هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
المدنيون انشغلوا بأمور لا علاقة لها ببناء الدولة، ونسوا أن العسكر يتربصون بالجميع
المحصاصة أبعدت الكثير جدا من الثوريين الحقيقيين، وكان هناك استقطاب للحاشية والأهل
حمدوك فشل فشلا ذريعا في السياسة الداخلية للدولة رغم نجاحه خارجيا
العسكر انقضوا على ثورتنا واختطفوها من بين أيدينا بسبب الأخطاء التي وقعنا فيها ولتشبثهم بالحكم
هناك مراجعات غير مُعلنة تقوم بها قوى "الحرية والتغيير".. وطرحنا مبادرات لمعالجة الوضع الراهن
العسكريون يمتلكون 82% من الاقتصاد السوداني ويشاركون في 18% المتبقية
قالت المتحدثة السابقة باسم تجمع المهنيين السودانيين (قائد الحراك الاحتجاجي)، حاجة فضل كرنديس؛ إن المدنيين الذين كانوا جزءا من الائتلاف الحاكم سابقا "انشغلوا بأمور أخرى لا علاقة مطلقا لها ببناء الدولة، لا سيما بالمناصب والتعيينات والحكومة، ونسوا أن هناك عسكريين يتربصون بهم وبالجميع، حتى وقعت الكثير من المشاكل والأزمات".
وأضافت أن "من الأخطاء التي وقعنا فيها -التي أذكرها لأول مرة- هي أن المحصاصات المقيتة أبعدت الكثير جدا من الثوريين الحقيقيين؛ فكانت هناك حالة من الاستقطاب للحاشية والمعارف والأهل، لتظل في موقع السلطة، وما منعنا عن الحديث سابقا بهذا الشأن هو الخوف من شق الصف، وخوفا على ما تبقى من ماء وجه السودان، وأملا في حدوث بعض التغييرات".
ورغم أن "كرنديس" ذكرت، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، أن "رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك له العديد من النجاحات، أهمها الجانب الخارجي"، إلا أنها أكدت أنه "فشل فشلا ذريعا في السياسة الداخلية للدولة".
وأكدت أن العسكريين يمتلكون في الوقت الحالي ما نسبته 82% من الاقتصاد السوداني، بل ويشاركون في 18% المتبقية من خلال اقتطاع مخصصات رواتب ومساكن الجنود، وهم يفعلون ذلك خوفا على مقاعدهم، ولأنهم مطلوبون دوليا للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في حال تركوا الحكم، وفي سبيل ذلك يرتكبون المزيد من الجرائم البشعة".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":
كيف ترون المشهد السوداني اليوم؟
قامت في كانون الأول/ ديسمبر 2018 أعظم ثورة في تاريخ السودان، التي كنّا نتمنى أن تكون ثورة التغيير الكامل، وقد قام شباب المقاومة، وتجمع المهنيين السودانيين، والعديد من التنظيمات السياسية بتوقيع ميثاق الحرية والتغيير، وكنّا ننظر لهذا الميثاق نظرة مستقبلية، ونعتبره قائدنا نحو دولة المؤسسات التي نتمناها.
لكن مع الأسف اختلط الأمر، وكما تعوّدنا –منذ الاستقلال– على تغوّل العسكريين في الحكم السوداني؛ فمنذ استقلال السودان عام 1956 وحتى الآن لم ننعم بالديمقراطية إلا عشر سنوات أو أقل، وكل باقي السنوات الأخرى كان الحكم فيها عسكريا، وهو ما لا نرضاه الآن، لذا قمنا بتلك الثورة لكن انقض العسكر عليها، فاختطفت من بين أيدينا بسبب أخطاء منا، وتشبث العسكر بالحكم.
الآن المشهد السياسي في السودان لا أصفه بالأسود، وإنما أقول "رمادي وضبابي"؛ فالآن العسكر يفعلون كل ما هو مشروع وغير مشروع، وكل ما يخطر برؤوسهم لإذلال الشعب السوداني، لكن الشعب بشبابه لن يركع، وسنظل نقاوم حتى نسترد الدولة السودانية التي نتمناها.
