حقوق وحريات

فتيات يدفعن ثمن الانقلاب العسكري بمصر.. "وقائع مؤلمة"

حقوقيون: أسر المعتقلين عامة والزوجة غير الحاضنة والخطيبة قنبلة موقوتة- عربي21
حقوقيون: أسر المعتقلين عامة والزوجة غير الحاضنة والخطيبة قنبلة موقوتة- عربي21

في محنة الانقلاب العسكري الذي ضرب مصر منتصف 2013، تتواصل على مدار أكثر من 8 سنوات أزمة المعتقلين في سجون النظام وسط اهتمام حقوقي بما يجري بحقهم من انتهاكات أمنية وتجاوزات فجة بجانب حقوقهم القانونية والدستورية المهدرة.

ووسط آلاف القضايا لأكثر من 60 ألف معتقل، يحدث من آن لآخر بعض الاهتمام بالشق الآخر من القضية؛ وهي النساء اللاتي تحطمت قلوب الكثير منهن مع اختطاف أبنائهن وأزواجهن، حيث يجري رصد بعض معاناتهن مع زيارة ذويهن المعتقلين بجانب أزمات بعضهن الحياتية.

ولكن هناك جانب آخر لم يلتفت إليه أحد في القضية الشائكة؛ وهي خطيبة المعتقل التي حلمت بعش الزوجية مع من دخل بيتها من الباب ورأت فيه فارس أحلامها ثم اختطفه النظام العسكري الحاكم ليقبع أغلبهم في سجونه لأكثر من 8 سنوات.

وهنا تظل الخطيبة أو الزوجة الشابة غير الحاضنة طيلة تلك السنوات بلا أمل في حياة مع أنيس اختارته بعناية، بل إنها تفقد أجمل سنوات عمرها في انتظار خطيب أو زوج حاصرته الأحكام القضائية المسيسة، بينما تقترب هي من عمر الـ30، الذي يمثل ناقوس خطر لكل فتاة.

 


"رسالة مؤلمة"

تلك القضية التي تشبه قضايا المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فجرها إعلان فتاة مصرية اضطرارها لفسخ خطبتها من خطيبها المعتقل بعد 7 سنوات من اعتقاله، وتدويره في 5 قضايا أخرى جديدة مسيسة، وذلك بعد خطبته لها وهي في عمر الـ22 عاما بينما اقتربت اليوم من سن العنوسة.

وتداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما كتبته الفتاة دون ذكر اسمها أو اسم خطيبها المعتقل، والذي بدأته بقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ"، (الأعراف).

وأضافت: "ما تركته لعلة في دينه أو خلقه أو رجولته؛ فهو من خير الناس، ولكن ضعفت قوتي وخارت عزيمتي بعد 7 سنين عجاف خطوبة".

وتابعت: "انتظرت خروجه كل يوم؛ ولكن لم يرق لحالنا قلب السجان منزوع الرحمة، فقلت أعطي لنفسي فسحة، وقد دخلت في الثلاثين من عمري".

وقالت: "تجري علينا أقدار الله عسى الله أن يقدر لنا الخير حيث كان، ثم يرضينا به".

لتختم حديثها بقول الله تعالى في سورة البقرة: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".


"فقدان الأمل"

حديث الفتاة الموجع والتي حرص كثيرون على عدم ذكر اسمها، أثارت الجدل بين المتابعين، فهناك من رأف بحالتها، ولم يلمها وشكر صبرها، ولكن هناك من انتقد موقفها.

وفي الحالتين اعترف الجميع بأنها ضحية تماما مثل خطيبها وكلاهما يدفع الثمن لجرائم النظام العسكري الحاكم من الظلم والقهر، مشيرين إلى معاناة عشرات الآلاف من الزوجات اللاتي ينتظرن أزواجهن من سنوات.

"عربي21"، رصدت حالتين لاثنين من المعتقلين في إحدى قرى مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، تم فسخ خطبتيهما، بسبب طول مدة الاعتقال وفقدان الأمل في حل أزمة المعتقلين.

الحالة الأول للمعتقل (ب.ش) شاب جامعي معتقل منذ منتصف 2013، وخلال فترة الاعتقال وفي محاولة من عائلته لزرع الأمل لديه قاموا بخطبة ابنة معتقل آخر معه، وبعد سنوات تم فسخ الخطبة لأنه ما زال في محبسه رغم انتهاء مدة محكوميته.

الحالة الثانية، لـ(أ. م)، شاب يتيم الأب منذ الصغر، ووحيد والدته التي انتظرت اليوم الذي تفرح به ليعوض سنوات ترملها المبكر وقامت بخطبة الفتاة الجميلة "ح"، لكن لم تمر أيام حتى داهم زوار الفجر منزل والدته واقتادوه".

ولكن، الخطيبة برغم ذلك ما زالت تنتظر خطيبها الغائب بلا سبب معلوم كونه غير مصنف تحت أي توجه سياسي أو فكري.

"نظام مجرم ومجتمع غافل"

الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبو خليل، قال في حديثه لـ"عربي21": "مرت بي خلال عملي الحقوقي حالات مماثلة كثيرة أُوجع فيها قلب المعتقل وضاع خلالها عمر الفتاة بالانتظار".

وأشار إلى أن "تلك الحالات ليست خطوبة فقط، ولكن هناك عائلات وزوجات تصل لنقطة عدم القدرة على استكمال المشوار الصعب أو تحمل المسؤولية الشاقة من البيت والأبناء، ناهيك عن الاحتياجات النفسية والعاطفية وهي مأساة ثانية وأبعاد أخرى".

