هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناول "معهد الشرق الأوسط" في تقرير مطول، تأثر مصر من الحرب في أوكرانيا، اقتصاديا، لا سيما وسط مخاوف من أزمة غذاء، وأن يؤدي استمرار العملية العسكرية الروسية إلى تهديد اقتصاد مصر بالكامل.
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21"، فإن الأمن الغذائي لمصر بات مهددا، بسبب الحرب بين روسيا وأكرانيا، فالقطاع الزراعي في البلاد غير قادر على إنتاج ما يكفي حتى نصف الاحتياجات المحلية من الحبوب الغذائية، إلى جانب أن القمح والبذور الزيتية تعتمد مصر فيها بالغالب على الاستيراد من أوكرانيا وروسيا.
وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير 2022، باتت أزمة الأمن الغذائي في مصر تشكل الآن تهديداً وجوديا لاقتصادها.
وتنبع هشاشة وضع الأمن الغذائي في مصر من عدم قدرة القطاع الزراعي على إنتاج ما يكفي حتى نصف الاحتياجات المحلية للبلاد من الحبوب الغذائية، وخاصة القمح، ومن البذور الزيتية كذلك.
وتعتمد القاهرة على كميات ضخمة من المستوردات المدعومة بكثافة لضمان وجود كميات كافية وبأسعار مقبولة من الخبز والزيت النباتي لإطعام ما يقرب من مئة وخمسة ملايين من مواطنيها.
وتأمين هذه الكميات هو الذي حول مصر إلى أكبر مستورد للقمح في العالم وواحدة من أكبر عشرة مستوردين في العالم لزيت زهرة الشمس.
اقرأ أيضا: دبلوماسي أوكراني: الغزو الروسي سيؤثر على تأمين الغذاء بمصر
وبحلول عام 2021 كانت مصر تواجه مستويات من الغلاء لم تشهدها منذ الاضطرابات المدنية التي رافقت انطلاق الربيع العربي قبل عقد من الزمن والتي نجم عنها الإطاحة بحكومة الرئيس السابق حسني مبارك.
بعد ثمانية أعوام من العمل بكد لإصلاح الوضع الاقتصادي في مصر، باتت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الآن معرضة بالقدر ذاته إلى ارتفاعات هائلة في تكاليف الغذاء تصل إلى مستويات قاصمة للميزانية.
وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية في رفع الأسعار إلى مستويات تتجاوز قدرة مصر على التحمل، فبين عشية وضحاها زاد سعر القمع بنسبة إضافية قدرها 44 بالمائة بينما زادت أسعار زيت زهرة الشمس بنسبة تصل إلى 32 بالمائة.
وما هو أدهى وأمر أن الحرب تهدد كذلك الواردات الفعلية لمصر نفسها بما أن 85 بالمائة من قمحها يردها من روسيا وأوكرانيا وكذلك هو حال ما يقرب من 73 بالمائة من وارداتها من زيت زهرة الشمس.
ومع توقف الحركة تماماً في الموانئ الأوكرانية، تحتاج مصر إلى البحث عن موردين بديلين. ومن شأن أي تصعيد آخر قد يوقف جميع صادرات منطقة البحر الأسود أن يشطب الواردات الروسية تماماً من السوق، وإذا حدث ذلك فإن النتائج ستكون كارثية.
تتوفر لدى مصر الآن كميات احتياطية من القمح تكفيها لأربعة شهور تقريباً، وهذا يعني أنها قد تتمكن من التغلب على المصاعب، ولكن حتى يتسنى لها ذلك فإن القاهرة تحتاج إلى اتخاذ إجراء مباشر وحاسم، يمكن أن يصبح أكثر فاعلية فيما لو هب شركاؤها الأمريكان والأوروبيون إلى نجدتها.
الخبز والاحتجاجات والدعم
وتستورد مصر كميات ضخمة من القمح بسبب الاستهلاك الكبير من الخبز التقليدي الذي يعرف باسم العيش البلدي، والذي يشكل المكون الأساسي الأهم شعبياً في كل وجبة غذائية يتناولها الفقراء من أفراد الطبقة العاملة في البلاد.
يستهلك المصريون ما يتراوح بين 150 و180 كيلوغراما من الخبز لكل شخص، وهو أكثر من ضعف المعدل العالمي الذي يتراوح ما بين 70 إلى 80 كيلوغراما للشخص الواحد. ما لبث الإبقاء على سعر المادة الغذائية الأساسية للمصريين ضمن قدراتهم الشرائية هو العنصر الأساسي في الحفاظ على استقرار النظام منذ أن جاءت ثورة الضباط الأحرار بالرئيس جمال عبد الناصر إلى السلطة قبل ما يقرب من ستين عاماً.
