يقوم النظام المستبد باستخدام آليات مختلفة في محاولة لتزييف وعي الشعوب وعموم الناس واهتماماتهم، في محاولة منه أن يدفع بقضايا هامشية أو عدمية إلى واجهة المشهد، مستخدما في ذلك البرامج الفضائية أو مقاطع الفيديو المرتبطة بالصحف، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عامداً في كل تلك الأحوال لأن يجعل من تلك القضايا "العدمية" في محل الصدارة لإشغال الرأي العام في سبيل تمرير قضايا كبرى تمس مصير الوطن والمواطن والمواطنة. ويبدو النظام
الاستبدادي الفاشي وفي سياق أجهزته
الإعلامية والاتصالية وأبواقه المختلفة؛ يصنع أحداثاً أو أخباراً في محاولة منه أن يزيف وعي الناس، وأن يحدث غسيلاً للمخ الجماعي في محاولة منه للإفلات من المساءلة حول القضايا الكبرى والأساسية التي تمس المصير والمسار.
ويبدو من آليات هذا النظام أيضا أن يحاول جعل هذه القضايا الجانبية والعدمية مجالاً لتكريس فرقة الناس وتقديم صورة من الانقسام الاجتماعي والفكري، لا يهمه ما يمكن أن يؤديه ذلك في المدى المتوسط والبعيد من صناعة حالة الفرقة وزراعة أشكال من الكراهية، مما يؤكد ما نحذر منه مرارا وتكرار من أن سياسة هذا النظام تستهدف لحمة الوطن والجماعة الوطنية وتماسكها. فهو لا يبالي بما يحدثه ذلك في
المجتمع من تصدعات وشروخ، ومن انتشار أنماط من التفكير ونماذج من السلوك تعبر عن حالة سلبية تقوم على توتير شبكة العلاقات الاجتماعية، وتزلزل القيم الثابتة في المجتمع والتي تشكل في حقيقة الأمر صمام أمان فيه، وبين تكويناته المختلفة ومستويات العلاقات بين مكوناته وامتداداته.
فهو يستهدف النواة الصلبة للمجتمع في منظومة قيمه وأبنيته الأسرية وطاقاته وفاعلياته الإيجابية، بل هو يستهدف أخلاق الناس في معاشهم اليومي فيترك بعد كل معركة كيانات مهلهلة تورث حالة من القلق الاجتماعي، بين أطراف المجتمع المختلفة. ذلك أن المستبد وأصحاب المصالح الأنانية المستفيدة من تلك المنظومة لتمارس كل ما يتعلق بممارسات طغيانها ومسالك فسادها وإفسادها.
يستهدف النواة الصلبة للمجتمع في منظومة قيمه وأبنيته الأسرية وطاقاته وفاعلياته الإيجابية، بل هو يستهدف أخلاق الناس في معاشهم اليومي فيترك بعد كل معركة كيانات مهلهلة تورث حالة من القلق الاجتماعي، بين أطراف المجتمع المختلفة
وهي إذ تتحرك في تلك المسارات ضمن سياسة ممنهجة وأدوات ضالة مضلة تقوم بأدوار أقبح ما تكون بين مكونات المجتمع الأصيلة، بتوزيع الاتهامات هنا وهناك. وفي النهاية يخرج المستبد وجوقة الفاسدين المساندة له سالماً آمناً لا يطوله شيء، وقد ترك الجميع ضمن حروب كلامية لا تنتهي.. ولا تورث إلا الفرقة والبغضاء، وتقطع أواصر شبكة العلاقات الاجتماعية، وتصيبها بالترهل والشلل والغفلة، أو أحوال تسود من وعي زائف، يؤدي في النهاية لانتقالات من قبل النظام بين جولات وجولات من التغرير والتمرير وميكانزمات الإلهاء.
نتوقف في هذا السياق أمام بعض المشاهد التي تشكل حالة كاشفة وفاضحة لمثل هذه الآليات المستجدة والمستبدة، لتشكل في حقيقة الأمر تزييفا متعمداً للرأي العام ضمن منظومة من الاهتمامات التافهة والعدمية والزائفة، وتستخدم تلك الأدوات بين الحين والآخر لتخرج وسائل إعلام تحاول أن تجعل من ذلك موضع الاهتمام، بينما تمر أحداث كبرى. وقد استطاعت إثيوبيا على سبيل المثال في هذه الأجواء أن تقوم بالملء الأول، والملء الثاني، وتوليد الكهرباء، وهي تستشرف القيام بالملء الثالث، ولا مانع في الخلفية أن تصدر تلك البيانات الهزيلة والمواقف المتخاذلة ليعبر هذا النظام كعادته عن استخفافه الاستبدادي بمقدرات هذا الوطن، وبحقوق المواطن الأساسية التي تُستباح؛ وتهدد الوطن والمواطن في معاشه ومصيره ومستقبله.
ضمن هذه الأجواء يفلت النظام الفاشي، وهو المسؤول عن اتفاق عقده في آذار/ مارس 2015 فرط فيه في مقدرات البلاد ومواردها، كما سبق تفريطه وبيعه وتنازله عن جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين، فضلا عن تمرير كل ما يتعلق بملف حقوق الإنسان الذي يندى له الجبين. وتخرج علينا الأخبار بعد مرور بضعة أيام بأحدهم وقد قضى نحبه في السجون، وبآخر امتد حبسه الاحتياطي بلا مسوغ، وكثيرون أصابهم الدوران والتدوير في مشهد حقير وخطير يستخف بالإنسان وحريته ضمن قضايا ملفقة وأحكام انتقامية ليس لها من سند قانوني أو إنساني.
