من حجم صادرات موسكو إلى السوق الأوروبية مقابل 44% من الغاز الطبيعي الذي نوفره موسكو للقارة الأوروبية العجوز.

 

النفط والغاز تحول إلى سلاح استراتيجي روسي ومورد أساس لاستقرار الاقتصاد الروسي في الآن ذاته؛ فموسكو استثمرت في ذروة الجهود العالمية للتعافي من جائحة كورونا بمطالبتها ضمانات استراتيجية من أمريكا وحلفائها في القارة الأوروبية مهددة بتغير المشهد الجيوسياسي في القارة الأوروبية وبحر البلطيق.

 



الغاز المسال سلعة قطر الثمينة؛ وخطوات تصديره لأوروبا تبدو صغيرة ولكنها مهمة يتوقع أن تكبد موسكو مزيدا من الخسائر بفقدان زيائنها الأوروبيين؛ مثيرا غضب موسكو ومفجرا عداءها للدوحة، أمر يتوقع أن تتحفظ عليه قطر أو أن تطلب ضمانات وثمنا سياسيا معقولا من واشنطن.

الانسداد الجيواستراتيجي الأمريكي دفع الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن نحو الدوحة بدعوة الأمير تميم بن حمد آل ثاني لزيارة واشنطن الإثنين الموافق 31 من كانون الثاني (يناير) الحالي لبحث قضايا استراتيجية على رأسها قضايا تتعلق بالطاقة بحسب بيان البيت الأبيض؛ كما دفعتها للبحث عن سبل جديدة لمعالجة الصراعات شرق المتوسط وتجاوز الانسداد الكبير الناشئ عن المواجهة بين الكيان الإسرائيلي وقبرص وتركيا ولبنان .

الغاز والبيئة الاستراتيجية
 
المتغيرات الاستراتيجية ومحدودية الرد الأمريكي على الاستراتيجية الروسية في أوروبا وآسيا دفعت البيت الأبيض للبحث عن حلول جيوستراتيجية لمشكلة الغاز الروسي لم تقتصر على قطر؛ إذ شلمت عدوها اللدود إيران والصين بعد أن غضت الطرف عن صادرات طهران النفطية لبكين لتعويض بكين عن احتياطاتها التي حررتها تضامنا مع واشنطن للضغط على السعودية وروسيا ودول اتفاق (أوبك +) لرفع سقف الانتاج وخفض أسعار النفط .

النفط والغاز تحول إلى سلاح استراتيجي روسي ومورد أساس لاستقرار الاقتصاد الروسي في الآن ذاته؛ فموسكو استثمرت في ذروة الجهود العالمية للتعافي من جائحة كورونا بمطالبتها ضمانات استراتيجية من أمريكا وحلفائها في القارة الأوروبية مهددة بتغير المشهد الجيوسياسي في القارة الأوروبية وبحر البلطيق.


الغاز الروسي المسال والطبيعي وقف عائقا أمام محاولات واشنطن إقناع ألمانيا فرض عقوبات على روسيا من خلال حرمانها من نظام سويفت (SWIFT) لتحويل الأموال؛ فحاجة ألمانيا للغاز الروسي ودفع أثمانه عبر نظام سويفت سترفع كلفته على برلين.
 
ختاما.. الغاز الطبيعي والمسال في رحلته المستمرة من حقول الغاز بين القارة الأوروبية والآسيوية عبر أنابيبها وناقلاتها العملاقة تحول إلى متغير مؤثر راسما ملامح الاشتباك العنيف بين روسيا والمنظومة الغربية التي تقودها أمريكا في أوروبا؛ فالغاز السائل والطبيعي أعاد رسم ملامح التخطيط الاستراتيجي الأمريكي أكثر من مرة في هذا العام سواء كان ذلك من خلال إعادة صياغة العلاقة مع تركيا وإيران في المتوسط والخليج العربي أو من خلال رسم حدود وقيود المواجهة والصراع مع روسيا والصين.
  
hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)