دعت صحيفة "
أوبزيرفر" إلى التعقل والمشاورة في
مواجهة فلاديمير
بوتين على الخطوط الأمامية للديمقراطية.
وقالت في افتتاحيتها؛ إن الأصوات المخيفة لإطلاق النار والتفجيرات
وصراخ الأطفال يتردد صداه في كل أوروبا. وأضافت أن الغزو الروسي الشامل الذي شن الأسبوع
الماضي لا مبرر له، وهو هجوم شنيع ضد المواطنين الأوكرانيين ودولة ديمقراطية ذات سيادة
وكل شعوب العالم. وسيكون يوم 24 شباط/فبراير 2022 يوم العار، وسيعيش في الذاكرة ولن
يتم نسيانه بالتأكيد.
وتشير الصحيفة إلى التقارير التي تقول إن الروس لم يحققوا
النصر الذي توقعوه، وواجهوا مقاومة شديدة من الجنود الأوكرانيين والناس العاديين.
وتقول الصحيفة: "صمم الأوكرانيون على الدفاع عن أرضهم، وفي هذه اللحظة من الخطورة القصوى، يجب على بوتين، الرئيس الروسي والمهندس الوحيد لهذه
المأساة التي لا ضرورة لها، تنفيذ وقف فوري لإطلاق النار. وقد أساء التقدير من الناحية
العسكرية وبات معزولا دبلوماسيا، كما ظهر من شجب مجلس الأمن الدولي للتحرك الروسي، وحتى حليفته الصين رفضت دعم عدوانه الشرير".
ومن الناحية السياسية، تثير الحرب التي شنها بوتين احتجاجات
وتظاهرات في داخل
روسيا. والآن باتت هناك حاجة للتفكير العقلاني والاستشارة الحكيمة
في العواصم الغربية، فكلما زاد عدد القتلى والمشوهين، زادت الفجوة السياسية والمنظور
الأوسع لهذه الحرب، التي قد تنتقل إلى بولندا والدول الجارة. ومع تعزيز الناتو جبهته
الشرقية، يزداد التوتر ومعه مخاطر المواجهة بين روسيا والتحالف الغربي. وهناك حاجة لتقديم
الدعم إلى العائلات الأوكرانية الفارة بأعداد متزايدة من القصف الذي لا يميز، وتتوقع
منظمات الإغاثة حالة طوارئ إنسانية واسعة.
ولا يمكن لبولندا وسلوفاكيا ورومانيا ومولودفا وهنغاريا التعامل
مع هذه الأزمة وحدها، ويجب على بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي إظهار السخاء وتقديم
الدعم واللجوء المؤقت لضحايا بوتين.
وقالت الصحيفة؛ إن الديمقراطيات الغربية تواجه ساعة الحقيقة،
ولسنوات طويلة، راقبت العالم الأوسع وتقدم الديكتاتورية التي تثير الاستقطاب، وإن لم
يتم الدفاع عن النظام العالمي الذي ظهر بعد عام 1945 وضمن حق السيادة وحق تقرير المصير
وحكم القانون وحقوق الإنسان الأساسية الآن، فلا فرد أو شعب أو دولة سيكون آمنا في المستقبل
من القوى الخبيثة.
وتعتبر أوكرانيا جبهة أولى للديمقراطية، ومنذ زحف الدبابات
السوفييتية إلى شوارع براغ عام 1968 لم تر أوروبا أمرا كهذا، مع أن الرعب الذي يتذكره
من عاشه لا يشبه الرعب الحالي، ولم يحدث شيء مثل هذا منذ قيام الزعيم النازي أدولف
هتلر بغزو جارة قريبة له.
وتقول الصحيفة؛ إن محاولة سحق، وفي الحقيقة إبادة، بلد مستقل
ونظامه الديمقراطي المتعدد الإثنيات من خلال قوات ديكتاتور مهووس يستدعي عهد النازية.
كم هو حقيقي ويمكن تصديقه دفع أوروبا مرة أخرى إلى تلك الأزمنة المظلمة؛ فحس الصدمة
والغضب وليس أقل ذلك من روسيا التي قتل فيها 20 مليون في الكفاح ضد الفاشية واضح. وما
هو مثير للحيرة بقدر كبير، هو أن الأجيال التي ولدت بعد انهيار جدار برلين عام 1989
ونهاية الحرب الباردة، وعلى خلاف جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي عاش في ظل
تهديد النزاع النووي، أن يجد نفسه اليوم عرضة لرجل صغير، وبقية مثيرة للازدراء من عهد
الاتحاد السوفييتي يهددهم اليوم بالإبادة النووية.
وتضيف الصحيفة، إن هذه اللحظة وبطريقة ما، كانت قادمة منذ
سحق بوتين الانفصاليين الشيشان وسوى عاصمتهم غروزني بالتراب ما بين 1999-
2000 بدون أن يكون لديه تفكير بمن يسكنها.
ومنذ جورجيا وسوريا وشبه جزيرة القرم ودونباس 2014، فقد تصرف بوحشية قاسية وتهور وبدون اهتمام بالعواقب، وسجله هو سجل بلطجي
دولي.
