قضايا وآراء

الإخوان المسلمون.. طريق العودة (3)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
كما ذكرت في المقال السابق، فالتحديات الخارجية التي تواجه الإخوان المسلمين (التيار والجماعة والتنظيم) والإسلام عديدة، والثغور الإسلامية باتت هدفا لفوهات المدافع المعادية، سواء كان العدو خارجيا معاديا للدين والملة والأمة أو عدوا داخليا معاديا للفضيلة والدعوة ومناصرا للفساد والاستبداد. والصورة اليوم تبدو أكثر وضوحا من ذي قبل ولا تحتاج إلى تعليق، فهي أبلغ من ألف كلمة.

اليوم دعونا نتحدث عن التحديات الداخلية التي ولا شك كان لها دور كبير فيما نراه اليوم من صراعات ونزاعات داخل مؤسسة الإخوان، وبالتالي انعكست على صفوف المحبين والمؤيدين، وربما أصابت التيار الإسلامي كله بصدمة وهزة نفسية لم يسبق لها مثيل.

بطبيعة الحال فإن ما تعرض له الإخوان والأنصار والمحبون والتيار الإسلامي بمجمله؛ من حرب ضروس غير مسبوقة في تاريخ الجماعة والتنظيم قد أحدث ضررا بليغا في بنية التنظيم المسؤول عن إدارة شؤون الجماعة، والذي كان يراه الأنصار والمحبون وعموم التيار الإسلامي تنظيما قويا عصيا على التفكيك أو الانهيار. وقد انعكس ما جرى على بقية المنظومة وحدثت أمور يمكن أن أسميها بالفتنة الداخلية، وانتقلت إلى صفوف التيار الإسلامي الذي كان ينتظر منتسبوه عودة سريعة للإخوان في مواجهة الانقلاب من ناحية والحرب على الإسلام من ناحية أخرى.
انعكس ما جرى على بقية المنظومة وحدثت أمور يمكن أن أسميها بالفتنة الداخلية، وانتقلت إلى صفوف التيار الإسلامي الذي كان ينتظر منتسبوه عودة سريعة للإخوان في مواجهة الانقلاب من ناحية والحرب على الإسلام من ناحية أخرى

زمن الفتنة الداخلية (فتنة التنظيم) لسنوات وتشتت ذهن الجميع داخل الإخوان وخارجهم وكان الله في عون الجميع؛ لم يدر بخلد أحد ولم يطرأ على بال أحد، وحجم القوة المستخدمة ضد الإخوان والتيار الإسلامي غير مسبوق، وأعني قوة الدمار المدعومة بقوة المال الخليجي الملوث بدماء عشرات المئات من الشهداء وعشرات الألوف من الجرحى، ومثلهم خلف القضبان ممن يتم القضاء عليهم بالموت البطيء يوميا.

البطء في معالجة الصدع الذي شق صف الإخوان، وعدم التحرك سريعا في اتجاه إجراء مراجعات طالب البعض بها واعتبروا آنذاك منشقين أو عملاء أو جبناء. ولو أجريت تلك المراجعات في وقتها لربما تغيرت أمور وأمور، ولكن قدر الله وما شاء فعل. واليوم نجني حصاد ذلك التلكؤ سواء كان مقصودا أو غير مقصود مدفوعا بعوامل شخصية أم بعدم القدرة على الفعل ومجاراة الأحداث، والنتيجة هي ما نراه اليوم ونعيشه ساعة بساعة ولحظة بلحظة؛ ونحن نرى عموم الإخوان في حيرة من أمرهم لمن تكون القيادة في زمن عزت فيه القيادة الحقيقية، وتتوق النفوس إلى الخروج من موضع كارثي يزداد سوءا يوما بعد يوم، والقوم أو بعضهم في صراع وكأننا انتصرنا في الحرب ونختلف اليوم على الغنائم، والكل يعلم أنه لا غنائم بل مغرم ومغارم كثيرة.
اليوم نجني حصاد ذلك التلكؤ سواء كان مقصودا أو غير مقصود مدفوعا بعوامل شخصية أم بعدم القدرة على الفعل ومجاراة الأحداث، والنتيجة هي ما نراه اليوم ونعيشه ساعة بساعة ولحظة بلحظة؛ ونحن نرى عموم الإخوان في حيرة من أمرهم لمن تكون القيادة في زمن عزت فيه القيادة الحقيقية

