هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد
أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية، البروفيسور عمر عثمان زرموح، أن "الاستقرار
السياسي هو مفتاح حل الأزمة الاقتصادية الليبية، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة إنهاء
المراحل الانتقالية، ووجود سلطة منتخبة وفق دستور دائم تنشر الأمن والسلام ويشعر الجميع
في ظلها أن من واجبهم الحفاظ على الاستقرار والسلام"، مشدّدا على ضرورة
"توفر الإرادة التنموية الفاعلة لدى كل من القادة السياسيين والشعب".
وقال،
في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إن "حكومة الوحدة الوطنية لم تُعط الفرصة
الزمنية والمادية لإثبات النجاح أو الفشل في أدائها الاقتصادي، وإن كانت الحكومة من
الناحية السياسية قد حظيت برضا أعداد غفيرة من الشعب، وخاصة شريحة الفقراء والمحتاجين
والشباب ومحبي السلام بوجه عام، وهذا يدعو للتفاؤل من الناحية الاقتصادية".
وأوضح
زرموح أن "عدم اعتماد مجلس النواب لميزانية الدولة لعام 2021 يرجع للخلافات السياسية؛
فبعض النواب يُصرّون على تخصيص مبالغ لمنطقة أو مناطق بعينها، والبعض يُصرّ على تخصيص
مبالغ لمؤسسة بعينها، وغير ذلك من الخلافات، فضلا عن قصور الكثير من النواب في تفهم
معنى وأهداف وسياسات ميزانية الدولة ووسائل تنفيذها ومتابعتها".
ولفت
أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية إلى أنه في حالة عدم اعتماد ميزانية 2022، فإنه سيصبح
لا مجال للحكومة، إلا العودة لأسلوب الترتيبات المالية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي،
والتي طبقها المجلس الرئاسي خلال السنوات 2017-2020، ولكن هذا قد يعيدنا إلى
مزيد من التصدع السياسي للأسف.
وتاليا
نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
هل تأثر
الاقتصاد الليبي بتأجيل الانتخابات ثم اختيار مجلس النواب حكومة بديلة؟
بتاريخ
21 شباط/ فبراير يكون قد مضى على تأجيل الانتخابات شهران، ومضى على تكليف باشاغا أقل
من أسبوعين. وفي مثل هذه الفترات القصيرة جدا يصعب تلمس الآثار الاقتصادية وخاصة في
ظل عدم وجود سوق ليبية للأوراق المالية ذات كفاءة عالية، ذلك أن مثل هذه السوق لو وجدت
لأمكن أن نرى مدى انعكاس التطورات المُشار إليها على مؤشرات هذه السوق.
أخذا
في الحسبان هذه النقطة المهمة يمكنني النظر إلى مؤشرين آخرين مهمين في توضيح الصورة.
الأول هو مؤشر سعر صرف الدينار الليبي، ويلاحظ أنه خلال الفترة المذكورة لم يشهد أي
اضطرابات تُذكر، ومن ثم يمكن وصفه بأنه مستقر. والمؤشر الثاني هو معدل إنتاج النفط،
ويلاحظ أنه هو الآخر لم يشهد اضطرابات بسبب التطورات السياسية المُشار إليها، وإن كان
إنتاج النفط يعاني بحسب تصريحات رئيس المؤسسة من صعوبات، مثل الحاجة للصيانة والحاجة
للتمويل، إلا أنها صعوبات ترجع لأسباب أخرى متراكمة، ولكنها لا ترجع لتأجيل الانتخابات
أو اختيار رئيس حكومة من قِبل مجلس النواب.
ما تقييمكم
للأداء الاقتصادي لحكومة الدبيبة؟ وهل كانت ناجحة في إدارة هذا الملف وخاصة مكافحة
الفساد؟
في تقديري
لم تعط حكومة الوحدة الوطنية الفرصة الزمنية والمادية لإثبات النجاح أو الفشل، وإن
كانت الحكومة من الناحية السياسية قد حظيت برضا أعداد غفيرة من الشعب، وخاصة شريحة
الفقراء والمحتاجين والشباب ومحبي السلام بوجه عام، وهذا يدعو للتفاؤل من الناحية الاقتصادية.