يستكمل مشهد الإلهاء بخروج جوقة من هؤلاء المدعين الذين يدعمون من يهجم على الدين ورموزه، ضمن مشاهد من الدعم المفتعل وإثارة الغبار والمعارك التي لا تعبر إلا عن استهانة بكل أمر يتعلق بالجماعة الوطنية وتماسكها المجتمعي
في ظل هذه الأجواء سترى أحدهم يخرج وهو يعرف أن إعلانه عن آرائه المستفزة في سياق يهدم رمزية الصحابة في تاريخنا الإسلامي على سبيل المثال، وينقض اعتقادات تتعلق بالجمهور المسلم، ويحاول بكل طريق أن يشغل الناس بمسائل هنا وهناك لا تعبر في واقع الأمر إلا عن استهانة من كل هؤلاء لكل ما يتعلق بالمجتمع؛ من مقدسات وقيم وأصول وثوابت، تحت عنوان حرية الرأي والتعبير وضمن حالة إعلامية تدفع بتلك المشاهد إلى الواجهة، فتحدث ذلك الاهتمام الكاذب الذي يراد منه لفت الأنظار وتمرير كل ما يتعلق بحقوق الوطن والمواطنة، تفريطاً وتبديداً وانتهاكاً. ويستكمل مشهد الإلهاء بخروج جوقة من هؤلاء المدعين الذين يدعمون من
يهجم على الدين ورموزه، ضمن مشاهد من الدعم المفتعل وإثارة الغبار والمعارك التي لا تعبر إلا عن استهانة بكل أمر يتعلق بالجماعة الوطنية وتماسكها المجتمعي.
وها هو النظام الفاشي الذي كان يجعل من أمور الرياضة من مسالك إلهاء الجماهير والمواطنين بتلك المناسبات الرياضية، فينقل الجماهير إلى حالة من الفرجة واللامبالاة، مستغلا كل ذلك في تأجيج عوامل التعصب وغير ذلك مما يفت في عضد المجتمع وتماسكه.
هذه النظم المستبدة التي كانت تحرك الجماهير بالآلاف وتصنع اهتمامهم صارت تعقد مباريات الكرة بلا جمهور؛ لا لشيء سوى أن هذا الجمهور ضمن حركة وعيه الفطري استثمر هذه التجمعات الجماهيرية في إعلان بعض مواقفه الاحتجاجية، أو القيام ببعض الهتافات التي تتعلق بفلسطين أو تتعلق بمذابح سابقة اقترفها ذلك النظام بلا رحمة، وقضى فيها من قضي ضمن عمليات ممنهجة لعقاب تلك الجماهير، وما مواجهات هذه النظام الفاشي لمكونات الأولتراس ببعيد، فقد طاردها مثلما طارد النشطاء والسياسيين، بل واعتقل وقتل بعضها لتكون عبرة لغيرها، ضمن رؤى هذا النظام الفاشي المستبد الذي لم يعد يهمه إلا أمن الكرسي وحماية غنائمه وما استلبه من الوطن والمواطنين.
في حقيقة الأمر صارت هذه السياسات ممنهجة في استخدام آليات الإلهاء وفي السيطرة على وسائل الإعلام من الأجهزة الأمنية والمخابرات، وما يسميه البعض تندراً بـ"إعلام السامسونج" ليس إلا استراتيجية لهذا النظام حتى يجني ثمرة هذا الإلهاء ليخرج بعد كل تلك المشاهد غانماً سالماً، حتى لو أن الوطن والمواطن قد صار على حافة الخطر، أو قد وقع في كارثة محققة
ولك أن تتصور أن هذه الصحف والجرائد
المصرية المشهورة قد جعلت من بين مناشطها إنتاج مقاطع "فيديو مرئية من الشارع"، ضمن صناعة الأحداث والتحضير لمشاهد الإلهاء والتي غالباً ما تعقبها نقاشات عدمية حامية الوطيس لا تبقي ولا تذر، تدوس في طريقها على كل القيم التي تتعلق بالوطن والمواطن. ولعلك تتابع بعض تلك المشاهد المرئية والتي تشير إلى أحوال خاصة أو عائلية، فإذا بها من خلال تلك الصناعة المقيتة تحولها إلى "مادة" تشكل قمة الاهتمام الزائف، بينما تمر في ذات الوقت قرارات خطيرة تتعلق بمعاش الناس وحياتهم.
مثل هذه الآليات غالبا ما تكون غطاء لسياسات فاشية من هذا النظام، ولعلك لاحظت كيف يرتبط توقيت رفع الأسعار بمناسبات تتعلق بانشغال الناس سواء في حدث رياضي أو غيره. وما أشرنا إليه ليس إلا مشاهد قليلة تعبر بدرجة من الدرجات عن تراكم وتواتر تلك المشاهد بشكل يومي، الأمر الذي يؤكد أننا لا نتصيد حدثا هنا أو هناك، ولكن في حقيقة الأمر صارت هذه السياسات ممنهجة في استخدام آليات الإلهاء وفي السيطرة على وسائل الإعلام من الأجهزة الأمنية والمخابرات، وما يسميه البعض تندراً بـ"إعلام السامسونج" ليس إلا استراتيجية لهذا النظام حتى يجني ثمرة هذا الإلهاء ليخرج بعد كل تلك المشاهد غانماً سالماً، حتى لو أن الوطن والمواطن قد صار على حافة الخطر، أو قد وقع في كارثة محققة.
twitter.com/Saif_abdelfatah