عندما أذعن خليفة ناصر لمطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأمر بتقليص الدعم الذي توفره الدولة لطحين القمح وزيت الطهي وغير ذلك من المواد الغذائية الأساسية، نجم عن ذلك اندلاع "انتفاضة الخبز" الشهيرة في عام 1977. بلغت خطورة الأزمة حينها مستوى دفع الرئيس أنور السادات إلى استدعاء الجيش لقمع المحتجين.
وكانت حظوظ خليفة السادات، مبارك، أسوأ بكثير عندما وصل معدل التضخم الغذائي السنوي في مصر إلى ما نسبته 18.9 بالمائة في عام 2011 في خضم جولة أخرى من تقليص الدعم عن المواد الغذائية الأساسية بطلب من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
اقرأ أيضا: ما بدائل مصر لتعويض واردات القمح من روسيا وأوكرانيا؟
ودفع ارتفاع أسعار الخبز – والذي كان من أسبابه ولو جزئياً تراجع حجم إنتاج روسيا من المحصول بسبب الأحوال المناخية – بالطبقة العاملة في مصر إلى الشوارع وأبقاها في حالة من الانتفاض ضمن الحركة الاحتجاجية المطالبة بالعدالة والكرامة، إلى أن أفضت في نهاية المطاف إلى إنهاء حكم مبارك الذي استمر لما يقرب من ثلاثين عاماً.
والآن تواجه مصر تارة أخرى نقصاً حاداً في واردات القمح في وقت وصلت فيه الأسعار إلى مستويات قياسية. تشير تقديرات وزارة الزراعة في الولايات المتحدة إلى أن إنتاج مصر في السنة التسويقية 2021/2022 سوف يصل إلى 9 ملايين طن متري بينما سيصل استهلاكها إلى 21.3 مليون طن متري، تاركاً عجزاً قدره 12.3 مليون طن متري لا بد من سده من خلال الاستيراد.
وكانت أسعار تلك المستوردات قد وصلت إلى مستويات قياسية حتى قبل قيام روسيا بغزو أوكرانيا. وكما ورد تفصيله في منشور سابق لمعهد الشرق الأوسط فقد ارتفع المعدل العالمي لأسعار الحبوب الغذائية بما نسبته 27.3 بالمائة في شهر سبتمبر / أيلول من عام 2021 مقارنة بشهر سبتمبر / أيلول من العام السابق، وما لبث منذ ذلك الوقت في الصعود وبمعدلات أسرع. بنهاية الربع الثالث من عام 2021 وصل سعر القمح الناعم المستخدم في صناعة الخبز إلى 271 دولاراً للطن الواحد، بمعدل زيادة بلغت نسبته 22 بالمائة في السنة.
ثم ما لبثت الأسعار في الربع الرابع من عام 2021 أن ارتفعت أكثر بسبب تقلص الإنتاج العالمي الناجم عن تعرض المنتجين في الولايات المتحدة وكندا وروسيا وأوكرانيا وبقية منطقة البحر الأسود إلى تلف في المحصول ناجم عن الجفاف أو الصقيع أو الأمطار الغزيرة. وبدءاً من الثالث من آذار/ مارس 2022، أي فقط بعد سبعة أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا، وصل القمح لعقود مارس 2022 التي أبرمها مجلس تجارة شيكاغو إلى ما يقرب من 389 دولاراً للطن الواحد.
ونظرا لأن روسيا هي أكبر مصدر للقمح في العالم وأوكرانيا هي خامس أكبر مصدر، بحيث يبلغ نصيبهما معاً من صادرات القمح العالمية 30 بالمائة، فمن المحتمل أن تظل الأسعار مرتفعة طالما استمرت الحرب.
بالنسبة لمصر، تتجاوز التكلفة مجرد سعر الاستيراد. وذلك أن مصر تخصص خمسة أرغفة من الخبز المدعوم يومياً لكل مستفيد من المشاركة في نظامها لترشيد استهلاك الخبز. يبلغ الدعم المقدم من الدولة على سعر العيش البلدي 0.05 جنيه مصري (حوالي 0.3 سنت أمريكي بحسب سعر تبديل العملة في الأول من مارس / آذار 2022)، وهو ما يمثل أقل من عشر التكلفة الفعلية. يكلف التعويض الذي تقدمه الحكومة للمخابز المصرية 0.60 جنيه مصري (3.8 سنتات) لكل رغيف عيش بلدي.
