هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال
المدير التنفيذي لـ"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، والحقوقي
المصري البارز، جمال عيد، إن قرار إيقاف نشاط "الشبكة" في مصر، يُعدّ
قرارا نهائيا حتى إشعار آخر، مؤكدا أن "الاستراتيجية الوطنية لحقوق
الإنسان، مزيفة"، وأنها وُضعت لتجميل صورة النظام الحاكم.
وأشار
إلى أنه في حال عودة مصر مرة أخرى لمسار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، فإن "الشبكة
العربية"، لن تعود كمؤسسة حقوقية يتركز دورها على كشف وفضح الانتهاكات، لكنها
ستقدم مبادرات الإصلاح، معربا عن أمله في التراجع عن هذا القرار.
ولفت
الحقوقي المصري جمال عيد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن
"الدولة المصرية ترغب في حقوقيين على شاكلة أغلب الحقوقيين الذي عُينوا مؤخرا
في المجلس القومي لحقوق الإنسان، والذين جُل اهتمامهم إرضاء النظام، وتلميع
صورته"، مؤكدا أن "90% من أعضاء هذا المجلس متواطئون على حقوق
الإنسان".
وكانت
الشبكة العربية قد أعلنت، في 10 كانون الثاني/ يناير الجاري، عن اتخاذها قرار إيقاف
النشاط؛ نظرا لتعرضها لـ"سلسلة من التهديدات، والاعتداءات العنيفة،
والاعتقالات من قطاع الأمن الوطني، فضلا عن المهلة التي تشارف على الانتهاء، وتفرض
على جميع المنظمات غير الحكومية التسجيل بموجب قانون الجمعيات".
اقرأ أيضا: إغلاق "الشبكة العربية للأبحاث" بمصر بسبب التضييق الأمني
وفي ما يأتي نص المقابلة:
كيف تابعتم ردود الفعل التي أعقبت قرار وقف نشاط الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان؟
ردود
الفعل التي رصدناها عقب القرار ربما كانت أكثر مما توقعنا، بالإضافة إلى أن قلة
عدد المنظمات الحقوقية المستقلة في مصر يزيد من أهمية أي مؤسسة تعمل بجدية مثلما
كانت تعمل الشبكة، وهو ما يجعلني أشعر بالحزن، لكنه حزن المُضطر.
بعد إغلاق الشبكة.. ماذا تبقى من العمل الحقوقي المستقل في مصر؟
على
مستوى المؤسسات، لم يبق إلا القليل الذي لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، لكن على
مستوى «الحركة الحقوقية» لا أعتقد أن الوضع سيئ؛ لأن أحد أهم نتائج ثورة يناير
العظيمة أن حركة حقوق الإنسان لم تعد قاصرة على المنظمات الحقوقية المستقلة، وإنما
أصبح هناك مدافعون حقوقيون، إلى جانب وجود مساحة كبيرة من الوعي وخاصة عند جيل
الشباب، تجعلنا نؤكد على وجود حركة لحقوق الإنسان وإن لم تكن قوية.
كيف تقيّمون تجربة عمل الشبكة العربية منذ صيف 2013 وحتى اتخاذ هذا القرار؟
منذ
صيف 2013، وربما من قبل ذلك، والأوضاع في تردٍ يوما بعد يوم، حتى كانت النتيجة
اضطرارنا إلى وقف أنشطة الشبكة.
ما أبرز الصعاب التي واجهتها الشبكة خلال فترة عملها؟
أبرز
الصعاب تمثلت في استمرار اتهامنا في القضية 173 لسنة 2011، أي مواجهة اتهامات لأحد
عشر عاما متتالية في قضية واحدة، ومصادرة جريدة "وصلة"، وإغلاق مكتبات "الكرامة"،
والاعتداءات المتكررة التي أتعرض لها بشكل شخصي، كسرقة سيارتي، وتكسير سيارة إحدى
الزميلات، وإلقاء القبض على أربعة من أعضاء الشبكة (تم الإفراج عن اثنين منهم)،
والضغط على بعض العاملين داخل الشبكة ليعملوا "جواسيس" أو
"مخبرين" داخل الشبكة لصالح الجهات الأمنية، والضغط على البعض الآخر
ليترك العمل بالشبكة، وجاءتنا الرسالة الخاصة بمحاولة تسجيل الشبكة بشكل قانوني،
بكل وضوح لتخيّرنا: "الحديث عن حرية الصحافة وحقوق سجناء الرأي، أم المحافظة
على اسم الشبكة؟"؛ فكان الجواب واضحا أيضا: لن نتحول إلى منظمة
"متواطئة" بعد كل هذه السنوات.. وكان الاختيار الأفضل هو توقف النشاط،
خاصة بعدما تعرضنا لكل الانتهاكات المختلفة والتي كانت معروفة في ديكتاتوريات
أمريكا اللاتينية.