ما تقييمكم لتعامل السلطات السودانية مع الاحتجاجات التي تخرج من وقت لآخر؟
الاحتجاجات هي فعل ديمقراطي نصت عليه الوثيقة الدستورية التي أقرت حرية التظاهر، وحرية المواكب، وجميع الدول تتيح الاعتراض أو التظاهر خاصة، والمعروف عنا أننا نتظاهر سلميا، لكن العسكر يخشى على مقاعده في السيادة.
العسكر متمثلا في اللجنة الأمنية لحكومة البشير السابقة، وعلى رأسها «البرهان» و«ياسر العطا» و«كباشي»، وأيضا متمثلا في قوات «الدعم السريع» بقيادة «حميدتي»، وهي قوات تشتمل على عناصر "مرتزقة" غير سودانية، وتسيطر الآن على السلطة، بالإضافة لمليشيات أخرى خاصة بالحركات المسلحة، التي كانت جزءا من «الحرية والتغيير»، وعلى رأسهم «مناوي» و«جبريل» و«مالك عقار» وغيرها من الحركات أو "الجيوش" الجديدة التي لا نعرف من أين أتت؟ كل تلك الجيوش موجودة الآن في «الخرطوم»، وكأن العاصمة تحوّلت لساحة معركة وصراع.
اقرأ أيضا: لماذا التناقض في موقف الغرب بين انقلابي البرهان والسيسي؟
علما بأن المكان الحقيقي لتلك الجيوش هي الثكنات العسكرية على حدود السودان لحماية أرضه، وهذا هو دور الجيش، وليس الحكم أو إدارة الاقتصاد كما يحدث الآن.
ففي الوقت الحالي، يمتلك العسكريون ما نسبته 82% من الاقتصاد السوداني، بل ويشاركون في 18% المتبقية من خلال اقتطاع مخصصات رواتب ومساكن الجنود، وكان ذلك في فترة وجود «حمدوك»، وهم يفعلون ذلك خوفا على مقاعدهم، ولأنهم مطلوبون دوليا للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في حال تركوا الحكم، وفي سبيل ذلك يرتكبون المزيد من الانتهاكات، ولذلك كان تعاملهم بعنف مفرط مع الثوار حفاظا على كراسي السلطة، لكنهم سيصلون حتما لهذه المحكمة، أو نسلمهم بأيدينا.
كيف تردون على مَن يرى أنكم رضيتم بهذه الممارسات في أثناء فترة تحالفكم مع المكون العسكري خلال الأعوام السابقة؟
لنتحدث أولا عن أسباب هذه الشراكة (شراكة المدنيين مع العسكر): لما وضعت الوثيقة الدستورية نصت على هذه الشركة، لكن بنسب محددة.
تعودنا في السودان أن فترات الحكم الديمقراطي كانت عن طريق عسكريين يسلمون السلطة لمدنيين بداية من عهد الفريق إبراهيم عبود، مرورا بعهد جعفر النميري حينما تسلم السلطة عبدالرحمن سوار الذهب وسلّمها للمدنيين، وحتى ثورة 2018 عندما اعتصم الثوار أمام وزارة الدفاع (القيادة العامة السودانية)، فانحاز الجيش للشعب -وكنّا نسعى لذلك- وقد انحاز الفريق أحمد عوض للشارع، لكنه لاقى رفضا كبيرا باعتباره أحد الإسلاميين، ثم أتى «البرهان» الذي لم يكن توجهه السياسي معروفا حينها، أو كما قيل ليس لديه انتماءات حزبية.