ومع وجود ما يزيد عن 88 بالمائة من سكان مصر مسجلين ضمن نظام ترشيد استهلاك الخبز، تخصص القاهرة 3.3 مليارات دولار لدعم الخبز في ميزانية 2021/2022، بزيادة يصل معدلها إلى 10 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. وسوف تغدو مشتريات مصر الجديدة من القمح ومبالغ الدعم عبئاً مالياً أكبر يوضع على كاهل وزارة المالية.
أزمة الزيت الأخرى في مصر
بالإضافة إلى الخبز، بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في تعطيل واردات مصر من زيت بذور زهرة الشمس، وهو الزيت النباتي الرئيسي الذي يستهلكه البلد بالإضافة إلى زيت فول الصويا. تستورد الحكومة 95 بالمائة من احتياجات البلد من الزيت النباتي وتوفر للمستهلكين المصريين مزيجاً مدعوماً بنسبة كبيرة من زيت زهرة الشمس وزيت فول الصويا.
وتشير توقعات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن استهلاك مصر في العام التسويقي 2021/2022 سيصل إلى 355 ألف طن متري، يبلغ حجم الواردات منها 350 ألف طن متري، أو 98.6 بالمائة من مجمل الكميات المستوردة.
وأكبر المصدرين في العالم هما أوكرانيا وروسيا، إذ يصدران معاً أكثر من ثلاثة أرباع مجمل الصادرات العالمية من زيت زهرة الشمس. في 2020 استوردت مصر 54.4 بالمائة من زيت زهرة الشمس من أوكرانيا وما نسبته 18.83 بالمائة من روسيا.
في الثامن والعشرين من فبراير / شباط قدر سعر زيت زهرة الشمس الأوكراني بما يقرب من 1950 دولاراً للطن المتري الواحد، بزيادة قدرها 470 دولاراً عن سعر ما قبل الحرب الذي كان يوم 23 شباط/ فبراير، 1480 دولاراً للطن المتري الواحد. علماً بأن ذلك السعر كان مخصصاً لمن لديهم القدرة فعلياً على الحصول على شحنة جاهزة للتوريد.
منذ الرابع والعشرين من شباط/ فبراير، توقفت مؤسسة بلاتس، المتخصصة في إصدار تقارير حول أسعار السلع، عن إعلان تقديرات حول أسعار زيت زهرة الشمس الوارد من منطقة البحر الأسود.
ولما كانت أوكرانيا وروسيا هما المصدران المهيمنان فلن يتسنى لمصر بسهولة إيجاد موردين بديلين. كما لا يمكنها بسهولة زيادة حجم زيت فول الصويا، وذلك لأن المنتجين في الأرجنتين والبرازيل والباراغواي سوف يواجهون عجزاً في الإنتاج يصل حجمه إلى 9.5 ملايين طن من فول الصويا بسبب عدم كفاية الأمطار في المناطق الزراعية داخل أمريكا الجنوبية.
وكان السوق العالمي للزيت النباتي قد شهد موجة عاتية من ارتفاع أسعار كافة الزيوت خلال عام 2021. منذ الأول من حزيران/ يونيو، رفعت مصر سعر الزيوت النباتية المخلوطة غير المدعومة بما نسبته 23.5 بالمائة بينما تم استبدال عبوات اللتر الواحد من مزيج زيتي فول الصويا وزهرة الشمس بعبوات سعتها 0.8 ليتر تباع بنفس السعر، أي ما يعادل اختزالاً نسبته عشرون بالمائة.
بينما كان خفض الدعم مفيداً في مكافحة موجة التضخم العالمية في أسعار المواد الغذائية لعام 2021، ما لبثت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في مطلع عام 2022 أن حولت تلك الموجة إلى ارتفاع حاد في الأسعار يشبه التسونامي، في خضم هلع البلدان بحثاً عن بدائل لزيت زهرة الشمس.
في شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2022، فرضت إندونيسيا، التي تنتج ما نسبته 58 بالمائة من الواردات العالمية لزيت النخيل، قيوداً صارمة تحد من الصادرات سعياً منها لتخفيض المستويات المرتفعة من أسعار زيت الطعام في أسواقها المحلية بسبب ما حصل من زيادات في عام 2021.
