كتاب عربي 21

ماذا لو قرر بوتين تجويعنا؟

محمد عايش
1300x600
1300x600

في مصر التي يعيش فيها أكثر من مئة مليون شخص، أي ما يزيد عن ربع الوطن العربي، تبين أن نحو 90% من واردات القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، كما أنَّ 33% من قطاعها السياحي مصدره روسيا وأوكرانيا، وهذا يعني أن كل منزل مصري تقريباً فيه رغيف خبز مصدره روسيا، وكل وجبة طعام نأكلها في بلادنا العربية مرهونة بقرار من موسكو!


مصر ليست الوحيدة التي تعتمد على القمح المستورد، فقد تبين أن صادرات القمح الأوكرانية تذهب أغلبها أيضاً إلى العالم العربي، وبلغة الأرقام فإن أعلى عشر دول مستوردة للقمح الأوكراني من بينها ست دول عربية، هذا فضلاً عن أن العرب أصلاً يستحوذون على أكثر من 20% من واردات الحبوب في العالم، أي أن خُمس سوق الحبوب العالمي يستهلكه المواطنون العرب. 


الأزمة الروسية الأوكرانية أعادت تذكيرنا بأزمة الغذاء العالمي في العام 2008، وهي الأزمة التي سبقت الأزمة المالية العالمية التي نشبت في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام عندما انهار بنك "ليمان براذرز" في الولايات المتحدة، حينها كان النفط قد تجاوز الـ140 دولاراً للبرميل وظهرت تبعاً لذلك طفرة "الوقود الحيوي" وهي عملية تحويل بعض الأطعمة إلى وقود بشكل ما، حينها اندلعت أزمة الغذاء ولولا الأزمة المالية التي أطاحت بأسعار النفط وبالأسواق عموماً لكان العالم في أزمة أسوأ تتعلق بالغذاء. 


في ذلك الحين كان السؤال المطروح هو: ما فائدة الأموال التي بأيدينا نحن العرب إذا لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام؟ وما فائدة الأموال والأرصدة البنكية إذا لم تكن قادرة على تأمين رغيف الخبز للجياع في بلادنا؟ وهل يُمكن للثروة أن تحقق الأمن الغذائي بالضرورة لبلادنا العربية أم أن بعض السلع لا تُشترى بالمال (مثل بعض الأسلحة النوعية)؟


الأزمة الروسية الأوكرانية التي كشفت هشاشة أمننا الغذائي وخطورة تعرضنا في العالم العربي لنقص في المواد الأساسية الاستراتيجية، تعيد طرح هذه الأسئلة من جديد، إذ كيف تكون أكبر وأهم الدول العربية رهينة في طعامها بقرار خارجي، وما الخيارات التي يُمكن القيام بها من أجل تحقيق الأمن الغذائي ووقاية بلادنا وشعوبنا من مخاطر التوترات الخارجية؟ 


ما الذي يُمكن أن تفعله دولنا وشعوبنا العربية إذا قرر الرئيس فلاديمير بوتين تجويعنا، وهو الذي سيكون قد هيمن على أهم مصادر القمح في العالم بسيطرته على أوكرانيا وجعلها واحدة من الدول التابعة للكرملين؟.. هل ثمة خيارات وخطط بديلة لدى دولنا لمواجهة هذا النوع من الطوارئ؟ وما فائدة الأسلحة التي تُكدسها جيوشنا العربية بعد أن تشتريها بمليارات الدولارات من فرنسا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى إذا لم يكن ثمة مخازن للحبوب والقمح تقوم بتأمين رغيف الخبز لشعوبنا؟.. بل السؤال الأهم: إذا كانت هذه المقاتلات العملاقة لا تحمي صوامع القمح ومخازن الحبوب فما الذي تفعله في بلادنا؟


الأمن الغذائي هو ملف حيوي واستراتيجي بالغ الأهمية وعلى الدول العربية أن تفكر فيه جيداً، إذ ليس معقولاً أن يكون العالم العربي بأكمله يقتات على الخبز القادم من الدول الأجنبية، ولا توجد دولة واحدة تحقق الاكتفاء الذاتي، كما أن الأولى بصناديق الاستثمار السيادية العربية أن تضخ الأموال في القطاع الزراعي والمائي على أن تشتري سندات الخزانة الأمريكية بمليارات الدولارات وتضخ أموالاً طائلة في "وول ستريت".. ضخوا أموالكم في مزارع بالسودان واليمن والجزائر والمغرب ولبنان بدلاً من الاستثمار في خدمات مالية وهمية والاعتماد على رغيف الخبز المستورد.