والفرصة
الزمنية التي لم تحصل عليها هذه الحكومة تتمثل في قصر المدة التي عملت خلالها فهي لم
تصل إلى العام حتى الآن. وأما الفرصة المادية التي منعت منها فهي اعتماد الميزانية العامة
للدولة لعام 2021، ما اضطر الحكومة إلى الصرف بنسبة 12:1 (بمعنى أن تصرف الحكومة كل
شهر في حدود هذه النسبة من المخصصات المعتمدة لميزانية السنة السابقة 2020، وهو حل
يسمح به النظام المالي للدولة عندما يتأخر اعتماد ميزانية السنة الحالية).
إن عدم
اعتماد الميزانية ما هو في الحقيقة إلا أسلوب تعجيزي مارسه مجلس النواب وأحرج به الحكومة
الأمر الذي اضطرها للاجتهاد بالتنسيق مع ديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي، كما تفيد
التقارير والتصريحات.
إن المشكلة
الكبيرة في هذا السياق تتمثل في أن سنة 2021، شهدت تخفيضا في قيمة الدينار الليبي
بنسبة 70% بناءً على قرار مصرف ليبيا المركزي في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2020 الذي
نص على العمل به اعتبارا من 3 كانون الثاني/ يناير 2021، ما يعني أن سنة 2021 قد تأثرت
بالكامل بهذا القرار.
أضف
إلى ما تقدم قرار سحب الثقة من الحكومة فهذا القرار في تقديري إنما هو سحب لحق مجلس
النواب في محاسبة الحكومة؛ إذ كيف لمجلس أن يحاسب حكومة سحب ثقته منها، وكيف لحكومة
أن تجلس للدفاع عن نفسها وقد علمت بقرار الإدانة مسبقا؟
أمام
هذه الظروف، وفي ظل أوضاع سياسية وإدارية متردية، كان سببها الأول مجلس النواب الذي
لم يقم بواجبه وفق الإعلان الدستوري الذي أقسم أعضاؤه على احترامه، وبصرف النظر عن
النقاط الإيجابية في أداء الحكومة، والتي أتصورها كإشعاعات بيضاء في ظلام دامس، لا
يمكن أن نتصور عدم وجود ممارسات فساد من قِبل ضعاف النفوس ومن الخطأ التعميم.
ومع
ذلك فإن الأصل هو البراءة؛ فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وعلى الأجهزة الرقابية (ديوان
المحاسبة، والرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد) أن تؤدي كل منها دورها وفق القانون،
ومَن يثبت عنه جرم عليه أن يتحمل عواقب ما اقترفت يداه وليس عواقب ما اقترف غيره. وفي
هذا الخصوص فإن القانون الليبي يحدد بوضوح المسؤولية الوظيفية للموظف، وعلى الكل أن
يعي ذلك لأن القاعدة القانونية تقول إنه لا يجوز الاعتذار بجهل القانون.
ورغم
قصر فترة التقييم للحكومة، كما أشير آنفا، فإنه من خلال تقرير مصرف ليبيا المركزي عن
إيرادات ونفقات ميزانية 2021، وهي إيرادات ونفقات تبدأ من الأول من كانون الأول/ يناير
2021، أي قبل استلام حكومة الوحدة الوطنية، يمكن القول للوهلة الأولى إن نفقات الميزانية
ذات أثر تضخمي لأن حجمها بلغ نحو 85 مليار دينار، وهو رقم كبير نسبيا مقارنة بالسنوات
السابقة. من جهة أخرى فلا توجد إحصاءات توضح قيمة الناتج المحلي الإجمالي المحقق خلال
السنة 2021؛ إذ إن زيادة مثل هذا الناتج لو حصلت لكانت كابحا للتضخم بنسبة تعتمد على
حجم الزيادة.
وفي
إطار الأداء الاقتصادي بوجه عام، فإنه من المعروف أن الاقتصاد الليبي يعاني من أكثر
من خلل هيكلي سأكتفي هنا بالإشارة إلى خللين فقط.. الأول يتمثل في هيمنة قطاع النفط
وضعف التنمية الاقتصادية للقطاع غير النفطي، بل تأخر وتوقف التنمية وجمود عجلة الاقتصاد
بسبب الحروب.