فقبلنا به على مضض، وعلى أن تكون مشاركتهم في مجلس السيادة "مشاركة شرفية"، وهو ما نصت عليه الوثيقة الدستورية بالرغم من العيوب التي شابت تلك الوثيقة، التي أعطتهم بعض الصلاحيات، وتكوّن المجلس من 5 عسكريين، وهم أعضاء اللجنة الأمنية في عهد عمر البشير، إضافة إلى 5 مدنيين، وعضو آخر يتفق عليه الطرفان، ووقع الاختيار على سيدة مسيحية، على أن يكون للمدنيين اختيار الوزراء وتعيينهم، بما في ذلك وزيرا الدفاع والداخلية، ويكون مجلس السيادة مجلسا شرفيا، وليس له اختصاص بالسلطة التنفيذية المقررة، أو حتى السلطة التشريعية - إن وجدت –، فارتضينا ذلك على اعتبار أن مدة 4 سنوات فترة كافية لمرحلة انتقالية لتُبنى فيها كل المؤسسات، ثم نأتي لدولة المؤسسات من خلال المؤتمر الدستوري.
لكن رأينا أن البرهان يريد السيطرة على كل شيء بجيوشه، والمدنيون في موقف "الضعيف"، وأقولها بوضوح؛ إن المدنيين انشغلوا بأمور أخرى لا علاقة مطلقا لها ببناء الدولة، حيث انشغلوا بالمناصب والمحاصصة والتعيينات والحكومة، ونسوا أن هناك عسكريين يتربصون بهم وبالجميع.
لماذا لم تعلنوا ذلك إلا بعد 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021؟
خلال الثلاث سنوات الماضية، ونتيجة لبُعد الأحزاب عن ممارسة العمل السياسي، وعدم استعدادها الكافي لاستلام السلطة، وصلنا إلى هذا الحال، حتى خرج «حمدوك» يوما وقال: «الحرية والتغيير» ليس لديها برنامج سياسي، وربما كان لديه الحق؛ فعندما رشحت «الحرية والتغيير» عبدالله حمدوك لرئاسة الوزارة اعتمدت على اختياراته للوزراء، وأنها ستكون "حكومة تكنوقراط"، لكنه كان متخبطا جدا في اختياراته، وكنت أرى بوجوب قيادة الثوار لثورتهم، لكن أن تأتي برجل بعيد عن إحساس وواقع الثورة على رأس الحكومة، فحتما تكون النتيجة كما نرى.
كنت أرغب في رؤية "حكومة مقاتلة" أتت بعد 30 سنة من المجازفات الشديدة، قادرة على تنفيذ ما جاء في الوثيقة الدستورية، وليست مجرد سلطة تنفيذية، بل إنها فشلت في ذلك أيضا، ولم تستطع فعل أي شيء؛ فنجد عبد الله حمدوك – وهو رجل اقتصاد – يعطي رئاسة اللجنة الاقتصادية لحميدتي حينما جاء إلى المؤتمر الاقتصادي، وكنت أندهش للغاية عندما يُدار الاقتصاد عن طريق شخص مثله، رغم أن السودان زاخر بالكثير من الكفاءات الاقتصادية، والاقتصاد هو عصب حياة الدول.
أيضا من الأخطاء التي وقعنا فيها -التي أذكرها لأول مرة- هي أن «المحصاصات» أبعدت كثيرا جدا من الثوريين الحقيقيين، فكانت هناك حالة من الاستقطاب للحاشية والمعارف والأهل لتظل في موقع السلطة، بينما تناسوا أن تلك الفترة محدودة بـ 4 سنوات حتى يتم تسليم السلطة لحكومة منتخبة.
وما منعنا عن الحديث عن كل هذه الأسباب، هو الخوف من "شق الصف" وخوفا على ما تبقى من ماء وجه السودان، وأملا في حدوث بعض التغييرات، التي حدث بعضها بتعيين بعض السياسيين في الحكومة التنفيذية أمثال: «خالد عمر»، وبعض التغييرات الطفيفة الأخرى المحدودة.
