هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طلب الرئيس التونسي قيس سعيد من عدد من القيادات الأمنية، خلال لقائه بهم في ساعة متأخرة مساء السبت الماضي، في مقر وزارة الداخلية، السماح للمواطنين بالتظاهر وحماية المتظاهرين الذين يعتزمون إحياء ذكرى اغتيال السياسي شكري بلعيد من جهة، وآخرين مطالبين بحل المجلس الأعلى للقضاء من جهة أخرى.
ويأتي هذا الطلب بعد أقل من اثنتي عشرة ساعة من إصدار وزارة الداخلية بيانا تطالب فيه المواطنين بإحترام قرارات الحكومة، وتوصيات اللجنة العلمية لجائحة كورونا بمنع التظاهر والاجتماعات العامة في الأماكن المغلقة والمفتوحة.
وجاءت معارضة قيس سعيد لبيان الداخلية وتوصيات اللجنة العلمية، في اليوم الذي أعلنت فيه وزارة الصحة التونسية عن عشرين وفاة بسبب كورونا وعن تحاليل إيجابية بنسبة 35% من جملة التحاليل المجراة يومها.
في المقابل كانت الحكومة قد منعت تحركات الاحتفال بعيد الثورة يوم 14 كانون الأول/ يناير في حين أن الوفيات وقتها لم يتجاوز عددها الخمسة ونسبة التحاليل الإيجابية لم تتجاوز الـ28% .
ومثلت هذه المفارقة مناسبة جديدة لاتهام سعيد بتوظيف جائحة كورونا وعدم المصداقية في التعامل مع قرارات اللجنة العلمية.
وفي هذا الصدد، قال وزير الصحة السابق، عبد اللطيف المكي، لـ « عربي21» إن الرئيس قيس سعيد «وظف كل القضايا بما في ذلك أزمة كورونا من أجل بسط نفوذه على السلطة وتصفية خصومه بالرغم من أنه في كل مرة يصرح بعكس ذلك».
وأضاف المكي بأن «الرئيس لم يتعامل مع الجائحة الصحية بالشكل المناسب في البداية ثم وظف المساعدات التي تلقتها تونس من اللقاحات وغيرها للدعاية للانقلاب».
سعيد وكورونا قبل 25 يوليو
في شهر أيار/ مايو 2021 وبينما كانت الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي تدعو المواطنين للتلقيح ضد فيروس كورونا، رفض سعيد التلقيح وصرح حينها قائلًا: "نحن لن نسرع ولم نلقّح خوفًا من كورونا".
من جهته، قال رئيس مكتب الصحة بحركة النهضة، الدكتور منذر الونيسي لـ"عربي21ٍ" إن " رئيس الجمهورية لم يبذل الجهد الكافي في معاضدة جهد الحكومة في جلب التلاقيح وحث المواطنين على التلقيح قبل 25 تموز/ يوليو، حيث إنه رفض التدخل لدى الدول الشقيقة والصديقة لجلب التلاقيح وعطل مجهود الحكومة لذلك».
وأكد الونيسي: "الرئيس لم يزر مطلقا أي مستشفى عمومي ولم يكرم طبيبا واحدا".
وفي نفس الصدد اعتبر الونيسي أن "الرئيس فرض على رئيس الحكومة وزيرا فاشلا للصحة وعطل تزكية وزير جديد للصحة ما عرقل عمل الوزارة واللجنة العلمية" مذكرا بأن "حكومة المشيشي كانت تعتزم استجلاب مليوني تلقيح حتى أواخر 25 تموز/ يوليو".
وأوضح رئيس مكتب الصحة بحركة النهضة أن عددا من الهبات التي وصلت في شكل تلاقيح ومعدات طبية لم تظهر إلا بعد 25 تموز/ يوليو.
في المقابل اعتبر أسامة عويدات المسؤول الإعلامي لحزب حركة الشعب في تصريح لـ"عربي 21" أن "ما حصل قبل 25 تموز/ يوليو تتحمل مسؤوليته حكومة المشيشي والأحزاب الداعمة لها"، مضيفا أن "قيس سعيد لم يكن له هامش للتعاطي مع الوضع الصحي نظرا لأنه من اختصاصات الحكومة".
وتابع عويدات: "الحكومة لم تكن مهتمة بالوضع الصحي.. في الوقت الذي كان فيه مئات التونسيين يموتون بسبب كورونا وغياب الأكسجين فقد كان رئيس الحكومة وأعضاؤها في النزل الفاخرة" معتبرا أن "إجراءات 25 يوليو جاءت لإنهاء هذا الاستهتار بصحة التونسيين".