ويتمثل الخلل الهيكلي الثاني في تضخم القوى العاملة في الجهاز الإداري للدولة محليا
وخارجيا (السفارات) الذي يعاني من تفاقم البطالة المقنعة. ولكن حل هذه المشكلة يحتاج
إلى وقت طويل يعد بالسنوات لا بالأشهر، كما أن الحل يحتاج إلى سياسة أكثر استقرارا وإرادة تجمع
كل مؤسسات الدولة (النواب، والأعلى للدولة، والمصرف المركزي، والحكومة).
ما أثر
عدم اعتماد ميزانية البلاد التي جرى تعديلها من قِبل حكومة الدبيبة حتى الآن؟
لقد
كان الأولى أن يعتمد مجلس النواب ميزانية الدولة لعام 2021 بصرف النظر عن اسم الحكومة
المنفذة للميزانية، لتبدأ حكومة الوفاق في تنفيذ الميزانية من الأول من كانون الثاني/
يناير ثم تواصل التنفيذ حكومة الوحدة الوطنية، ثم إذا افترضنا أن الحكومة تغيرت في
24 كانون الأول/ ديسمبر فإن الحومة الجديدة تواصل التنفيذ، وهكذا، لأن الميزانية هي ميزانية
الدولة، وهي سنوية وليست موسمية.
إن اعتماد
الميزانية شيء مهم وأساسي في إدارة الدولة، كما أن للميزانية المُعتمدة أهدافا وسياسات
يجب على الحكومة المنفذة العمل على تحقيقها لا أن يترك لها أن تحدد الأهداف في أي وقت
تشاء أو أن تغيرها إن أرادت، فهذا لا يجوز، بل هو مدخل للعبث كان سببه الأول هو مجلس
النواب دون سواه.
وبعبارة أخرى فإن أهداف الميزانية يجب أن يعتمدها مجلس النواب إذا
كانوا حقيقة نوابا للشعب ولا يحق للسلطة التنفيذية تغييرها، بل إنه يجب على النواب متابعة
تنفيذ تلك الأهداف ومحاسبة الحكومة على أي تقصير في التنفيذ. ولذلك فعندما لا يعتمد
نواب الشعب الميزانية فهم في الحقيقة لم يعتمدوا أي أهداف، وبالتالي فإنهم لن يجدوا أي أساس
يستندون إليه لمحاسبة الحكومة.
ولماذا
لم يتم إقرار الميزانية برأيكم؟
من المعروف
من خلال متابعة جلسات مجلس النواب أن ذلك يرجع للخلافات السياسية؛ فبعض النواب يُصرّون
على تخصيص مبالغ لمنطقة أو مناطق بعينها، والبعض يُصرّ على تخصيص مبالغ لمؤسسة بعينها،
وغير ذلك من الخلافات. ويبدو لي أن السبب الكبير في عدم اعتماد الميزانية يرجع لقصور
الكثير من النواب أنفسهم -ولا أعمّم- في تفهم معنى وأهداف وسياسات ميزانية الدولة ووسائل
تنفيذها ومتابعتها، إضافة إلى تحيز البعض في اتجاه معين بشكل عمدي.
واليوم
يجب على مجلس النواب اعتماد الإنفاق الفعلي لميزانية 2021 بعد مراجعة ديوان المحاسبة.
وماذا
لو لم يُقرّ مجلس النواب ميزانية عام 2022؟
سبق
لي منذ عدة أشهر أن حذّرت من تكرار مشكلة عدم اعتماد ميزانية سنة 2021، ومع ذلك ففي
تقديري أنه في حالة عدم اعتماد ميزانية 2022 ـ وهو ما لا أتمناه ـ يصبح لا مجال للحكومة،
إلا العودة لأسلوب الترتيبات المالية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، والتي طبقها
المجلس الرئاسي خلال كل من السنوات 2017-2020، ولكن هذا قد يعيدنا إلى مزيد من التصدع
السياسي للأسف.
