هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت
مجلة "فورين أفيرز" مقالا لأستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة
أكسفورد صمويل رماني قال فيه؛ إنه في اليوم التالي لانقلاب الجيش في بوركينا فاسو
في كانون الثاني/يناير، نزل أنصار النظام الجديد إلى الشوارع ملوحين بالأعلام
الروسية.
ورأى
الكاتب أن المشهد قد يبدو كأنه عودة إلى الحرب الباردة، لكن المتظاهرين كانوا
متأثرين بأمثلة حديثة من تصرفات الكرملين في القارة، حيث تحدثوا باستحسان عن نشر
روسيا للمرتزقة في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى لمحاربة المتمردين
الإسلاميين.
وأشارت
المجلة إلى أن روسيا لا توسع نفوذها في أفريقيا فقط من خلال استخدام المتعاقدين
العسكريين، بل إنها حققت تقدما دبلوماسيا قويا عبر القارة، وترأس الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول قمة روسية أفريقية في عام
2019، جمعت 43 رئيس دولة أفريقية في سوتشي.
واعتبرت
أن روسيا "عرفت كيف تستفيد من الإحباطات الشعبية من سياسات مكافحة الإرهاب
الأمريكية والفرنسية في أفريقيا"، فضلا عن المخاوف بشأن النفوذ الاستعماري
الجديد، وتنامي صعود النفوذ الروسي مع انسحاب الولايات المتحدة من القارة.
وأشارت
إلى أن عودة ظهور روسيا كقوة عظمى في أفريقيا بدأت في أواخر التسعينيات، حيث عكست
موسكو الانسحاب الذي بدأ بسحب استثماراتها من إثيوبيا وأنغولا في وقت سابق من ذلك
العقد.
وسعت
روسيا إلى إعادة بناء النفوذ السوفيتي في إفريقيا من خلال تقديم المساعدة العسكرية
الفنية ومساعدات التنمية، مع إنهاء التركيز على التبشير الأيديولوجي.
ولفتت
إلى أن روسيا تنظر إلى إفريقيا على أنها مصدر للموارد لشركاتها المملوكة للدولة
وسوقا محتملا للسلع الروسية، كما أنها تنظر أيضا إلى أفريقيا على أنها تقدم فرصة
لتعزيز مكانة الدولة العالمية وعرض نموذج متميز للأمن.
ونبهت
إلى أن موسكو قامت بتسويق ما تسميه "النموذج السوري" لمكافحة التمرد، الذي يعطي الأولوية للاستقرار الاستبدادي، باعتباره الترياق الأكثر فاعلية
للتطرف.
اقرأ أيضا: بوتين يعلن شطب ديون مستحقة على دول أفريقية.. كم قيمتها؟
وكجزء
من هذه الجهود، أرسلت روسيا متعاقدين من القطاع الخاص إلى دول هشة مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي وموزمبيق، وإلى شركاء سلطويين مثل غينيا وجمهورية
الكونغو الديمقراطية.
كما
أعادت روسيا إحياء برامج الدبلوماسية التعليمية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية
جزئيا، وأرسلت شحنات قمح للتخفيف من انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا.
وتعتبر
التدخلات الاقتصادية والعسكرية الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى مشاريع مربحة لـ"يفغيني
بريجوزين"، لكنها أيضا تزيد من مكانة روسيا في أفريقيا.
وأعلنت
روسيا عن النموذج السوري لدول الساحل التي تواجه حركات تمرد، ويبدو أنها وجدت
زبونا في مالي، حيث استقبلت حكومتها مقاتلي مجموعة فاغنر، كما كانت جمهورية أفريقيا الوسطى أيضا بمنزلة ساحة اختبار، لتعكس روسيا لقوتها الناعمة في أفريقيا.
ومع
ذلك، فإن تدخل روسيا في جمهورية أفريقيا الوسطى لم يكن ناجحا تماما، على الرغم من
أن موسكو صاغت تدخلها كوسيلة لمواجهة الاستعمار الفرنسي الجديد وحماية سيادة الدولة،
إلا أن نهجها القاسي أثار رد فعل معاكس.