هل قرار إيقاف نشاط الشبكة يعد قرارا نهائيا أم ربما يتم التراجع عنه في مرحلة ما؟
القرار
نهائي، لكن في حال عادت مصر مرة أخرى لمسار سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان
فإننا لن نعود كمؤسسة حقوقية يتركز دورها على كشف وفضح الانتهاكات، وإنما سنمد أيدينا
ونقدم مبادرات الإصلاح؛ حتى نبني مصر التي تحترم القانون، وتحترم حقوق الإنسان،
مصر الديمقراطية "المهمومة بالبشر وليس الحجر"، ونحن نتمنى التراجع عن
هذا القرار، لكنه نهائي حتى إشعار آخر.
ألم تكن أمامكم أي خيارات أخرى بعيدا عن قرار الغلق وإيقاف نشاط الشبكة العربية؟
الاختيار
الذي أتيح هو «التسجيل» (تسجيل المنظمة وفق قانون الجمعيات الأهلية الجديد)،
وبالفعل بدأنا محاولات للتسجيل، لكن مفهوم التسجيل – كما ورد إلينا – هو التحوّل إلى منظمة
"جونجوز" متواطئة "تلمع صورة النظام"، وهو أمر محزن للغاية،
ففضلنا التوقف على التحول إلى منظمة متواطئة، وبالتالي فإن الخيار الوحيد المتاح
أمامنا كان غلق نشاط الشبكة.
وزارة التضامن الاجتماعي أصدرت قرارا بتوفيق أوضاع قرابة الـ24 ألف جمعية ومنظمة أهلية، وهو ما يعتبره البعض رقما كبيرا.. فكيف تقيّمون هذا القرار، الذي قد يراه البعض في صالح الجمعيات الأهلية؟ وكيف تنظرون لقانون الجمعيات الأهلية ولائحته التنفيذية؟
طبقا
للأرقام الرسمية التي تصدرها الدولة فإن مصر بها أكثر من 50 ألف جمعية أهلية، فلو
تم توفيق أوضاع 30 ألفا منهم، فإن هناك 20 ألفا آخرين ليس بينهم منظمة حقوقية واحدة
مستقلة، ولم تفلح منظمة واحدة ممن كانت تتعاون معنا في التسجيل؛ فقانون الجمعيات
الأهلية هو قانون مستبد، ورغم استبداده وقبولنا به فإننا لم ننجح في التسجيل، لا نحن ولا
غيرنا من المؤسسات المستقلة، وقد بذلنا الكثير من المحاولات للتسجيل لكن كانت هناك
صعوبات وعراقيل كثيرة تصل إلى حد الاستحالة، وأتمنى التوفيق لزملائي الذين ربما
لديهم طرق أخرى للاستمرار، أما نحن فنعلنها بوضوح: اضطررنا أمام
"البلطجة" والبطش البوليسي ولجأنا إلى إيقاف النشاط.
الرئيس السيسي أعلن عام 2022 عاما للمجتمع المدني، ألا تعتقد أن هذا العام سيكون عاما للمجتمع المدني بالفعل؟
من
خلال عملي في مجال حقوق الإنسان على مدى الأعوام السابقة لا أنظر إلى التصريحات أو
الأقوال، وإنما أنظر إلى الأفعال. وأفعال الحكومة المصرية أو النظام المصري
تتراجع، بل وتشتمل على عداء واضح لحقوق الإنسان، وعام حقوق الإنسان يذكرني بعامي
الشباب والمرأة (2016 و2017)، اللذين شهدا أكثر الانتهاكات بحق هاتين الفئتين.