ومن النجاحات التي تحسب لعبدالله حمدوك، قدرته على تغيير السياسية الخارجية للسودان بشكل كبير، رفع اسم بلادنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأصبح السودان دولة لها احترامها خارجيا، لكن «الميزان لا يعتدل بكفة واحدة»، بمعنى لا يجب أن تنشغل بالعلاقات الخارجية عن القضايا الداخلية، مثل الفقر، والمرض، وغياب الأمن، الذي هو صميم عمل الهيئات الأمنية، لكن تلك الهيئات كانت سببا في افتعال الأزمات، وفي القلب منها الأزمات الأمنية.
مَن المسؤول عن المحاصصة التي ساهمت في إفشال الثورة السودانية؟
لا أستطيع تسمية شخص بعينه باعتباره مسؤولا عن المحاصصة، لكن كل التنظيمات السياسية التي شاركت في الدولة انشغلت بالمحاصصة المقيتة، حتى وقع الكثير من المشاكل والأزمات إلى أن حصل الانقلاب الأخير، ولم نستطع تكوين مجلس تشريعي لأسباب واهية، ونسوا أو تناسوا أن المجلس التشريعي هو الضلع الأقوى في السلطة؛ فهو الجهة المنوط بها محاسبة المُقصر، وهو الجهة الوحيدة التي تُشكّل المحكمة الدستورية بنص الوثيقة الدستورية.
كيف ترون اختزال المشهد السياسي في المكون العسكري وقوى "الحرية والتغيير" فقط، واتهام البعض لكم بممارسة الإقصاء والتهميش للآخرين خلال الفترة الماضية؟
المكون المدني انقسم على نفسه؛ فقد كنت أنتمي لتجمع المهنيين السودانيين، لكن التجمع نفسه طالته الانقسامات وتحول لفريقين: تجمع المهنيين السودانيين المنتخب، وتجمع المهنيين "غير المنتخب"، حتى ضاع القرار بينهما.
أما الأحزاب السياسية الأخرى عندما دخلت في "الحرية والتغيير" ككيانات انقسمت إلى: "نداء السودان"، وكيان «قوى التغيير»، وكيان الجمهوريين، وهذه الكيانات انقسمت من داخلها؛ فنجد أن الحركات المسلحة التي انضوت في كيان "نداء السودان"، خرجت مرة أخرى تبحث عن مناصب جديدة. أيضا داخل هذا الكيان، نرى «حزب الأمة» الذي يحاول "مسك العصا من المنتصف" مرة مع الحكومة ومرة أخرى مع المعارضة، ويبحث عن المزيد من الحقائب الوزارية باعتباره صاحب أكبر رصيد من أصوات الناخبين في الانتخابات التي أجريت قبل 30 سنة.
ونذهب إلى «قوى التغيير»، التي تتكون من حزب البعث، والحزب الشيوعي، وبعض الأحزاب الصغيرة. الحزب الشيوعي خرج عن هذا الكيان لتحفظه على بعض الأمور، وحتى يضمن تمثيلا في الحكومة، بدعوى أنه يمثل كيانا مستقلا وله أحقية في التمثيل بعيدا عن الكيان الذي خرج منه آنفا، والذي يريد أن يخدم فليخدم من أي مكان في السودان، ليس بالضرورة أن تكون رئيسا للوزراء أو وزيرا؛ فهي فترة انتقالية مدتها 3 سنوات ليس غير، وكان يمكن للجميع أن يتجاوز تلك الفترة بدون الأزمات الجارية الآن، التي تسبّب بها الجميع بلا استثناء.
البعض اتهم قوى "إعلان الحرية والتغيير" خلال فترة الشراكة مع المكون العسكري بقمع الاحتجاجات ورفض وصولها للقصر الرئاسي.. إلى أي مدى تتفقون مع ذلك؟
أنا لا أحسب نفسي جزءا من المكون المدني المشارك في الحكم، وإنما كفرد من الشارع السوداني، وعانيت شخصيا من هذا الإبعاد الذي تحدثت عنه؛ فقد أُبعدت من «الحرية والتغيير»؛ فالكثير من السياسيين الذين قادوا الثورة أُبعدوا، لكنهم يفضلون الصمت منعا لشق الصف.