كما أن ماليزيا، ثاني أكبر منتج لزيت النخيل، حيث يبلغ نصيبها من الإنتاج العالمي الإجمالي حوالي 26 بالمائة، تعرضت لانخفاض في إنتاج زيت النخيل ولن تتمكن من الوفاء بالطلبات المتزايدة من البلدان التي تسعى لإيجاد بديل عن زيت زهرة الشمس، الأمر الذي سيترك مصر في مواجهة أزمة زيوت نباتية.
أزمة الإمدادات الغذائية عالميا– متلازمة الصين
لقد فاقم من أزمة الإمدادات العالمية من حبوب الغذاء وزيوت الحبوب والزيوت النباتية احتكار الصين لما يزيد عن نصف المخزون العالمي من الحبوب، بما في ذلك 51 بالمائة من احتياطي القمح العالمي. وذلك أن التحول السريع الذي شهدته البلاد نحو التصنيع والتوسع العمراني نجم عنه تآكل الرقعة الزراعية ناهيك عن تلويث موارد المياه الأساسية، مما جعل الأمن الغذائي في الصين عرضة لمخاطر التغيرات المناخية.
وكانت فيضانات 2021 الخريفية قد تسببت في تهديد محاصيل الحبوب فيها بما في ذلك ثلث إنتاج الصين من القمح. ثم تفاقمت معضلة الصين جراء احتياجاتها الطارئة لاستيراد القمح المستخدم في صناعة الأعلاف من أجل تجديد قطعان الخنازير المحلية وبذلك ضمان توفر الكميات المطلوبة من البروتين الحيواني.
كما تتحكم الصين بما نسبته 38 بالمائة من مخزون فول الصويا العالمي. في نفس الوقت قوض الارتفاع الكبير في أسعار فول الصويا من قدرة مزارعي الخنازير في الصين على توفير العلف الذي تحتاجه قطعانهم. قبل يومين من غزو روسيا لأوكرانيا، أعلنت الإدارة الوطنية للاحتياطات الاستراتيجية للغذاء في الصين أنها ستحرر كميات من فول الصويا وبعض زيوت الطعام من احتياطيات الدولة.
على المنوال ذاته، ونظراً للقلق الذي ينتاب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة في الصين (الفرع التنفيذي من الحكومة في البلاد) من احتمال عودة الفقر على نطاق واسع، فقد استوردت الصين 164.5 مليون طن متري من الحبوب في عام 2021، وهو ما يمثل زيادة قدرها 18.1 بالمائة مقارنة بما كان عليه الحال في 2020 – ما ساعد في الدفع بأسعار الحبوب عالمياً بشكل حاد إلى أعلى قبل غزو روسيا لأوكرانيا.
بينما يمكن أن تعاني مصر وغيرها من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من انقطاع الإمدادات بسبب توقف العبور من منطقة البحر الأسود فإن بإمكان الصين الاستمرار في استقبال صادرات روسيا من الحبوب براً عبر خطوط السكة الحديدية التي تربط بين البلدين.
إنقاذ بالهليكوبتر استعداداً لشهر رمضان؟
إذن ما مدى سوء الوضع بالنسبة لمصر؟ على الرغم من أن التهديد الذي يواجهه الاقتصاد المصري من النمط الشديد، إلا أن البلد في وضع مالي أفضل مما كان عليه في عام 2011 قبيل الإطاحة بالرئيس مبارك.
فاكتشاف حقل ظُهر للغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لمصر في عام 2015، وهو الحقل الأكبر في منطقة شرقي المتوسط، مع الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي جرت في عام 2016، والتي تمت بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، أحدث ذلك استدارة في الاقتصاد المصري، حتى أن الاحتياطات الأجنبية في البلد وصلت بحلول عام 2018 إلى ما يقرب من 40 مليار دولار، وهو ما يعادل ستة شهور من استيراد البضائع والخدمات. وبحلول عام 2019 غدت مصر مصدراً للطاقة صافيا.
ومع الاتفاق على مستوى العاملين الذي أبرم في يونيو / حزيران 2020 بين مصر وصندوق النقد الدولي بشأن الترتيب الاحتياطي بمبلغ 5.2 مليارات دولار للمساعدة في التغلب على الآثار السلبية لجائحة كوفيد 19 على الاقتصاد، حققت مصر نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6 بالمائة في 2020 مقارنة بالانكماشات الاقتصادية التي اجتاحت كافة أقطار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في النصف الأول من العام المالي 2021/2022 نما اقتصاد مصر بمعدل 9 بالمائة ويتوقع أن يتجاوز النمو 6 بالمائة للعام المالي المنتهي في 30 يونيو 2022 بمجمله.
