سياسة عربية

شوقي الطبيب: تونس انحرفت عن الديمقراطية والرئيس ظلمني

شوقي الطبيب: من غير الممكن الحديث عن انتقال ديمقراطي في تونس حاليا  (فيسبوك)
شوقي الطبيب: من غير الممكن الحديث عن انتقال ديمقراطي في تونس حاليا (فيسبوك)
حذّر الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المحامي شوقي الطبيب، من أن تونس تبتعد يوما بعد يوم عن المسار الديمقراطي، بعد جمع الرئاسة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وسعيها للسيطرة على السلطة القضائية من خلال حل المجلس الأعلى للقضاء وتكليف مجلس معيّن...

وأعرب الطبيب في حديث خاص بـ "عربي21"، عن أسفه لما قال إنها حملة تشويه ممنهجة تعرضت لها الهيئة وتعرض لها هو شخصيا، وقال: "الكل يعرف أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي تم اختياري لرئاستها في كانون الثاني (يناير) 2016، كانت في وضعية موت سريري... الكل يعرف أنني كنت في مهمة شبه مستحيلة تقريبا.. ليس فقط لحجم الملفات التي سنتصدى لها، وإنما لأنها لم تكن موجودة كإطار ولم تكن لها إمكانيات ولا موظفين".

وأضاف: "قضيت أكثر من أربعة أعوام وأرسيت الهيئة كمؤسسة بفروعها، وتمكنا من تحقيق مكاسب هامة، وقمنا بدور فعال لوضع استراتيجية لمكافحة الفساد عبر فرضها ومساهمتها في إنجاز العديد من المكاسب كتحسين الإطار التشريعي وكشفت ملفات للفساد كبيرة، وأكدنا أن هذه معركة تتعلق بمنظومة فساد متكاملة تستوجب استراتيجية محكمة لتفكيكها بطريقة تشاركية...". 

وأكد الطبيب أن الهيئة واجهت لوبيات نافذة ومتمكنة صلب أجهزة الدولة وخارجها بسبب ملفات الفساد التي كشفتها، وقال: "أثارت هذه الملفات سخط العديد من الجهات المعنية بالفساد، وكان نتيجته مسلسل طويل من الهجوم علي ووصل الأمر حد التهديد بتصفيتي مما دفع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي رحمه الله لوضعي تحت حماية الأمن الرئاسي". 

وأضاف: "لقد وصلت الحرب ضدي ذروتها بعد إحالتي لملف رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ حول شبهة تضارب المصالح، وما تبع ذلك من محاولات التشفي والانتقام مني من طرف الفخفاخ نفسه، الذي قام قبل تنحيته بإقالتي من رئاسة الهيئة، والتحريض علي وتمت حملة ضدي بأنني حركت ملفاته خدمة لأطراف سياسية، وهي اتهامات باطلة ولا أساس لها". 

وتابع: "لم يتم الاكتفاء بإقالتي، بل تم وضعي في الإقامة الجبرية بدون أي قرار قضائي وبدون أي تبرير من السلطة الإدارية والسياسية، والحمد لله فقد أنصفني القضاء بشكل غير مباشر، بعد أن أثبتت التحقيقات القضائية إلى حد الآن كل الاتهامات التي أكدتها الهيئة بحق الفخفاخ من تضارب المصالح والتصريح المغلوط بالمصالح والمكاسب واستغلال النفوذ...".

ونفى الطبيب أن يكون قد غادر البلاد وطلب اللجوء في أي بلاد في العالم، وقال: "في الفترة الأخيرة وبسبب التزامات مهنية اضطررت لمغادرة البلاد، وتم السماح لي بذلك، وتواصلت حملة التشويه بأنني غادرت البلاد فارا، وأنني لجأت إلى إحدى البلدان الأجنبية وطلبت اللجوء.. طبعا هذه كلها ادعاءات، فقد عدت قبل أسبوع، بعد أن أنهيت التزاماتي، فأنا لم أغادر تونس حين كنت يافعا أيام الديكتاتورية ولي ما أخشى عليه، فكيف سأهرب منها الآن وأنا كهل، وليس لي ما أخشى عليه! سأبقى في وطني وسألتزم بالدفاع عن الحريات والقضايا الحقوقية التي آمنت بها وناضلت من أجلها كعميد سابق للمحامين وكحقوقي وناشط في المجتمع المدني".

وفي سؤال مباشر وجهته له "عربي21"، عما إذا كانت لديه علاقة مباشرة مع الرئيس قيس سعيد، ربما تقف خلف الحرب ضده، قال الطبيب: "ليست لدي أي مشكلة شخصية مع الرئيس قيس سعيد، ولا معرفة لي به لا قبل الثورة ولا بعدها.. ولقد كنت من التونسيين الذين استبشروا خيرا بانتخابه، على أساس أن الرجل نزيه ولم تتلوث يداه بالفساد وأن انتخابه ربما يكون مؤشرا على عهد جديد.. لكنني فوجئت أنه صادق على بعض القرارات الظالمة التي اتخذت ضدي أولها إقالتي من رئاسة الهيئة بقرار ظالم من الفخفاخ، ووضعي تحت الإقامة الجبرية، بقرار معيب من وزير داخليته رضا الغرسلاوي.. فوجئت لأنه لم يقم بإنصافي، في حين أن كل الوثائق التي يمكنه الوصول إليها بسهولة تفيد براءتي من كل التهم، وتنفي تجييري لمواقف الهيئة لصالح أطراف سياسية بعينها.. فالجميع يعرف أنني كنت مستقلا، وقد كرست ذلك عمليا". 