عندما تكون هناك مظاهرة في مكان ما، ويخرج العسكر لقمعها أنا أرفض ذلك تماما، وعلى الحكومة -أي حكومة– حمايتها وليس ضرب المتظاهرين، وقد خرجت أكثر من مرة على وسائل الإعلام لأندد بهذه الأفعال من جانب حكومة "الحرية والتغيير" التي يفترض أنها حاضنة الثورة؛ فالشعب السوداني لا يخرج في مظاهرة إلا نتيجة تقصير في أحد الجوانب، وعلى المسؤول دراسة أسباب هذا الخروج وليس ضرب أو قمع المتظاهرين، والآن نرى قتلا للمتظاهرين، واغتصابا للمتظاهرات.
وأنا شخصيا أقرّ بتلك الممارسات التي كانت مرفوضة جملة وتفصيلا، خاصة أنك أتيت إلى الحكم عبر تلك المظاهرات، فكيف لك أن تمنعها بعد ذلك؟ رغم ذلك لم يكن هناك قتل للمتظاهرين بخلاف ما نراه الآن.
لكن البعض يقول إن عدد قتلى المظاهرات خلال فترة وجود المكون المدني في مجلس السيادة ،يفوق عدد القتلى خلال الاحتجاجات في أواخر عهد البشير؟
هذا غير صحيح، عدد القتلى بعد انقلاب «البرهان» على الديمقراطية قرابة 80 شخصا حتى الآن، أما خلال فترة المرحلة الانتقالية التي سبقت هذا الانقلاب لم نصل إلى هذا العدد، ربما يقصدون الفترة التي سبقت التوقيع على الوثيقة الدستورية، خلال تولي اللجنة الأمنية السلطة، وهي الفترة التي حدث خلالها فض اعتصام القيادة العامة، وأيضا الفترة التي أعقبت «انقلاب البرهان» الأول على «الحرية والتغيير» في عام 2019 عندما أراد الانفراد بالسلطة، ورفض الجلوس للحوار مع المكون المدني، فخرج الشارع بمظاهرة مليونية، وأرغم البرهان على الجلوس على مائدة الحوار مرة أخرى.
أما القتل الذي يحدث الآن، والقتل الذي حدث أمام مقر القيادة العامة، لم ولن يسبقه مثيل، وحقيقة لم يكن هناك قتل وسحق وقمع واغتصاب للمتظاهرين في عهد "الحرية والتغيير" كما يردد البعض.
عضو مجلس السيادة السابق محمد سليمان الفكي قال سابقا: "نحن فقط الذين لدينا حق التظاهر وليس لأحد غيرنا".. ما تعقيبكم؟
نعم هو قال هذا الكلام، لكنه كان يتحدث عن فلول النظام السابق؛ لأن حزب المؤتمر الوطني –الحزب الحاكم خلال عهد البشير– حُرم بنص الوثيقة الدستورية من ممارسة العمل السياسي لمدة 10 سنوات، لكن أن توافق حكومة البرهان على مسيرة ينظمها عناصر الحزب فهذا ما لا نرضاه نحن أو محمد سليمان، وكيف لهم أن يتظاهروا في الشوارع والميادين في حماية الجيش والشرطة، في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب السوداني لقنابل الغاز المسيل للدموع، بل ويُطارد بالأسلحة الثقيلة أحيانا، أما حزب المؤتمر فمن المفترض أنه ممنوع بنص الوثيقة الدستورية.
ما موقفكم لو عاد حزب المؤتمر عبر صناديق الاقتراع للسلطة مرة أخرى؟
حزب المؤتمر ممنوع من المشاركة بالعمل السياسي بنص الوثيقة الدستورية لمدة 10 سنوات، والشعب السوداني الآن يتظاهر وهو جائع، وأشهر الهتافات هي "الجوع ولا الكيزان" -ويقصد بالكيزان «الإسلاميين»- وقد رأينا في مظاهراتهم أشخاصا يتظاهرون مقابل المال، وآخرين يأتون لمخيمات الاعتصام عند توزيع وجبات الطعام ثم يعودون لأعمالهم.