ما الذي
وصلت إليه عملية إعادة إعمار ليبيا؟ وكم ستتكلف إجمالا وفق تقديراتكم؟
قامت
حكومة الوحدة الوطنية بإبرام عدة عقود تنموية أبرزها مع عدد من الشركات المصرية، بالإضافة
إلى وجود العديد من العقود القائمة التي توقفت بعد انطلاق ثورة 17 شباط/ فبراير في
سنة 2011، وتضم شركات لعدة جنسيات أخرى. ولكن من جهة أخرى فإنه إجمالا لا علم لي بنشر
بيانات رسمية حول التكاليف الكلية لإعادة الإعمار، وإن كانت هناك عدة تقديرات ترددت
في شكل تصريحات سياسية منذ عام 2011 وإلى وقت قريب لا يمكنني الوثوق في أي منها.
كذلك
لا توجد بيانات رسمية منشورة حول متابعة تنفيذ المشروعات القائمة، وخاصة من حيث النفقات
على هذه المشروعات ونسب الإنجاز فيها. وبطبيعة الحال فإن هذا لا يمنع من وجود هذه البيانات
في التعامل بين الإدارات الحكومية المختصة في شكل تقارير غير منشورة.
لماذا
لم يتم رفع الحظر عن الأموال الليبية المجمدة في بعض البنوك الأجنبية والتي تصل إلى
نحو 100 مليار دولار؟
بصرف
النظر عن حجم الأموال المجمدة فإن ما يبدو هو أن عدم رفع الحظر يرجع لعدم الاستقرار
السياسي حتى الآن. لذلك فإن مفتاح الحل في تقديري هو ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية،
والوصول إلى وضع سياسي مستقر قائم على دستور دائم، وفي هذه الحالة أعتقد أن صوت الحكومة
سيكون مسموعا لدى مجلس الأمن برفع الحظر. أما دون ذلك فأي جهود لرفع الحظر - حتى إن
وجدت - لن تؤتي أكلها.
البنوك
الدولية لا تزال تضع ليبيا في خانة الخطر.. فكيف يمكن تغيير هذا الأمر؟ وهل هناك أزمة
في تعاملكم مع البنوك الدولية؟
المشكلة
ليست في التعامل مع البنوك الدولية؛ فما نراه أن التعامل بين المصارف في الداخل والخارج
قائم ويتمثل في فتح الاعتمادات لغرض الاستيراد وإجراء الحوالات المصرفية للسفارات وكل
المعاملات المالية الدولية.
لكن
المشكلة تبدو في التعامل مع الشركات التجارية والصناعية الأجنبية التي نحتاجها في استيراد
السلع والمعدات وقطع الغيار وفي تقديم المساعدة الفنية، حيث تُحجم بعض الشركات، وخاصة
الأوروبية منها، عن القدوم إلى ليبيا لأسباب أمنية، لأن مثل هذه الشركات تتحوط كثيرا
في تجنب المخاطرة؛ فهي لا ترسل فنييها إلا تحت مظلة عالية من الأمان. وفي هذا الإطار
أيضا ترتفع تكلفة التأمين على البضائع المستوردة بشكل ملحوظ.
وبداهة
فإن الحل هو أيضا الاستقرار السياسي، ونشر السلام والأمن، وبعث الطمأنة للجميع.
ما النتائج
التي حققها مشروع "عودة الحياة" للاقتصاد الليبي؟ وما تقييمكم لهذا المشروع؟
في تقديري
أن برنامج "عودة الحياة" بادرة جيدة من الحكومة وتتميز بأنها غير منحازة
لمنطقة أو مناطق معينة، بل هي بادرة لكل ليبيا. لقد تمنيت، وما زلت أتمنى، أن يتبنى
مجلس النواب هذه المبادرة ويضمنها لبرامج الميزانية التي يجب أو كان يجب أن يعتمدها.
أما
النتائج فهي من الناحية الوصفية "جيدة"، وتبعث على الأمل والطمأنينة بأن
زمن الحرب قد ولى، وأن القادم أفضل.
