هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يحتفل
المصريون بعيد الأم، الذي يحل يوم 21 آذار/ مارس وآلاف الأمهات يقبع أبناؤهن وأزواجهن
في السجون والزنازين الضيقة والمعتمة والباردة، ويحرمن من زيارتهم التي كفلها لهم القانون
وقد صدرت بحقهم أحكام قاسية بالإعدام والمؤبد والسجن المشدد، وبعضهم محتجزون لسنوات
دون محاكمات عادلة، وسط فيض من مشاعر الحزن والأسى.
ويتزامن
عيد الأم، وهو مناسبة يحتفي بها المصريون والعرب، مع اليوم الأول من فصل الربيع من
كل عام، وتعود فكرة الاحتفال به إلى مؤسس صحيفة "أخبار اليوم" الحكومية الصحفي
المصري علي أمين، عام 1955.
وفي
هذا اليوم تمتزج مشاعر الأمومة مع بر الأبناء إيمانا منهم بدور الأمهات في حياتهم تربية
وتنشئة وتعليما وجهادا، ويحرص الجميع على تقديم الهدايا وبطاقات المعايدة والزهور وتبادل
الزيارات، لكن آلاف الأمهات في مصر يحرمن من هذه اللحظات التي تفيض بالحب والامتنان
والعرفان.
وتعاني الأم المصرية منذ الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013 من أوضاع حقوقية واجتماعية
واقتصادية صعبة، وذلك على الرغم من محاولة السلطات المصرية رسم صورة مغايرة من خلال
خطاب إعلامي يحمل الكثير من الشعارات الرنانة والقليل من الأفعال الحقيقية.
في نهاية
العام الماضي، أصدرت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية بيانا وثقت من خلاله وجود
203 نساء محتجزات في السجون على ذمة قضايا سياسية، وتعرض ما لا يقل عن 58 امرأة وفتاة
للعنف والإيذاء في عام 2021 فقط، على أيدي ضباط وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني
سيئ السمعة، الهدف منها إهانة إنسانيتهن.
وفي
انتهاك غير مسبوق لكرامة المرأة والأم المصرية في العصر الحديث، أحصت المنظمة 86 أمّا
في السجون المصرية بينهن خمس مخفيات قسريا، و26 سيدة تقضي محكوميتها بعد أحكام سياسية
وفقا لحقوقيين، كما تظل 44 أمّا رهينة الحبس الاحتياطي، كذلك تم تدوير 9 سيدات في قضايا
جديدة بعد تجاوزهن فترة الحبس الاحتياطي، بينما صدر بحق اثنتين من الأمهات المحتجزات قرارات
بإخلاء سبيلهما، لكنها لم تنفذ بعد.
"معاناة
الأمهات المصريات"
وكشفت
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير لها منتصف عام 2021 عن تعرض المعتقلات
لمعاملة غير إنسانية، وخلص التقرير إلى أن "معتقلات الرأي في السجون المصرية يواجهن
انتهاكات جنسية ممنهجة"، كما أن جهات التحقيق التي يفترض بها حمايتهن لا تكترث
بما يتعرضن له من انتهاك ولا تحقق في شكواهن.
"تجاوز
الخطوط الحُمر"
تقول
رئيسة مجلس إدارة الاتحاد العالمي للنساء وممثلة المرأة المصرية، إلهام عبدالله:
"أوصى الإسلام بالمرأة وكرمها الله في القرآن الكريم، لكن النظام المصري أهانها
بصورة غير مسبوقة فتم سجنها ولطمها وضربها والتحرش بها في أفعال لم تحدث للمسلمات في
عصر الجاهلية، بل وقتلها وهي زوجة وأم وابنة من مختلف الأعمار والتوجهات، وباتت بعض
الأمهات إما في السجون أو ملاحقات أو محرومات من أزواجهن وأبنائهن".
وأضافت
عبدالله لـ"عربي21"، وهي أم لشابين معتقلين: "هناك صور كثيرة ومتعددة
مثل السيدة سناء البلتاجي قتلت ابنتها واعتقل زوجها واثنان من أبنائها وتركت البلاد
مع باقي أبنائها، والسيدة نجلاء زوجة الرئيس مرسي رحمه الله قتل زوجها وابنها واعتقل
ابنها، والمهندسة عزة زوجة المهندس خيرت الشاطر اعتقل زوجها وابنها الوحيد وزوج ابنتها
واعتقلت ابنتها التي هي أيضا أم وزوجة، والسيدة هدى عبدالمنعم الحقوقية المعروفة التي
تعاني من عدة أمراض محتجزة دون محاكمة، ومثلهن نرمين حسين وسناء عبدالفتاح وسارة عبدالله
وعلا حسين وبسمة رفعت ونجلاء مختار والكثيرات من النساء والقصص المؤلمة".
وختمت
حديثها بالقول: "وليس أدل على تجاوز كل الخطوط الحُمر من وفاة السيدة بهيرة الشاوي،
قبل يومين قهرا ومرضا على اعتقال زوجها ونجلها وحرمانها من رؤيتهما والتحقيق معها لساعات
طويلة والتسبب لها بأمراض مستعصية، ومكوثها في العناية المركزة لأيام ومنع زوجها ونجلها
من زيارتها في لحظاتها الأخيرة إلا بعد أن دخلت في غيبوبة في زيارة لم تستغرق 5 دقائق".
"التنكيل
بالأم اقتصاديا وسياسيا"
من جهته،
قال مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد العطار: "يأتي احتفال عيد الأم وسط
أجواء قاسية على جميع الأمهات المصريات، فيما تحاول السلطات المصرية بأذرعها الإعلامية
رسم صورة وردية جميلة بالمخالفة للواقع المحبط الذي تعيشه الملايين من الأمهات المصريات
في ظل ظروف صعبة وقسوة الحياة المعيشية والاقتصادية وغلاء المعيشة الذي طال الأم أينما
كانت وأيا كان توجهها".
وتابع
في حديثه لـ"عربي21": "بعيدا عن الجوانب الاقتصادية والمعيشية القاسية،
تعاني الآلاف من الأمهات المصريات قسوة حرمانهن من فلذات أكبادهن قسرا وتفضح كذب وادعاء
الأبواق الاعلامية منهم انتقاما لمواقفهم السياسية والفكرية، وحرموا من الاحتفال بعيد
الأم سواء بسبب غياب الأبناء والزوج في السجون أو لغياب الأم نفسها وهو المثال الأوضح
والأبرز للتنكيل السياسي".
وضرب
العطار مثلا "بأسرة رجل الأعمال صفوان ثابت الذي اعتقلته السلطات هو ونجله، وما
تلا ذلك من تنكيل متواصل انتهى أحد فصوله بوفاة الأم والزوجة بهيرة الشاوي محرومة
ومكلومة، في قصة درامية تكشف كذب وادعاء نظام السيسي بشأن المرأة"، مشيرا إلى
أن "الشاوي ليست الحالة الأولى ولن تكون الأخيرة في مسلسل مستمر من التنكيل بالمرأة
المصرية خاصة أمهات المعتقلين سياسيا أو المعتقلات السياسيات أنفسهن وبعضهن في عداد
المفقودات في سابقة لم تحدث بتاريخ مصر".