هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شكّلت زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى أبو ظبي، ولقاؤه ولي عهدها محمد بن زايد، تطوّرا لافتا في مسار العلاقة بين البلدين، وانعكاسه على مصير المعارضين المقيمين في الإمارات.
ويعمل الأسد إلى إنجاح فك العزلة المفروضة عليه منذ نحو 11 سنة، عبر تعزيز الاتصالات واللقاءات الأمنية بدول عربية أبرزها الإمارات، والأردن، ومصر، تمهيدا لقبول إعادة عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.
زيارة الأسد الجمعة الماضية، كانت قد ألمحت إليها حسابات مقربة من النظام في نهاية شباط/ فبراير الماضي، وهي سبقتها بأربعة شهور زيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى دمشق، بعد أسابيع من اتصال أجراه رئيس النظام السوري بمحمد بن زايد.
بالعودة إلى الوراء، دعمت الإمارات بمواقفها الرسمية الثورة السورية، وألقى وزير خارجيتها عبد الله بن زايد في 2012 كلمة حادة ضد الأسد في مؤتمر "أصدقاء سوريا"، ورفع صوته بعبارة "كفى مجازر"، وقال إن العقوبات الاقتصادية وحدها لا تكفي لردع الأسد.
إلا أن أبو ظبي لم تقطع علاقتها بدمشق نهائيا، فاستضافت بشرى الأسد شقيقة رئيس النظام، بالإضافة إلى رجال أعمال محسوبين على دمشق، كما بدأت في الثلاث سنوات الأخيرة عقد لقاءات اقتصادية بغية إعادة التعاون التجاري بين البلدين.
في منتصف العام 2018، أكدت مصادر لـ"عربي21" أن نائب رئيس مجلس الأمن الوطني (الاستخبارات)، علي الشامسي، زار دمشق، والتقى مدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك.
شكلت هذه المعطيات تخوفات من إمكانية تسليم معارضين سوريين لبلدهم، لا سيما أن رئاسة الشرطة الدولية "الانتربول" باتت أيضا إماراتية، بعد فوز الضابط السابق في وزارة الداخلية أحمد الريسي بالانتخابات التي جرت بتشرين ثاني/ نوفمبر الماضي.
اقرأ أيضا: خارجية أمريكا تعلق لـ"عربي21" على استقبال الإمارات للأسد
اتفاقيات "التسليم"
يخشى معارضون سوريون وحقوقيون من أن نتائج تطبيع العلاقات بين دمشق وأبو ظبي، تعني إبعاد المعارضين الموجودين في الإمارات، أو تسليم المطلوبين منهم لدمشق.
بحسب الموقع الرسمي لمجلس الشعب السوري، فإن دمشق وقعت اتفاقيات ثنائية لتسليم المجرمين (المطلوبين) مع خمس دول عربية فقط، هي "اليمن، والمغرب، وتونس"، وجميعها وقعت في العام 2006، بالإضافة إلى اتفاقية مع ليبيا في العام 2008، وسبق كل ذلك اتفاقية مع مصر في العام 1998. (هنا)
إلا أن وزارة الخارجية الإماراتية تشير في موقعها إلى وجود اتفاقية ثنائية مع سوريا حول تسليم المجرمين، لكن دون وضع تفاصيلها.
وبحسب ما رصدت "عربي21"، فإن الاتفاقية المشار إليها، كانت قد وقعت في العام 2003 بأبو ظبي، بين وكيل وزارة الخارجية حينها سيف سعيد بن ساعد، مع السفير السوري بالإمارات حينها أحمد حلاق.
وتنص الاتفاقية على "التعاون القضائي، والقانوني في المواد المدنية، والتجارية، والجزائية، وتسليم المجرمين" (هنا).
في العام 1998، وقعت الدول العربية بالقاهرة على "الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب"، والتي شددت المادة الثالثة فيها على "التعاون والتنسيق بين الدول"، فيما يخص الأشخاص المتهمين بالإرهاب. كما نصت فقرة أخرى في ذات المادة على ضرورة إنشاء الدول العربية قاعدة بيانات لجمع وتحليل المعلومات الخاصة بالعناصر المتهمين بالإرهاب، وتزويد الأجهزة الأمنية بالدول الأخرى بهذه المعلومات.