 

التعليقات (4)
إبراهيم محمَّد أبو حمَّاد
الثلاثاء، 16-08-2022 06:41 م
مقال هام جدا من صحفي مبرز، ولكن التبعية نيرها جاذب للعرب.
أمين صادق
الثلاثاء، 01-03-2022 12:49 م
أنا مع استثمار أموال الأمة في بلادها ، و أتمنى أن تأكل أمتنا مما تزرع و أن تلبس مما تصنع و أن تحرص على أمنها الغذائي ، و لقد دعوت لذلك لعشرات السنين . لكن ما كتبته هو فيه تأكيد على أن لا أحد من المخلوقات يستطيع تجويع هذه الأمة جميعها لأن الرزاق ذو القوة المتين قد ضمن ذلك فله الحمد و له الشكر. مع تحياتي لمن قام بالتعقيب على تعليقي .
ويل لأمة تأكل مما لا تزرع
الإثنين، 28-02-2022 10:34 ص
الأستاذ المحخترم أمين صادق ! حتى لو أن أمتنا لن تهلك بسبب سنة عامة ، فهل يعني هذا أن نطمئن ونبقى رهينة رحمة الغرباء علينا في الغذاء والزراعة والصناعة والطب و.. فبدل أن نستثمر أموال الأمة في الزراعة والصناعة والصحة ، نضعها في أيدي الغرب ليحيوا بها هم ونموت نحن !!!!!!!! ... هذا هو روح المقال الذي كان يرمي إليه الكاتب الفاضل
أمين صادق
السبت، 26-02-2022 12:40 م
سؤال جيد من الأستاذ كاتب المقال المحترم . للإجابة عليه ، ينبغي أن أذكر كامل نص الحديث النبوي الشريف ((الصحيح )) : عن ثوبان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوِيَ لي منها. وأعطيت الكنْزين الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَنَةٍ عامةٍ، وأن لا يُسَلِّطَ عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ؛ وإن ربي قال: يا محمد ، إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدُّ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ، وأن لا أُسَلِّطَ عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها ، حتى يكون بعضُهم يُهْلِكُ بعضًا ويَسْبِي بعضُهم بعضًا ). لا أزعم بأنني – من خلال دراستي الجامعية لبضع مساقات جامعية في علم الحديث – بأنني قد صرت فقيهاً و لكن عندي بعض العلم المتواضع في هذا المجال . الشاهد في الحديث سؤال النبي " وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَنَةٍ عامةٍ " و استجابة رب العالمين " وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة " . السنة العامة هي القحط أو الجدب في كل بلدان أمتنا بما يؤدي إلى مجاعة شاملة للجميع . هذا الأمر لن يحصل مطلقاً منذ بعثة المصطفى عليه الصلاة و السلام و حتى قيام الساعة حتى و لو كان وراء التجويع بوتين و مليون طاغية مثله . نعم قد تحصل مجاعة على مستوى أسرة أو على نطاق بلدة ، لكن الله افترض على القريبين منهما أن يهبوا لنجدتهم و في ذلك وردت أحاديث مخيفة – لمن يخافون الله – مثل ( و الله لا يؤمن و الله لا يؤمن و الله لا يؤمن ، قالوا "من هو يا رسول الله ؟ " قال : من بات شبعان و جاره جائع و هو يعلم أو يدري) . واقع الحال أن الأمة تتعاون عند حصول جوع ، و النخوة لا تزال موجودة و الحمد و الشكر لله . ثم إن من المفيد لأبناء و لبنات الأمة ترشيد تناول الأطعمة و عدم النظر لطعام معيَن – من نعمة الله – نظرة ازدراء حيث ربما أكلة بقل أفضل صحياً للجسم من أكلة كباب !