كيف
تأثر الاقتصاد الليبي بالتدخلات الإقليمية والدولية في البلاد؟
الاقتصاد
الليبي لا يمكنه أن يكون بمعزل عن التفاعل مع العالم الخارجي، ولذلك يمكن القول من
حيث المبدأ إن الاقتصاد الليبي منفتح على الخارج، وهذا صحيح وثابت وله مؤشرات اقتصادية
واضحة.
لكن
الشيء غير الجيد في التعامل مع الخارج هو التدخلات السلبية، وأقصد التدخلات السياسية
المخالفة لمبادئ ومواثيق الأمم المتحدة، لمناصرة طرف ضد طرف آخر داخل ليبيا، واستخدام
القوة العسكرية والمادية في التدخل وتوظيف مورد النفط والعبث به بقصد تجويع الشعب وتركيعه
للقبول بأي حل يفرض عليه من الخارج.
إن مثل
هذا التدخل السلبي أدى إلى كثير من المآسي للشعب الليبي حيث عاني الكثير من الحرمان
والفقر وأصبح مورد النفط نقمة بدلا من أن يكون نعمة بسبب سوء توظيفه في النزاع.
لو تحدثنا
عن أبرز نقاط القوة والضعف بالنسبة للاقتصاد الليبي؟
أبرز
نقاط القوة في الاقتصاد الليبي هي وجود النفط فهو، إن أحسن توظيفه بعيدا عن النزاعات
والحروب، أهم مصدر لتمويل التنمية الاقتصادية ويغنيها عن أي استدانة من أي مؤسسة دولية،
وهذه تخلق ميزة للاقتصاد الليبي تفتقر إليها العديد من الدول الساعية للنمو.
أما
أبرز نقاط الضعف فهي غياب إرادة التنمية لدى مَن يحكمون البلد، وهذا ليس الآن فقط،
بل كان واضحا منذ أواخر السبعينيات في العهد السابق؛ حيث لم تكن هناك إرادة تنموية جادة
تهدف إلى قهر التخلف وتحقيق التقدم. وفي هذا يطول الحديث.
كيف
يمكن تنويع الاقتصاد الليبي وتحويله من ريعي معتمد على صادرات النفط إلى أنشطة اقتصادية
وزراعية وصناعية وخدماتية؟
فكرة
تنويع الاقتصاد لم تكن غائبة على أحد من الاقتصاديين ولا على معظم أو ربما كل المسؤولين
منذ عهد الملك إلى عهد القذافي إلى عهد ثورة 17 شباط/ فبراير. ولكن المشكلة تكمن في
غياب الإرادة كما تقدم. ففي اليابان، على سبيل المثال لا الحصر، ورغم تدمير اقتصادها
في الحرب العالمية الثانية، إلا أن إرادة قادتها التي كانت تتمثل في رفع شعار
"النمو الاقتصادي أولا" جعلتهم يعملون جديا على تنفيذها، وعمل معهم الشعب
فكان لهم ما أرادوا وأكثر. لذلك فإنه لا يمكن أن تتحقق تنمية جادة في ليبيا إلا بتوفر إرادة
قوية لدى قادتها وشعبها، وفي ذلك تفصيل.
وللإنصاف
من الناحية التاريخية، فإن خطة التنمية الخمسية 1963- 1968 التي اعتمدت ونُفذت في عهد
الملك كانت خطة تنموية جادة ركزت على البنية التحتية التي كانت مفقودة غداة الاستقلال
وطيلة عقد الخمسينيات.
إلى
أي مدى يمكن أن ينجح أداء الاقتصاد الليبي في ظل التطورات الراهنة؟
كما
ذكرت لك، فإن النقطة الأساسية في هذا الموضوع هي الاستقرار السياسي، لأنه يُمثل مفتاح
حل الأزمة الاقتصادية الليبية، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة إنهاء المراحل الانتقالية
ووجود سلطة منتخبة وفق دستور دائم تنشر الأمن والسلام ويشعر الجميع في ظلها أن من واجبهم
الحفاظ على الاستقرار والسلام. هذا هو في نظري الشرط الضروري، لكنه لا يكفي.
أما
الشرط الكافي -بعد الشرط الضروري- لنجاح الاقتصاد الليبي في تحقيق التقدم فهو توفر
الإرادة التنموية الفاعلة لدى كل من القادة السياسيين والشعب.