هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "المجلس الروسي للشؤون الدولية" تقريرا سلط من خلاله الضوء على الصراعات العسكرية السياسية الإقليمية التي شهدها العالم على مدى العام ونصف العام الماضيين، بدءًا من حرب ناغورني كاراباخ وصولا إلى الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن طالبان في أيار/ مايو الماضي شنت هجوما ضد القوات الحكومية الأفغانية ما مكنها من الاستيلاء على السلطة. وفي حزيران/ يونيو، أعلنت السلطات الصينية عن استحالة فصل تايوان عن الصين ما زاد الشكوك بشأن إمكانية اندلاع صراع عسكري. وقد أدى إرسال منظمة معاهدة الأمن الجماعي قوات إلى كازاخستان في كانون الثاني/ يناير من العام الجاري إلى إثارة حفيظة تركيا والولايات المتحدة الأمريكية ليطغى التوتر من جديد على حدود قيرغيزستان وطاجيكستان، وينضاف إليها تصاعد التوترات بشأن الدونباس.
موجات طويلة 2.0
وذكر الموقع أن نظرية الموجة الطويلة التي طورها الاقتصادي السوفيتي نيكولاي كوندراتييف تُقسّم الاقتصاد العالمي إلى دورتين مختلفتين تستغرق كل واحدة منهما 25 سنة، وتنقسم كل دورة إلى مرحلتين: الصعود والهبوط".
في المرحلة الأولى، تكون الظروف مواتية للأعمال التجارية ويكون الاقتصاد العالمي قادرا على تجاوز الأزمات العرضية. أما في المرحلة الثانية، يتدهور وضع الأسواق وتعجز فترات النمو المؤقتة عن توليد نمو مستقر.
وبحسب هذه النظرية، تتكون الدورة الكاملة لتطور النظام الدولي من دورتين أو أربع، تتمثل الأولى في حدوث "ثورة تكنولوجية" تغيّر الهيكل التكنولوجي في الدول الرائدة في العالم بشكل جذري، بينما تتميز الثانية بوقوع اضطرابات كبيرة تدمّر النظام العالمي القديم الذي يمنع الانتشار العالمي للتكنولوجيات الجديدة.
أما الدورة الثالثة فتشهد فيها الأسواق الدولية ثورات تؤدي إلى تحولات جيوسياسية كبيرة، في حين تظهر في الرابعة أزمة هيكلية يعقبها بروز نظام تكنولوجي جديد في الاقتصادات الرائدة في العالم.
ثلاث دورات للتنمية
في نهاية القرن التاسع عشر، عاشت أوروبا والولايات المتحدة على وقع ثورة تكنولوجية بفضل اختراعات بارزة مثل محركات الاحتراق الداخلي والشبكات الكهربائية والاتصالات الهاتفية، فضلاً عن ظهور صناعة الطيران وإنتاج السيارات.
وصلت هذه الفترة ذروتها في الحرب العالمية الأولى التي أطاحت بأكبر الممالك الأوروبية وأدت إلى تشكيل نظام فرساي-واشنطن العالمي الذي لم يصمد أمام الاضطرابات التي عاشها العالم في العشرينات والثلاثينات.
وأضاف الموقع أن بروز الأنظمة الاستبدادية والشمولية في أوروبا تسبب في نشوب حرب عالمية ثانية جراء الكساد الكبير، ثم ظهر نظام ثنائي القطب رافقه انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية وتأسيس دولة الرفاهية الاجتماعية الشاملة في العالم المتقدم.
وقد مثلت الثورات الطلابية لسنة 1968 نقطة انطلاق أزمة هيكلية متأتية من ارتفاع أسعار النفط والتراجع التدريجي للاقتصاد القائم على صناعة الفحم والصلب في أوروبا وأمريكا الشمالية، فضلًا عن ظهور تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت محرك الثورة التكنولوجية في أواخر القرن العشرين.
وقد مثّلت أزمة التكامل الأوروبي في 2005 بسبب فشل معاهدة تأسيس دستور الاتحاد الأوروبي بداية الاضطرابات على مدى العقد ونصف العقد الماضيين، على غرار الأزمة المالية العالمية ما بين 2008 و2009 والربيع العربي في 2011 والصراعات العسكرية السياسية الإقليمية التي زعزعت استقرار النظام العالمي.