وتعلق الصحيفة أن بوتين قد يكون مجنونا أو غير مجنون، ولكنه
بالتأكيد بلطجي والقوة هي سلاحه الوحيد والأكاذيب هي ذخيرته، ويبدو مصمما على تحويل
أوكرانيا إلى مجرد منطقة عازلة يحكمها نظام تابع له. وذكرت الصحف الأمريكية أن لدى
بوتين قائمة من أسماء المسؤولين الذين يجب سجنهم أو اغتيالهم، وهي تقارير تحمل موثوقية
على ما يبدو. ولو استطاع بوتين إقامة سجن مفتوح بغرف تعذيب كما في بيلاروسيا فلن تبقى
أوكرانيا.
ويعرف الشعب الأوكراني وقادته وجيشه أنهم يخوضون حربا للبقاء، وحتى هذا الوقت فهم ينجزون إنجازات جيدة، فقد أبطؤوا تقدم القوات الروسية وكبدوها أضرارا فادحة، وهناك قصص
كثيرة عن الشجاعة الفردية والتضحية. وتم استدعاء كل البالغين ما بين 18-50 لحمل السلاح، ووقف المدنيون في طوابير للحصول على
الأسلحة وقنابل المولوتوف لرميها على الدبابات الروسية، وهذه المفارقة لن يهتم بها
بوتين. وبنفس المنطق والأرقام، فلن يستطيع الأوكرانيون مواجهة قوة عسكرية مهمة، ويطالب
الرئيس الأوكراني فولدومير زيلنسكي من الدول الغربية الدعم العسكري، في وقت يطرح فيه
نواب بريطانيون محافظون فكرة مجال الحظر الجوي على أوكرانيا تحرسه الطائرات البريطانية
والناتو، وهناك فكرة لتسليح وتدريب قوات شبه عسكرية، كل هذا يثير العديد من المشاكل،
فكما قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس: منطقة حظر جوي قد تؤدي إلى مواجهات بين
طائرات الناتو والمقاتلات الروسية بشكل يزيد من مخاطر الحرب. وهذه فكرة غير قابلة للتنفيذ
وبخاصة أن الناتو أكد عدم استعداده للدخول في حرب لدول غير عضو فيه، وعليه والحالة
هذه الالتزام بموقفه، مع زيادة الضغوط من أجل حماية الشعب الأوكراني.
كل هذا سيضمن على المدى القريب انتصار بوتين، ولكن لا يعني
أن المعركة الكبرى قد خسرت. ولكن ليس صحيحا كما يقول زيلينسكي؛ إن أوكرانيا تقف وحيدة.
فالدعم العالمي الواسع كبير وقوي، وتم إعدام بوتين في كل الجهات، وزادت بريطانيا والولايات
المتحدة من الدعم العسكري لأوكرانيا وهناك
العقوبات أيضا. فهذه العقوبات التي فرضتها
الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، غير مسبوقة في مجالها، وتجاهلت
موسكو أثرها، لكنها ستعمل على المدى البعيد لعزل وإضعاف وإفقار روسيا واقتصادها وماليتها
وبوتين نفسه، وهي عقوبات لا مثيل لها.
وهناك المزيد من
الجهود التي كان يمكن عملها ويجب عملها، فقد كان خطأ استثناء قطاع النفط والطاقة من
العقوبات؛ فهذان المجالان هما أهم مصدر لموارد النظام، ومن خلالهما يوفر الدعم لحملاته
العسكرية وسياساته الرجعية التي يمارسها، وتعطي بوتين الموارد. بالطبع ستدفع أوروبا الثمن الباهظ من توقف الطاقة الروسية، ولكنه ثمن
يستحق الدفع.
ولا بد من الترحيب بخطوة ألمانيا لاستبعاد البنوك الروسية
من نظام سويف العالمي، وهذه عقوبات متأرجحة، لكن قرارا في الأمم المتحدة يجعلها رسمية، ويؤكد نبذ دولة بوتين، ولو تم الحفاظ عليها واستمرت، فقد تؤدي إلى إنهاء نظامه الفاسد.
وخطأ بوتين أنه أفرط في تصرفاته. وربما قادت هذه الحرب والآثار التي ستتركها العقوبات
إلى ساعة الحساب التي انتظرها الشعب الروسي للقصاص من بوتين.
وأشارت الصحيفة للدور الذي أدّته بريطانيا بإقناع ألمانيا
وإيطاليا استبعاد روسيا من نظام سويفت، وتعهد وزيرة الخارجية بتنظيف المال الروسي القذر
في بريطانيا، رغم وجود أسئلة حول استفادة حزب المحافظين الحاكم منه. وقالت الصحيفة؛ إن أزمة أوكرانيا ساعدت بوريس جونسون على أداء دور في الساحة الدولية وتجاوز مشاكله
الداخلية، مع أن بريطانيا تظل في مرحلة ما بعد البريكسيت لاعبا ثانويا.