أصيب
العديد من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى بالذهول عندما عين تواديرا فاليري زاخاروف،
عميل المخابرات الروسية السابق، مستشارا للأمن القومي في عام 2018: كان يُنظر إلى
ذلك على نطاق واسع باعتباره تعديا على السيادة الوطنية.
كما
وثق تقرير حديث للأمم المتحدة، تورط مقاتلي مجموعة فاغنر أيضا في ارتكاب انتهاكات
لحقوق الإنسان، مما زاد من تلطيخ ممثلي المقاولين في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث
التأثير الروسي أضحل مما يبدو.
وبعد
جمهورية أفريقيا الوسطى، أصبحت منطقة الساحل جزءا من أفريقيا، حيث يمكن رؤية الوجود
الروسي بوضوح، على الرغم من أن تأثيرها في منطقة الساحل أخف، إلا أن اهتمام روسيا
بالمنطقة يرتبط أيضا ارتباطا وثيقا بفك الارتباط الأمريكي والعثرات الفرنسية.
وعلى
الرغم من كل المكاسب الروسية الأخيرة في منطقة الساحل، فإن النجاح على المدى
الطويل ليس مضمونا على الإطلاق، ويمكن أن تؤدي الضغوط الموازية من الولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي -بما في ذلك العقوبات الاقتصادية المقترحة على مالي-
في نهاية المطاف إلى ردع الحكومة عن الاعتماد على المتعاقدين العسكريين الروس.
ووفق
"فورن أفيرز"، فإن القوى الغربية تحتاج لإحباط خطط موسكو، إلى مقاومة
إغراء النظر إلى أفريقيا من خلال منظور منافسة القوى العظمى، بدلا من معاملة روسيا
والصين ككتلة متجانسة مناهضة للغرب في أفريقيا، ينبغي على الولايات المتحدة
وأوروبا الاستفادة من الانقسامات بين موسكو وبكين.
وبينت
أن القوتين تختلفان حول المسألة المركزية المتمثلة في الاستقرار في أفريقيا: تتطلب
مبادرة الحزام والطريق الصينية وجود أفريقيا هادئة، في حين أن روسيا مولعة
بالاضطراب.
وشددت
على أنه يجب على صانعي السياسة الغربيين أيضا استخدام القوة الناعمة لتعزيز
أهدافهم، كما يجب على الدول الغربية أيضا أن تشجع بنشاط مبادرات حل النزاعات في
الدول الأفريقية، مثل وساطة جمهورية الكونغو الديمقراطية في نزاع سد النهضة
الإثيوبي بين مصر وإثيوبيا والسودان.
ورأت
"فورن أفيرز" أن نفوذ روسيا في أفريقيا قد يتضاءل اليوم مقارنة بالقوة
التي مارستها خلال الحرب الباردة، لكن الحملة لم تنته بعد، ومن المقرر عقد القمة
الروسية الأفريقية الثانية في خريف هذا العام في أديس أبابا بإثيوبيا.
وفي
الوقت الذي يبدو فيه أن الولايات المتحدة وأوروبا منشغلتان بمشاكل أخرى، سيوفر
الاجتماع للكرملين فرصة للاستفادة من الإلهاء الغربي، وإثبات النفوذ الروسي الأكبر
في القارة.
وتحتاج
الدول الغربية إلى تقديم جبهة موحدة واستبدال تركيزها الأحادي على المنافسة بين
القوى العظمى باستراتيجية شاملة تمزج بين القوة الصلبة والناعمة، إذا تمكنوا من أداء دورهم في أفريقيا، فلن تساعد القوات الغربية في تقليص النفوذ الروسي فحسب، بل
ستعمل على تحسين حياة ملايين الأشخاص، في قارة تأتي متأخرة في الغالب على قائمة
العلاقات الدولية.