تشابه هيكل الدورات
أورد الموقع أن الثورة الفرنسية والثورة البلشفية في 1917 والثورات الناعمة ما بين 1989 و1991 تعد من الثورات الأوروبية الرئيسية التي شهدها العالم على مدى القرنين الماضيين.
وعادة ما تبدأ المرحلة الثانية من الدورة الثالثة بأزمة مالية حادة، مثل انهيار سوق الأسهم في المملكة المتحدة في سنة 1825، أو أحداث الخميس الأسود في الولايات المتحدة في سنة 1929، أو الأزمة المالية العالمية ما بين 2008 و2009. أما المرحلة الثالثة من الدورة الثالثة يتخللها صراعات عسكرية وسياسية كبيرة.
الصراعات في مطلع العصر
بناء على مبدأ التشابه الهيكلي، يمر العالم اليوم بمرحلة انتقالية من "الاضطرابات الكبرى" كانت بدايتها ما بين 2005 و2017 تليها مرحلة "ثورة السوق الدولية" التي طغى على الثلث الأول منها صراعات تهدف إلى تشكيل نظام عالمي جديد.
جغرافيا الأزمات
تشمل مناطق الصراع المحتملة مجال ما بعد الاتحاد السوفيتي في ظل تفاقم الصراعات بين روسيا والغرب حول وضع جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك وعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي.
وتنضاف إليها آسيا الوسطى بعد الاحتجاجات التي عصفت بكازاخستان، وشرق آسيا مع ارتفاع احتمال نشوب صراع صيني تايواني يهدد النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة بنفس الطريقة التي تهدد بها أزمة السويس مصالح فرنسا وبريطانيا في أفريقيا والشرق الأوسط. وفي الأثناء، تثير الحرب الأهلية في إثيوبيا قلق مصر وإريتريا والسودان.
وأشار الموقع إلى أن جغرافيا الأزمات تمتد لتصل أمريكا اللاتينية، حيث لم تنجح فنزويلا في تخطي أزمتها بسبب ضعف نظام مادورو والعقوبات المسلطة عليه من طرف الولايات المتحدة الأمريكية.
ويعود التركيز الكبير للصراعات بالأساس إلى غياب الحد الأدنى من التنسيق بين المنظومات العالمية في الفترة الممتدة بين أواخر 2010 وأوائل 2020 وتراجع المؤسسات التي بعثت من طرف الولايات المتحدة والتي لم تعد قادرة على احتواء تصاعد الأزمات الإقليمية.
العالم بعد سنة 2025
استنادا إلى النسخة المعدلة من نظرية الموجات الطويلة، سيدخل العالم مرحلة توحيد النظام العالمي بعد سنة 2025. ستتصاعد المواجهات بين الصين والولايات المتحدة، بينما سينمو دور القوى الثانوية مقارنة بما كانت عليه خلال فترة الحرب الباردة.
سيتولى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا العظمى وتركيا والهند والدول الرائدة في شرق آسيا، اليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا، مهمة الحكم الإقليمي في نظر الولايات المتحدة والصين وبقية الدول. وعقب ذلك، سيشهد النظام العالمي نوعًا من الاستقرار الذي كان مفقودا في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وفي عصر المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
بعد سنة 2025، لن تتمكن الولايات المتحدة بسبب تمرد النخب ولا الصين بسبب استنفاد فرص النمو من تجنب التغييرات السياسية الداخلية، والأمر سيان بالنسبة لروسيا التي قد تسجل انخفاضا حادا في عائدات النفط بسبب الانتشار العالمي للسيارات الكهربائية وتشجيع العالم على التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
اقرأ أيضا: أمريكا تنتقد ضعف مشاركة الصين في "تخفيف ديون الدول الفقيرة"
وأشار الموقع إلى أن العواقب المترتبة عن الثورة الحالية التي تشهدها صناعة الطاقة العالمية، نتيجة انتشار السيارات الكهربائية وازدهار الطاقات المتجددة، لن تكون أقل أهمية من عواقب ظهور صناعة الغاز ما بين 1950 و1960، غير أن ذلك لا يعني تخلي العالم بشكل تام عن استخدام النفط والغاز في نهاية العقد الثالث من القرن الحالي، كما حدث في أواخر الستينات مع الفحم.
ونبّه الموقع إلى أنه من المتوقع أن تطرأ تحولات جيوسياسية كبيرة على العالم في الفترة الممتدة ما بين 2033 و2041، أهمها التقارب الروسي الغربي في محاولة لمواجهة تنامي النفوذ الصيني.