وبالنظر إلى توفر موارد اقتصادية أكبر لديها فقد بذلت السلطة العامة لتوفير السلع، وهي سلطة تابعة للحكومة المصرية، جهوداً مكثفة، حتى قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، بهدف التخفيف من غلواء المعضلة التي تواجهها مصر بخصوص استيراد الأغذية. واستغلالاً للفرصة السانحة التي وفرها هبوط أسعار القمح في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 بسبب قلق السوق إزاء متحول أوميكرون من فيروس كوفيد-19 وما نجم عن انتشاره من انخفاض في الطلب، اشترت السلطة العامة لتوفير السلع 600 ألف طن متري من القمح من روسيا وأوكرانيا ورومانيا، فحصلت على تخفيضات كبيرة من التجار.
وكان لدى مصر عند لحظة اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية احتياطات استراتيجية من القمح تكفيها لمدة تقترب من 4.2 أشهر. وفي شهر آذار/ مارس من عام 2021، كان المخزون الاستراتيجي من الزيوت النباتية يكفي مصر ما يقرب من خمسة شهور.
في شهر آب/ أغسطس من عام 2021، أقر الرئيس السيسي بالحاجة الماسة إلى المضي قدما بإصلاح الدعم الحكومي للخبز وبالطبيعة السياسية الدقيقة لتلك المهمة.
وتكثف الاهتمام على المستوى الوزاري بالموضوع في يناير ومطلع فبراير 2022 قبيل فترة التخطيط للميزانية في مارس، إلا أنه ما لبث أن انتهى جراء الصدمات الإضافية التي أصابت الأسعار والإمدادات، وانبعثت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولكن مع إقبال شهر رمضان، الذي سيبدأ في مصر في الثاني من إبريل / نيسان 2022، والذي يتميز بالوجبات العائلية اليومية على الإفطار، يحتاج صناع السياسة في مصر إلى إيجاد حلول سريعة لضمان استمرار توريد القمح وزيت الطهي بأسعار تكون في متناول المواطنين.
وعلى المدى البعيد سيكون من الأفضل من حيث الكفاءة للقاهرة أن تستبدل كل الدعم الحكومي للخبز، أو جزءاً منه على الأقل، بدفعات نقدية مباشرة – وهو ما يطلق عليه الاقتصاديون "مال الهليكوبتر" – يتم تحويلها إلى فقراء مصر من الطبقة العاملة وإلى غيرهم ممن ينتسبون إلى القطاعات الأقل حظاً في المجتمع المصري. ولكن مع ارتفاع التضخم، يستبعد أن تقدم الحكومة على زيادة الضغوط التضخمية من خلال زيادة الواردات المالية.
بل إن الحل الأكثر احتمالاً على المدى القصير، وهو الحل الذي يفضله وزير التموين المصري – هو إصدار بطاقات للخبز شبيهة بتلك التي تمنح للمصريين من أجل الحصول على غيره من المواد الغذائية المدعومة.
الخلاصة
بالنظر إلى الخطر الشديد والمباشر الذي يتهددها، بإمكان مصر التخفيف من وقع الصدمات الناجمة عن ارتفاع أسعار الواردات من القمح والزيت النباتي على المدى القصير من خلال انتهاج سياسة مالية حكيمة وبذل جهود حثيثة للحصول على السلع من خلال التعاون مع شركائها الغربيين الذين هم أيضاً موردون كبار لتلك السلع.
ينبغي على واشنطن وأوتاوا وباريس وبرلين وبروكسيل انتهاز المبادرة لمساعدة مصر قبل أن تظهر فيها الاحتجاجات. ينبغي على مصر الاستمرار في تعاونها المالي البناء مع صندوق النقد الدولي وكذلك مع شركائها في دول الخليج العربية.
في نهاية المطاف، جزء من حل مشاكل مصر على المدى البعيد هو زيادة إنتاجها الزراعي من خلال توسيع رقعة الأرض الزراعية وتحديث قطاعها الزراعي عبر إدارة تقنية أفضل للمياه وعبر استخدام تقنيات الطاقة الخضراء، علماً بأن الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل كلهم رواد في هذه المجالات. من شأن التأسيس لمشاريع استثمارية مشتركة مع مصر لزيادة إنتاج الأغذية محلياً أن يقوي الأمن الغذائي الهش في مصر ويعزز التعاون الزراعي الإقليمي في شرقي المتوسط والشرق الأوسط.