المادة الخامسة في الاتفاقية أيضا، نصت على "التعهد من كل الدول بتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية" إلى الدول المطالبة بهم، واستثنت من ذلك عدة فئات منها أصحاب القضايا السياسية، بيد أن كلا من دمشق وأبو ظبي تعتبران العديد من القضايا السياسية لها علاقة بالإرهاب.
اقرأ أيضا: محللون يقرأون أهداف زيارة الأسد للإمارات.. ما علاقة روسيا؟
اللجوء لـ"الانتربول"؟
رفعت "الانتربول" في تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، القيود التي وضعتها على مكتبها في دمشق، بعد قولها إن الإجراءات التصحيحية من قبل النظام السوري اكتملت.
وتنوه قوانين الشرطة الدولية "الانتربول" أنها لا تقوم بالضرورة بتنفيذ طلبات الأجهزة الأمنية للدول، إذ تمر الطلبات بمراحل تدقيق كبيرة، مشيرة إلى أنها ليست جهة تنفيذية.
وبحسب قوانين "الانتربول" فإنها لا يمكن لها الطلب من دولة معينة اعتقال وتسليم أفراد لدولة أخرى، حتى لو صدرت بحقهم نشرات حمراء.
وبرغم أن "الانتربول" يرفض تصنيف أشخاص على النشرة الحمراء لأسباب سياسية، أو دينية، إلا أن وصول مسؤول إماراتي إلى رئاسة الشرطة الدولية أثار مخاوف كبيرة من حصول تجاوزات وانتهاكات.
في كانون أول/ ديسمبر الماضي، قالت مجلة "إيكونوميست"، إنه "من النادر ما تسلم دول ديمقراطية معارضين للدول المستبدة، لكن المستبدين لا هواجس لديهم، حيث تتسبب النشرات الحمراء بالأذى بدون أي ترحيل، فهي قد تؤدي لتدمير عمل المطلوب تسليمهم وتجعل من الصعوبة عليهم ركوب الطائرات أو فتح حساب في البنك".
اقرأ أيضا: "إيكونوميست": انتخاب الإماراتي "الريسي" للإنتربول يثير القلق
"ليست دولة قانون"
المستشار القضائي والقانوني الإماراتي، محمد بن صقر الزعابي، قال لـ"عربي21"، إن الإمارات "ليست دولة قانون"، مضيفا: "لا يمكن الرهان على القانون لحماية حقوق المعارضين السوريين في الإمارات إن وجدوا، أو فكروا في المرور بأراضيها".
وتابع ابن صقر وهو معارض مقيم في لندن، أن "الإمارات تسلم من تريد دون الرجوع للقانون أو الانتربول إذا رغبت في ذلك، وبناء على أوامر وتعليمات سلطة الواقع محمد بن زايد مهندس عمليات الثورة المضادة في المنطقة".
ولفت محمد بن صقر إلى أن رؤية ابن زايد تجاه النظام السوري، هي أنه لا يمانع من تسليم المعارضين للأسج، في حال كان ذلك يصب في مصلحته، متجاهلا تورط رئيس النظام بآلاف الجرائم.
ونوّه ابن صقر إلى اعتقال وإبعاد الإمارات لمعارضين سوريين مع سنوات الثورة الأولى، ومحاكمة العديد منهم بتهم متعلقة بالإرهاب.
وشكك محمد بن صقر بوجود أعداد كبيرة من المعارضين على أرض الإمارات، قائلا إن غالبيتهم خرجوا من الإمارات "بعد انكشاف انحياز ابن زايد للأسد".
وكان الائتلاف السوري المعارض استنكر استقبال الإمارات للأسد، واصفا الزيارة بـ"السابقة الخطيرة"، وأنها "خروج عن قرارات جامعة الدول العربية، وخرق للعقوبات الدولية، ومكافأة للأسد على جرائمه".