هل يمكن القول إن النظام المصري الحالي يعمل على إزاحة جهات وشخصيات بعينها من العمل العام كنموذج الشبكة العربية وجمال عيد؟
بداية
منذ عام 2014 كان هناك استخدام واسع لأسلوب التهميش والإبعاد والإقصاء وحصار الأصوات
المستقلة، والشبكة العربية ليست الوحيدة في هذا الصدد؛ فهناك قوائم للممنوعين من
الظهور في المنصات الإعلامية التي تسيطر عليها الدولة تشتمل على العديد من
الشخصيات السياسية، والصحفيين، والحقوقيين، والنشطاء، بالإضافة إلى المضايقات
والتهديدات والاعتداءات على المنظمات المستقلة إلى جانب الاتهام في بعض القضايا،
وهناك أيضا الأحزاب الرسمية التي بات الكثير من قياداتها داخل السجون أو في القبور
مثل الشهيدة شيماء الصباغ التي وافق ذكرى وفاتها يوم 24 كانون الثاني/ يناير
الجاري.
هل ما يحدث مع المنظمات الحقوقية المستقلة سواء بالتضييق أو التشويه أو الإغلاق هدفه توسيع مساحات لمَن هم مُقربون من النظام للسيطرة على المجال الحقوقي في مصر؟
بالطبع،
الدولة ترغب في حقوقيين على شاكلة أغلب الحقوقيين الذي عُينوا مؤخرا في المجلس
القومي لحقوق الإنسان – مع الأسف – والذين جُل اهتمامهم إرضاء النظام، وتلميع
صورته، والشبكة ليست كهؤلاء. وبكل أسف فإن 90% من أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان
متواطئون على حقوق الإنسان.
ما دور أجهزة الأمن في السيطرة على العمل العام وخاصة الحقوقي؟
الدولة
في مصر خلال هذه اللحظة تُختزل في أجهزة الأمن، أو كما يقال: "سيادة المنهج
البوليسي"؛ فالحصار والتضييق على المجتمع المدني هو نتيجة طبيعية للتعامل
البوليسي والسيطرة الأمنية الفجّة.
هل الأزمة تكمن في الدستور والقوانين أم في ممارسة الأجهزة الأمنية أم في شخص السيسي؟
الأزمة
تكمن في غياب إرادة سياسية لاحترام الدستور، وسيادة القانون، وقيم الديمقراطية،
وفي العداء الحاد لثورة يناير ولكل المنتمين والداعمين لها، ولأننا ننتمي لثورة
يناير ومطالبها المشروعة فإننا ننال جزءا كبيرا من هذا العداء.
هناك بعض الإفراجات المحدودة التي حدثت مؤخرا عن بعض سجناء الرأي كرامي شعث وباتريك جورج وعلا القرضاوي وغيرهم.. كيف تنظرون إلى تلك الإفراجات؟
كان لا بد من الإفراج عنهم؛ لأن أغلبهم تجاوز
المدة القانونية للحبس الاحتياطي، ومع الأسف ما زال هناك العشرات بل والمئات ممن
تجاوزوا المدة القانونية للحبس الاحتياطي ولم يُفرج عنهم، ويجب الإفراج عنهم؛ فليس
من المعقول أن يقضي الناس حياتهم قيد الاحتجاز على ذمة اتهامات مكررة "هي نسخ
ولصق" ليس عليها أي دليل، وهم يقومون بالإفراج عن 10 أفراد بينما في المقابل
يعتقلون 100 شخص آخرين مكانهم، وأنا أعرف الكثير من الحالات التي تم إلقاء القبض
عليها مؤخرا بينما تخشى أسرهم ولم يعلن عن أسمائهم، مثل الناشطين شريف الروبي
ويحيى إبراهيم، بجانب آخرين، فأنا لا أرى هذه الإفراجات باعتبارها خطوة للأمام، بل هي
محاولة لتجميل الصورة وتبييض الوجه، لكن الصورة لن تكتمل إلا بخروج آخر سجين رأي
في سجون مصر.
قيل إن بعض الإفراجات الأخيرة وغلق القضية المعروفة بقضية "التمويل الأجنبي" كانت مرتبطة بضغوط من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ما مدى صحة ذلك؟
لا
أعلم مدى دقة ذلك، ولا أستطيع التفتيش في الضمائر، وغير معني إلا بنضال المصريين
من أجل حقهم في الديمقراطية، ولا يصح إلا الصحيح، فأي دولة فيها سجين رأي واحد
توصف بأنها دولة مستبدة، فما بالك بمصر التي بها الآلاف من سجناء الرأي.