ويوم 26 كانون الثاني/ يناير الماضي نظموا موكبا، ولاحظ الجميع فتح الطرقات أمامهم للتظاهر، ولم يتجاوز عددهم 500 شخص على أقصى تقدير، وأنا أؤكد لك أن عناصر النظام البائد لن يصلوا للحكم بشكل أو بآخر، والنسبة الأكبر من الشعب السوداني الذين يمثلهم فئة الشباب يرفضون ذلك.
بعد فشل «العزل السياسي» في عدد من دول الربيع العربي، هل ستنجحون في تطبيقه في السودان؟
الشعب السوداني بثقافته العربية والأفريقية يختلف تماما عن كل شعوب العالم؛ فعندما وقع الانقلاب الأخير برعاية إقليمية –والجميع يعرف مَن وراءه– كان يُقال للانقلابيين لا تخشوا شيئا، سيتظاهر الشعب أسبوعا أو اثنين، ثم يستتب لكم الأمر كما حدث في بعض الدول العربية، لكن في السودان الأمر مختلف؛ فبعد ثلاثة شهور من الانقلاب لم يستطع البرهان تعيين رئيس للوزراء حتى الآن، وقد فعل ما لم يسبقه إليه أحد عندما رقى عددا من وكلاء الوزارات لدرجة وزير، ثم يبحث عن رئيس للوزراء لتعيينه بعد أن قمت بتعيين حكومته أصلا، هذا لم يحدث إلا في السودان نتيجة لجهل «البرهان» السياسي.
وأؤكد لك أن شباب الثورة قد شكّلوا لجانا، وهيئوا أنفسهم لاستمرار التظاهرات، وقد اتسعت رقعة التظاهرات من الخرطوم حتى أن كل مدن السودان تنتفض الآن، ولا يقتصر التظاهر على الشباب فقط بل وكبار السن والنساء، وهي تظاهرات تذكرنا بآخر أيام عمر البشير في الحكم.
وقتل متظاهر واحد يزيد الإصرار على الخروج للتظاهر، والمطالبة بحق المقتول، والآن الأحزاب السياسية بدأت بترتيب صفوفها مرة أخرى، وسنسقط الطغمة الحاكمة بأنفسنا؛ لأن رهاننا على الشارع، وليس على المجتمع الدولي أو الإقليمي.
رغم كل هذه الأخطاء.. لماذا لم تقم قوى "الحرية والتغيير" بأي مراجعات حتى الآن؟
هنالك مراجعات، لكنها غير مُعلنة للناس أو لوسائل الإعلام، وما تقوم به الآن من توحيد للصف الثوري هو خطوة على الطريق، وقد لاحظت أن أحزاب "الحرية والتغيير" قدمت عددا من المبادرات لمعالجة الوضع الراهن، وهناك مجموعات بدأت بتكوين كيانات، حتى الحزب الشيوعي أرى أنه سيعود مرة أخرى لترجيح كفة المصلحة الوطنية، وما يحدث خارج الخرطوم هو مؤشر جيد جدا في التوحد ضد الكيان الحاكم.
هل يمكن القول إن «حمدوك» خان أو خذل الثورة السودانية؟
كما ذكرت قبل قليل أن حمدوك له العديد من النجاحات، أهمها الجانب الخارجي، لكنه فشل فشلا ذريعا في السياسة الداخلية للدولة، والنقطة الثانية عندما حدث الانقلاب وتم احتجازه كرهينة وقف الشارع بجانبه، وكان ينتظر منه أن يكون معارضا قويا وصامدا، لكن لا أعرف الظروف التي دفعته أو تعرض لها حتى يأتي ويوقع اتفاقا جديدا مع هؤلاء العسكر.