ودشن الحقوقي المصري عبر مقطع فيديو مصور هاشتاغ "#الحرية_لخطيبي_وزوجي"، "#الحرية_لبابا_وماما"، مؤكدا لـ"عربي21"، ضرورة "إحداث حالة من الضغط الشعبي حول هذه القضية وليعرف الناس أبعادها".

وقال إن "الاعتقال فعل متعد على المجتمع بأكثر من 60 ألف معتقل لديهم 60 ألف أسرة؛ لذا فالموضوع كارثي وخاصة في ظل حالة الاحتقان، ومع قرارات النظام بإعادة تدوير المعتقلين بقضايا جديدة بعد انتهاء مدد محكومياتهم".

وعن قضية الفتاة، أوضح بعض معالم القصة واصفا إياها بأنها "قصة صمود تستحق التقدير لا النقد"، ومؤكدا أنها "انتظرت خطيبها 7 سنوات، ولكن قام الأمن بتدويره بـ5 قضايا، ما قطع أملها بحياة سعيدة مع خطيبها بينما تعدت سن الـ30 عاما".

وأوضح أن "الفتاة حصلت علي ليسانس اللغة العربية بجامعة الأزهر 2014، وتمت خطبتها وعمرها 22 سنة وعدة أشهر، ليعتقل الأمن خطيبها ويتم تلفيق قضية سياسية له حكم فيها بـ5 سنوات، ثم لفق  له قضية أخرى بالقضاء العسكري، وحكم بـ5 سنوات أخرى، لكن دون تثبيت الحكم".

وتابع: "بعد أن أكمل خطيبها 6 سنوات بالمعتقل، صدر حكم بإخلاء سبيله، وانتظرته خطيبته ولكن جرى تدويره في 5 قضايا جديدة وبنفس التهم التي أخلي سبيلها فيها، ومع ذلك لم تتخلف الفتاة عن زيارته يوما".  

وأكد أنها "بتلك السنوات حصلت على شهادة معهد التمريض وأتمت حفظ القرآن الكريم؛ ولكن ضغوط أسرتها كانت أكبر من تحملها خاصة وأنها تجاوزت الثلاثين".

وختم أبو خليل حديثه بالقول: "لو هناك محكومية حقيقية، ولو لم يوجد إعادة تدوير، فالصبر ممكن، ولكن انعدام الأمل مع تدوير المعتقلين حاضر بقوة، وهنا لا يمكن للمجتمع أن يلوم أحدا"، مشددا على أن "الاعتقال جريمة تواطؤ بين نظام مجرم ومجتمع غافل".

"قنبلة موقوتة"

وفي رؤيته أكد الحقوقي المصري أحمد العطار، أن "الفتاة لها ظروفها الخاصة وقرارها خاص بها، ولهذا فإن فسخ ارتباطها بخطيبها المعتقل بعد 7 سنوات يُحترم في ظل انعدام الرؤية المستقبلية للمعتقل، مع ما تتعرض له من ضغوط".

وقال لـ"عربي21": "الحديث هنا حقيقة مؤلمة، وبصفتي أحد العاملين بالمجال الحقوقي، وصلت لي العديد من المآسي الإنسانية المماثلة، تفادينا الحديث عنها لأسباب كثيرة، ولذا فهذه ليست الحالة الأولى أو الأخيرة".

وأكد العطار، أن "المتابع لملف أسر المعتقلين وما يتكبدونه من مشاكل وآثار نفسية واجتماعية خطيرة يتأكد أن أسر المعتقلين عامة والزوجة غير الحاضنة والخطيبة، قنبلة موقوتة".

وأوضح أنها "تتفاقم مع طول فترة الاعتقال وعمليات تدوير المعتقلين، وكبر سن المعتقل وخطيبته أو زوجته الشابة، وضغط الأسر والمجتمع، وعدم وضوح الرؤية حول موعد خروج المعتقل، وإن خرج فإنه معرض للملاحقة مجددا، ناهيك عن حالته النفسية والاجتماعية وقدرته على الانخراط بالمجتمع".

وقال إن "كثيرا من المعتقلين الشبان خرجوا وقد دمرتهم السجون، وقُتل فيهم الأمل، ما أصابهم بأمراض عضوية ونفسية تنعكس على علاقاتهم بالمحيطين، بل إن معتقلين خرجوا بعد سنوات ففسخوا خطبتهم لفقدانهم الأمل في التعايش مع الواقع المؤلم".

ولفت الحقوقي المصري إلى تأثير التجربة السلبي على المعتقلين وعلى من أخلي سبيلهم، وعلى الأسر القريبة منهم، وضغوط مجتمع الأقرباء، ما يجعلهم بحاجة لدعم نفسي لتجاوز المرحلة بأقل الخسائر، خاصة في ظل قسوة النظام وأجهزته الأمنية وتعقبهم للمفرج عنهم وملاحقتهم".

 

التعليقات (2)
آدم لهذا الزمان
الخميس، 17-02-2022 05:31 م
آه يا ابنتى لقد أوجعتنى وأدميتى قلبى، والله الذى لا إله إلا هو لا أملك غير دموعى أذرفها عليكن ودعواتى أن يفرج الله كربكن وينتقم ممن ظلمكن، وعسى أن تكرهن شيئا هو خيرا لكن، فاصبرن فالمؤمنات مبتليات.
عابر سبيل
الثلاثاء، 15-02-2022 11:33 ص
اللهم اصرف عن المسلمين ظلم وشر ومكر وكيد الأنظمة الصهيونية في كل مكان آمين.