وأعرب الطبيب عن أسفه لأن تونس تنحرف شيئا فشيئا عن المسار الديمقراطي، وقال: "بالنسبة للمسألة الديمقراطية في تونس، هناك مشكلة كبيرة لأنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في ظل وجود سلطة تنفيذية تجمع بين يديها السلطتين التنفيذية والتشريعية وسعى للسيطرة على السلطة القضائية.. كحقوقي لا يمكنني الحديث عن انتقال ديمقراطي في ظل هكذا مناخات.. وفي ظل توجهات تشير إلى أننا نبتعد عن المسار الديمقراطي.. فحل المجلس الأعلى للقضاء وفرض الإقامة الجبرية والمنع من السفر والتضييق على المجتمع المدني... كلها إشارات تؤكد أننا لسنا بصدد انتقال ديمقراطي". 

وأكد الطبيب أن "مجلس القضاء المؤقت غير شرعي"، وقال: "كنت ولا أزال ضد حل المجلس الأعلى للقضاء.. أنا كمحام وكعميد سابق للمحامين وحتى كرئيس سابق للهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد.. أعلم أن السلطة القضائية تعاني من إشكالات لكن حلها لا يكون عبر حل المجلس الأعلى للقضاء أو بالتحريض على القضاة... إذ لا يمكن تحميل هذا المجلس المشاكل التي تعانيها المؤسسة القضائية.. وهي مشاكل حلها يكون بتفعيل المجلس، وتفقدية القضاء، وغيرها من الإصلاحات التشريعية الضرورية...".

وعما إذا كان جزءا من النهضة أو عاملا بها، قال الطبيب: "من يقول هذا الكلام يتناسى أن الهيئة تعرضت لاتهامات من عدد من المنتسبين لحركة النهضة بأنه تم توظيفها ضدهم، وقد استند هؤلاء على ما حدث بمناسبة إسقاط حكومة الحبيب الجملي حيث تم الاستئناس بتقرير الهيئة حول بعض المرشحين لحكومة الجملي التي اختارتها النهضة... باختصار لسنا مع النهضة ولا مع غيرها.. نحن هيئة مستقلة ومن له غير ذلك فعليه أن يثبت العكس، وقد تعاملنا مع جميع الملفات على قدم المساواة".

وحول الموقف من استمرار وضع النائب البرلماني المحامي نور الدين البحيري تحت الإقامة الجبرية وإحالة العميد السابق للمحامين المحامي عبد الرزاق الكيلاني على القضاء العسكري، قال الطبيب: "أرفض وضع الأشخاص في الإقامة الجبرية، فهذا قرار ينافي الدستور ويتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ومع الموافق الدولية، كما أنني ضد محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية، وعبد الرزاق الكيلاني هو محام ومن حقه أن يدافع عن منوبه نور الدين البحيري، والقانون أعطى للمحامي ضمانة في هذا الإطار، لا يمكن مساءلته عما يكتب أو يقول في مرافعته.. ولم نسمع من الكيلاني عندما توجه لأعوان الأمن أي خطأ".

وأضاف: "أنا ضد الإقامة الجبرية المفروضة على البحيري، وضد محاكمة الكيلاني أمام القضاء العسكري.. وسأنوبه أمام قاضي التحقيق العسكري"، على حد تعبيره.

وكان رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ، قد قرر في آب (أغسطس) 2020 إقالة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (دستورية)، شوقي الطبيب، من مهامه، وتعويضه بالقاضي عماد بوخريص، دون توضيح الأسباب.

ولم توضح رئاسة الحكومة وقتها سبب إعفاء الطبيب (57 عاما)، وهو نقيب سابق للمحامين في تونس، وكان قد تم تعيينه بهذا المنصب في كانون الثاني (يناير) 2016.

وأعلنت الهيئة، في 13 تموز (يوليو) 2020، إحالة وثائق تتعلق بالتصريح بالمكاسب وشبهات تضارب مصالح بحق الفخفاخ إلى كل من القضاء، ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي.

وبعد ثلاثة أيام، أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد، قبول استقالة الفخفاخ من رئاسة الحكومة، ثم كلف لاحقا وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، هشام المشيشي، بتشكيل حكومة.

وأياما قليلة بعد قرارات الرئيس قيس سعيد في 25 تموز (يوليو) الماضي بحل حكومة المشيشي وتجميد البرلمان، تم وضع الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة 20 آب / أغسطس الماضي، قيد الإقامة الجبرية، التي تم رفعها في 10 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

يذكر أن "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" بتونس تم استحداثها في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، خلفا لـ "لجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة"، التي أنشئت قبل عشرة أشهر، مباشرة بعد الثورة التونسية، في كانون الثاني (يناير) من العام نفسه.

التعليقات (0)