كما
أني لا أستطيع أن أفهم الداعي لدولة أن تحبس سيدة مثل «علا القرضاوي» أربع سنوات ونصف
دون اتهامات ثم تفرج عنها، وهناك الآن بالسجون من تجاوز السنتين، منهم الزميل
بالشبكة العربية «عمرو إمام» والمهندس «يحيى حسين»، والعشرات والمئات غيرهم،
الذين يجب الإفراج عنهم.
بعد مرور عام على إدارة بايدن.. كيف تقيّمون موقف هذه الإدارة من أوضاع حقوق الإنسان في مصر؟
ليس
لدي تعليق، لكن من المؤكد أن إدارة بايدن – رغم عدم تلبية الطموح – أفضل بكثير من
إدارة ترامب - تاجر السيارات المستعملة -، وبغض النظر عن تعاطي إدارة بايدن مع ملف
حقوق الإنسان، فيكفينا النضال ضد الاستبداد الداخلي، ولا نريد النضال الخارجي ضد
حكومات تدعم هذا الاستبداد مثل الحكومة الفرنسية، ولم نر بعد ملامح الإدارة
الأمريكية حتى نستطيع تقييمها.
عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد أنور السادات، قال إن الهيئات القضائية، والنيابة العامة تقوم الآن بمراجعة حالات المحبوسين احتياطيا تمهيدا للإفراج عنهم، وهو ما اعتبره "انفراجة كبيرة".. ما تعقيبكم؟
مع
احترامي له، لكنه ليس مصدرا رسميا لمثل هذه التصريحات، بل تعتبر مثل هذه التصريحات
"نقطة سوداء" في ثوب العدالة في مصر، وهناك فارق بين "وجود"
انفراجة، وبين "تمني" انفراجة، فإن كان من باب التمني فكلنا نتمنى ذلك،
وإن كان يروج لأمر غير حقيقي فأنا أربأ به عن ذلك، وأدعوه للتريث حتى لا يلعب دور
من يجمّل وجه نظام مستبد يعادي حقوق الإنسان وسيادة القانون، ونحن نرفض تضليل
الناس بمزاعم أن هناك انفراجة ما.
إلى أي مدى يتم تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان على أرض الواقع؟
الاستراتيجية
من وجهة نظري أعتبرها "مزيفة" ووضعت لتجميل الصورة، لأنها لم تسطر تحليلا
حقيقيا يضع يده على المشاكل الحقيقية، وهي الانتهاكات التي تقوم بها الدولة، حتى
يصل هذا التحليل لنتائج حقيقية. ومن اعتمد على مقدمات خاطئة سيصل لنتائج خاطئة؛
فالاستراتيجية من وجهة نظري لا تستحق ثمن الورق الذي كُتبت عليه.
هل تستبعد حدوث أي انفراجة حقيقية في المشهد المصري خلال فترة حكم السيسي؟
أتمنى
حدوث انفراجة، لكني لم أرَ حتى الآن.
ما مستقبل العمل الحقوقي في مصر بعد إغلاق الشبكة العربية؟
العمل
الحقوقي في مصر مستمر، وكما ذكرت فإن هناك حركة حقوقية في مصر، قد تكون ضعيفة إلا أنها
موجودة، ولم تعد قاصرة على المنظمات الحقوقية المستقلة التي كانت الشبكة جزءا
منها، وإنما تتسع للعديد من المدافعين من الأفراد المستقلين، وكون أغلبهم من
الشباب فهذا يعطينا الأمل، وطوال الوقت أقول: أنا متفائل بأن مصر ستسترد طريقها
للديمقراطية وسيادة القانون.
وبالنسبة
لنا بشكل شخصي، فإننا سنظل جزءا من حركة حقوق الإنسان كأفراد مستقلين؛ فلن نتنازل عن
حقنا في التحدث عن الانتهاكات والحبس التعسفي وتجاوز الحبس الاحتياطي، لكن ليس
بشكل مؤسسي بل كمواطن مصري يدفع الضرائب، ولنا حقوق مثل الآخرين.