هذا الاتفاق الأخير قلّل كثيرا من شعبية حمدوك، والشارع يرى أن حمدوك خذله، لأن الانقلاب كان يصارع العالم بأثره، بعدما قام باحتجاز رئيس الوزراء، لكن بخروج حمدوك وتوقعيه على هذا الاتفاق أعطاهم بعض الشرعية، مما قلّل الضغط العالمي، واستبدل العالم لفظ «الانقلاب» باللفظ الذي أطلقه البرهان «تعديل المسار» باعتبار حمدوك داخل "الحرية والتغيير"، التي هي بريئة من حمدوك والبرهان وحميدتي وجميع الحركات المسلحة الأخرى.
ذكرتم بأن هناك بعض الدول كانت تقف خلف انقلاب البرهان.. فما هي هذه الدول؟ وما أبعاد التدخل الإقليمي في الشأن السوداني؟
بلا أي شك هناك تداخلات إقليمية واضحة في دعم انقلاب البرهان، خاصة من دولتي إسرائيل ومصر؛ فدولة الاحتلال التي كانت تحلم بأن مسؤولا سودانيا يبتسم لها، الآن تنزل عناصر الموساد في مطار الخرطوم ويسيرون في طرقاتها بشكل طبيعي، وعندما كان الثوار يجمعون فوارغ الرصاص وقنابل الغاز، كانوا يجدون بعضها "مصنوعا في إسرائيل".
أيضا عندما نرى قوت الشعب السوداني يُرحّل إلى مصر، فخلال إغلاق المحاور الشمالية تبين أن 40% من المواشي السودانية تصدر حيّة إلى مصر، منها بالتهريب، ومنها بطرق مشروعة، ووجدنا أيضا القطن المزروع في بلدنا يذهب إلى مصر حتى دون حلجه في محالج السودان، بالإضافة للصمغ العربي، بل وجدنا لحوما مُصدرة وداخلها بعض "الذهب"، بخلاف أننا وجدنا عملة مزيفة تدخل لبلادنا من مصر.
وليس مصر فقط؛ فالعديد من دول الجوار تتغذى من الإنتاج السوداني، لذا سنعمل على أن تكون تجارة الحدود مُطابقة للأعراف الدولية من خلال العملات الأجنبية (الدولار)، ونظام السوق، وليس كما يحدث الآن من خلال دخول عدد من المصريين وشراء المنتجات بالأسعار وبالعملة السودانية، ثم الخروج من السودان دون أي عائد على الاقتصاد السوداني، وهناك التهريب لإريتريا، وتشاد، وجنوب السودان.
أما عن أبعاد هذه التدخلات، فما أعلمه أن البرهان زار القاهرة سرا قبيل الانقلاب، ثم عاد ليلا وفي الصباح أعلن عن انقلابه المشؤوم. أما عن تفاصيل ما دار بينهم فلا يعلم عنه أحد شيئا، لكن المعلوم لدى الجميع أن البرهان "مسنود" بقوة من مصر، والعسكر يعترفون بذلك، وحميدتي "مسنود" من دولة الإمارات، وإسرائيل، وروسيا، في مقابل تهريبه للذهب السوداني لروسيا والإمارات، ولا أقول بيعه وإنما تهريبه.
قيل إن المكون العسكري وعد بتدشين قاعدة عسكرية لإسرائيل على البحر الأحمر.. هل لديكم معلومات حول هذا الأمر؟
نعم قيل ذلك، وقد سبقهم الروس إلى ذلك؛ فبعد خلع البشير اكتشف السودانيون أن روسيا كانت تعمل على إنشاء قاعدة عسكرية على مساحة ضخمة من الأراضي التي تطل على البحر الأحمر، ولا أستبعد أن إسرائيل أو غيرها يكون لها قواعد هناك، كذلك الإمارات عندما كان النزاع مع إثيوبيا بخصوص منطقة "الفشقة" المتاخمة للحدود الإثيوبية، عرضت أبو ظبي التدخل مقابل استئثارها بأجزاء من تلك الأراضي السودانية، وكان هناك اتفاق قائم بالفعل.
لذا، فنحن نراهن على السودانيين أنفسهم، وعلى الشرفاء في الجيش السوداني، وليس أي شخص من خارج السودان.