هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في مصر التي يعيش فيها أكثر من مئة مليون شخص، أي ما يزيد عن ربع الوطن العربي، تبين أن نحو 90% من واردات القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، كما أنَّ 33% من قطاعها السياحي مصدره روسيا وأوكرانيا، وهذا يعني أن كل منزل مصري تقريباً فيه رغيف خبز مصدره روسيا، وكل وجبة طعام نأكلها في بلادنا العربية مرهونة بقرار من موسكو!
مصر ليست الوحيدة التي تعتمد على القمح المستورد، فقد تبين أن صادرات القمح الأوكرانية تذهب أغلبها أيضاً إلى العالم العربي، وبلغة الأرقام فإن أعلى عشر دول مستوردة للقمح الأوكراني من بينها ست دول عربية، هذا فضلاً عن أن العرب أصلاً يستحوذون على أكثر من 20% من واردات الحبوب في العالم، أي أن خُمس سوق الحبوب العالمي يستهلكه المواطنون العرب.
الأزمة الروسية الأوكرانية أعادت تذكيرنا بأزمة الغذاء العالمي في العام 2008، وهي الأزمة التي سبقت الأزمة المالية العالمية التي نشبت في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام عندما انهار بنك "ليمان براذرز" في الولايات المتحدة، حينها كان النفط قد تجاوز الـ140 دولاراً للبرميل وظهرت تبعاً لذلك طفرة "الوقود الحيوي" وهي عملية تحويل بعض الأطعمة إلى وقود بشكل ما، حينها اندلعت أزمة الغذاء ولولا الأزمة المالية التي أطاحت بأسعار النفط وبالأسواق عموماً لكان العالم في أزمة أسوأ تتعلق بالغذاء.
في ذلك الحين كان السؤال المطروح هو: ما فائدة الأموال التي بأيدينا نحن العرب إذا لم يكن لدينا ما يكفي من الطعام؟ وما فائدة الأموال والأرصدة البنكية إذا لم تكن قادرة على تأمين رغيف الخبز للجياع في بلادنا؟ وهل يُمكن للثروة أن تحقق الأمن الغذائي بالضرورة لبلادنا العربية أم أن بعض السلع لا تُشترى بالمال (مثل بعض الأسلحة النوعية)؟
الأزمة الروسية الأوكرانية التي كشفت هشاشة أمننا الغذائي وخطورة تعرضنا في العالم العربي لنقص في المواد الأساسية الاستراتيجية، تعيد طرح هذه الأسئلة من جديد، إذ كيف تكون أكبر وأهم الدول العربية رهينة في طعامها بقرار خارجي، وما الخيارات التي يُمكن القيام بها من أجل تحقيق الأمن الغذائي ووقاية بلادنا وشعوبنا من مخاطر التوترات الخارجية؟
ما الذي يُمكن أن تفعله دولنا وشعوبنا العربية إذا قرر الرئيس فلاديمير بوتين تجويعنا، وهو الذي سيكون قد هيمن على أهم مصادر القمح في العالم بسيطرته على أوكرانيا وجعلها واحدة من الدول التابعة للكرملين؟.. هل ثمة خيارات وخطط بديلة لدى دولنا لمواجهة هذا النوع من الطوارئ؟ وما فائدة الأسلحة التي تُكدسها جيوشنا العربية بعد أن تشتريها بمليارات الدولارات من فرنسا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى إذا لم يكن ثمة مخازن للحبوب والقمح تقوم بتأمين رغيف الخبز لشعوبنا؟.. بل السؤال الأهم: إذا كانت هذه المقاتلات العملاقة لا تحمي صوامع القمح ومخازن الحبوب فما الذي تفعله في بلادنا؟
الأمن الغذائي هو ملف حيوي واستراتيجي بالغ الأهمية وعلى الدول العربية أن تفكر فيه جيداً، إذ ليس معقولاً أن يكون العالم العربي بأكمله يقتات على الخبز القادم من الدول الأجنبية، ولا توجد دولة واحدة تحقق الاكتفاء الذاتي، كما أن الأولى بصناديق الاستثمار السيادية العربية أن تضخ الأموال في القطاع الزراعي والمائي على أن تشتري سندات الخزانة الأمريكية بمليارات الدولارات وتضخ أموالاً طائلة في "وول ستريت".. ضخوا أموالكم في مزارع بالسودان واليمن والجزائر والمغرب ولبنان بدلاً من الاستثمار في خدمات مالية وهمية والاعتماد على رغيف الخبز المستورد.