هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتجه الحكومة المصرية إلى إلزام الفلاحين المصريين بتوريد محصول القمح الذي يبدأ الشهر المقبل إلى وزارة التموين من أجل السيطرة على محصول القمح لمواجهة نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار بعد توقف أهم الموردين وهما روسيا وأوكرانيا عن توريده، في خطوة من شأنها توفير الخبز المدعم الذي يصرف على بطاقات التموين لإنتاج ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميا، يستفيد منها 71 مليون مواطن.
وقررت الحكومة اللجوء إلى مسارين؛ الأول إلزام المزارعين بتسليم 60% من محصول القمح للموسم الحالي إلى الدولة وحظر بيع الكميات التي تزيد على الحد الأدنى إلا بتصريح من وزارة التموين، وإلزام الشركات التي اشترت قمحا محليا قبل صدور القرار بتسليمه بالقواعد نفسها المفروضة على المزارعين.
القرار الذي صدر عن وزارة التموين، برقم 46 لعام 2022، نص على أنه لا يجوز نقل القمح الناتج عن موسم حصاد عام 2022 من أي مكان إلى مكان آخر، إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من جهات التسويق.
وتضمن عقوبات للفلاحين المخالفين؛ حيث نص القرار في المادة الثامنة منه أن كل مخالفة لأحكام هذا القرار يعاقب عليها بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 56 من المرسوم، بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشؤون التموين.
اقرأ أيضا: معهد: الحرب بأوكرانيا تسبب أزمة غذاء بمصر وتهديدا لاقتصادها
وتنص العقوبة على الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن الـ300 جنيه ولا تتجاوز الألف جنيه على كل مخالفة ترتبط بسلعة من السلع التي تدعمها الدولة ويحددها وزير التموين، مع تضاعف العقوبة في حال تكرار المخالفة. كما يعاقب القرار بمصادرة الكميات المضبوطة، ووسائل النقل المستخدمة.
المسار الثاني؛ وافق مجلس الوزراء على صرف حافز استثنائي للتوريد والنقل، بقيمة 65 جنيها، ليضاف إلى أسعار التوريد المحددة سلفاً، وبذلك تصبح إجمالي أسعار التوريد، شاملة الحافز الاستثنائي:
865 جنيها للأردب زنة 150 كغم، بدرجة نظافة 22.5 قيراط.
875 جنيها للأردب زنة 150 كغم، بدرجة نظافة 23 قيراطا.
885 جنيه للأردب زنة 150 كغم، بدرجة نظافة 23.5 قيراط.
قرار الحكومة المفاجئ يهدف بحسب مراقبين ومعنيين إلى ضمان توريد أكبر كمية من القمح المحلي (عالي الجودة) إلى مخازن وصوامع الحكومة لتوفير القمح ومن ثم توفير الخبز المدعم، ولكنه في الوقت نفسه يهدر حقوق الفلاحين ويحرمهم من حقهم في ثمن عادل كانت الحكومة سوف تدفعه للقمح المستورد الأقل درجة.
"إجراءات اضطرارية"
وفي سياق تعليقه، قال خبير التسويق الزراعي والتصدير فؤاد سراج الدين: "نحن في ظروف استثنائية (حالة حرب) وقد نملك المال ولا نجد من يبيع لنا القمح، وهو سلعة استراتيجية مهمة، ومن الخطورة ترك الحبل على الغارب كما يقال".
وأضاف لـ"عربي21": "السعر العالمي للقمح ارتفع بشكل سريع ولا بد من الحيطة واتخاذ التدابير اللازمة، ولا بد من سعر لا يضر بالمستهلكين الذين هم الشعب البالغ تعداده 110 ملايين، وهذا أهم من أي فئة".
وأشار إلى أن "سعر توريد القمح يمكن رفعه بقدر معقول لا يؤثر على المستهلكين ولا يبخس حق الفلاحين لأن كل ذلك ينعكس على الشعب بأكمله، وبغض النظر عن حافز الفلاح فإن الصالح العام له أهميته القصوى.. هذا الخبز هو وجبة محدودي الدخل الرئيسية الذين هم أكثرية".
اقرأ أيضا: دبلوماسي أوكراني: الغزو الروسي سيؤثر على تأمين الغذاء بمصر
واعتبر أن على الحكومة المصرية الاستفادة من هذا الدرس من خلال "العمل بشكل واسع ومدروس لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وهناك أبحاث لنا ولغيرنا من خبراء الزراعة موجودة يمكن الاستفاد منها"، لافتا إلى أن "السعر العالمي حاليا في هذه الظروف هو طارئ ولن يستمر هكذا، المهم الاهتمام بالتوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية وخاصة حبوب الغذاء".
خلال اﻷيام الماضية، أعلنت الحكومة المصرية نيتها مضاعفة شراء كميات القمح من الفلاح ورفعها من 3.5 مليون طن إلى 6 ملايين، بحسب تصريحات وزير التموين والتجارة الداخلية، عبر آليات ومحفزات مختلفة.
وأضاف وزير التموين أن المساحة المُنزرعة بمحصول القمح في العام الحالي تبلغ نحو 3.6 مليون فدان، تنتج قرابة الـ10 ملايين طن، مؤكدا أنه تم إعداد خطة التوريد، وتحديد أماكن التخزين، وتم التوافق بشأن قرار توريد القمح، ليتم إعلانه بالتنسيق بين وزيري المالية والزراعة.
قوت الفلاح.. لا تغبنوه
انتقد الصحفي والإعلامي المتخصص في الشأن الزراعي المصري، جلال جادو، قرار إجراءات الحكومة للسيطرة على القمح المحلي، قائلا: "لا أشجع العودة إلى زمن محمد علي ومصادرة ما يزرعه الفلاح لتوفير القمح على حسابه، ويجب على الحكومة دفع الثمن العادل للمزارعين، لكن إجباره سيكون له تداعيات سلبية أهمها فقدان الثقة".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "سعر طن القمح العالمي المستورد وصل إلى 9 آلاف جنيه للطن في حين تعرض الحكومة نحو 6 آلاف جنيه فقط، كما أن هذا القرار سيفتح الباب واسعا لتهريب القمح وتخزينه لأنه سيشعل النار في سعره محليا بعد غلق أسواق القمح عالميا تقريبا بسبب الأزمة الأوكرانية".
وأكد جادو أنه "من حق الفلاح الحصول على سعر عادل وعدم ترهيبه بالحبس أو الحرمان من الأسمدة أو مصادرة محصوله من أجل تغطية عجز الحكومة عن توفير القمح، فكما تشتري كل شيء بحقه وتبيع كل شئ الآن بثمنه بسعره العالمي مثل الغاز والبنزين فيجب عليها أن تشتري القمح من الفلاحين بالسعر العالمي ولا تبخسه حقه، مع الأخذ في الاعتبار أن جزءا من تلك المساحات المنزرعة بالقمح هي من أجل استخدامه الخاص وتأمين غذائه".