اللقاحات.. دعاية للانقلاب
إثر انقلاب 25 تموز/ يوليو، اتخذ سعيد من حملات مجابهة كورونا أداة للدعاية للانقلاب، وهذا ما أكده وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي لـ"عربي21" بالقول إن "قيس سعيد لم يجد من الإنجازات غير ارتفاع نسب التلقيح ضد فيروس كورونا، حيث وظف حملات التلقيح للدعاية للانقلاب".
في السياق ذاته، قال الدكتور الونيسي: "لا يعلم أحد آليات استجلاب التلاقيح ولا طرق تخزينها وحفظها وإقصاء وزارة الصحة من ذلك والاقتصار على إدارة الصحة العسكرية".
وأضاف: "هذه التلاقيح أعطيت بعد ذلك بشكل مكثف للمواطنين بشكل غير شفاف ما تسبب في مضاعفات خطيرة للعديد منهم".
وأكد الونيسي أنه كان بإمكان رئيس الجمهورية بذل جهد أكبر باعتباره المسؤول الأول عن الدبلوماسية في جلب التلاقيح، على حد تعبيره.
من جانبه، اعتبر المسؤول الإعلامي لحزب حركة الشعب، أسامة عويدات أن "مقارنة مع ما كان قبل 25 تموز/ يوليو من انهيار للمنظومة الصحية وصلت حد وفاة المواطنين على قارعة الطريق بما حصل من نقلة بعد ذلك في جلب التلاقيح والأكسجين والتمكن من تلقيح قرابة الستين بالمائة من التونسيين، يعد نجاحا حقيقيا لقيس سعيد".
اللجنة العلمية.. أداة سعيد
بالتزامن مع دعوة عدد من الأحزاب إلى الاحتفال والمطالبة بإسقاط الانقلاب بمناسبة ذكرى الثورة التونسية يوم 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، قررت حكومة نجلاء بودن، وفق بيان صادر عنها منع التجوال من الساعة العاشرة إلى الساعة الخامسة صباحا بالإضافة إلى تأجيل وإلغاء كافة التظاهرات المفتوحة لمشاركة أو حضور العموم، وذلك سواء في الفضاءات المفتوحة أو المغلقة، حتى إنها قررت تعليق إقامة صلاة الجمعة في المساجد والساحات لمدة أسبوعين، بدعوى الحد من انتشار فيروس كورونا.
وقد أصدرت جملة من الأحزاب السياسية حينها بيانات اتهمت الحكومة بتوظيف قرارات اللجنة العلمية لخدمة توجهها في التضييق على التحركات المعلنة.
وعاد الجدل حول مصداقية السلطة في التعاطي مع قرارات اللجنة العلمية إثر تجاوز رئيس الجمهورية لقراراتها ودعوة الأمنيين لمخالفة أوامر سبق أن أعلنت عنها وزارة الداخلية لمنع المتظاهرين بمناسبة ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد.
في هذا السياق، قال مسؤول الإعلام بحركة الشعب أسامة عويدات لـ"عربي21" إن "نجاح الحكومة في تلقيح عدد كبير من التونسيين وانطلاقها في حملات التطعيم لدعم المناعة خفف من حدة الفيروس وخطورة ما شهده من تحويرات وهو ما ساهم في عودة التونسيين إلى حياتهم اليومية بشكل طبيعي تقريبا".
وأضاف عويدات أن "قرار سعيد يأتي في هذا الإطار - أي تحسن الوضع الصحي في البلاد - وأن السلطة لم تتوقف عن دعوة المواطنين الى مواصلة أخذ الاحتياطات اللازمة واحترام توصيات الجهات الصحية في احترام التباعد واحترام مستلزمات الوقاية الضرورية".
في المقابل، يقول رئيس مكتب الصحة بحركة النهضة منذر الونيسي لـ"عربي21" إن اللجنة العلمية "أصبحت أداة لخدمة السلطة القائمة.. وآراؤها غير الملزمة تستعملها السلطة بشكل انتقائي ما أساء لصورتها وصورة أعضائها خاصة ما حدث يوم 14 تموز/ يوليو الماضي، وما صحبه من عنف واستشهاد مواطن ثم إلغاء قراراتها بشكل فج من طرف رئيس الجمهورية فجر 6 شباط/ فبراير ما جعلها في عداد المنحل".
وأضاف الونيسي أن "مخالفة قيس سعيد لتوصيات اللجنة العلمية دليل جديد على أن سعيد يعتمد الجائحة كمطية لتنفيذ أجندته في تجميع جميع السلط تحت يديه وتحقير العلماء والوزراء".