فتنة التنظيم نجمت في رأيي عن غياب الشورى القاعدية التي لا تكتفي بالشورى على المستوى النخبوي؛ والذي تعرض للاعتقالات والقتل على يد مجرمي الانقلاب. وهنا كان ولا بد على أولي الأمر التحرك في اتجاه توسيع نطاق الشورى لتشمل كافة المستويات، وأن يتم إجراء تحديثات على اللوائح والنظم الداخلية تستوعب التغيرات التي حصلت على مستوى التنظيم والجماعة والدولة والإقليم والعالم. كان لا بد من استيعاب الكوادر المدفونة أسفل طبقات التنظيم المتراكبة طبقا فوق طبق واستخراج أفضل ما فيها، وهي كوادر مؤهلة ومستعدة ولكن أولويات التنظيم كانت غير أولويات الواقع تماما، فعادت الأمور إلى ذوي القربى التنظيمية ولكنهم لم يكونوا جديرين بالمواقع ولا المكانة، ولم تتم لا محاسبتهم ولا عزلهم مع تقديم الشكر لهم، وتأخر الأمر حتى حدثت بعض الإجراءات مؤخرا والتي أشبهها بإلقاء حجر في الماء الراكد. ولكن الطريق لا تزال طويلة، والعمل المطلوب في رأيي كثير بل كثير جدا، والمهمة شاقة وصعبة وإن كانت ليست بمستحيلة.

لقد أدى افتقار تطبيق الشورى على مستوى القاعدة إلى حرمان القائمين على شؤون التنظيم من أفكار الشباب الذين واجهوا الانقلاب بجسارة وشجاعة، ودفعوا أثمانا باهظة من عمرهم وزهرة شبابهم، وألقت بهم قوارب الهجرة على شواطئ قاسية، فلا اللغة تسعفهم ولا الخبرة ولا أهل هناك ولا نسبا، وشردتهم المحنة ووجدوا بعد كل ذلك أنفسهم مستثنين بـ"إلا". فلا أحد يهتم بهم ولا أحد يستمع لهم، واليوم وبعد مرور تسع سنوات على الانقلاب أضحى معظم هؤلاء الشباب رجالا كبارا تحملوا المسؤولية وواجهوا الواقع ودفعوا فاتورة باهظة، ولا يزال البعض ينظر إليهم على أنهم أشبال في الدعوة أو في الجوالة، وبالتالي لا يجب استدعاؤهم ودعوتهم لحمل الأمانة على الرغم من أنهم في تقديري قادرون بعون الله على حملها والذهاب بها بعيدا، وأبعد مما يتصوره بعض الإخوة القابضين على "جمرة التنظيم"، كما يحلو للبعض تصوير الأمر على أنه تكليفي إلهي، وهو أبعد من كونه كذلك، فالأمر كله اجتهاد بشري قد يحمله زيد أو عمرو من عموم البشر متى ما توفرت لديه القدرة والقوة (خذ الكتاب بقوة).
طال زمن الفتنة، ولكن الأنباء الجيدة أن ثمة تغييرا ولو كان بسيطا أو صغيرا يجري داخل التنظيم ولكنه ليس كافيا، ولا حتى مشجعا لمن هم خارج التنظيم لكي يتحركوا هم أيضا في الاتجاه الصحيح


لقد طال زمن الفتنة، ولكن الأنباء الجيدة أن ثمة تغييرا ولو كان بسيطا أو صغيرا يجري داخل التنظيم ولكنه ليس كافيا، ولا حتى مشجعا لمن هم خارج التنظيم لكي يتحركوا هم أيضا في الاتجاه الصحيح.

وكما ذكرت في المقال السابق فإن كثيرين من خارج التنظيم يعولون كثيرا على نمط القيادة داخل الإخوان، وبمجرد أن تصلهم إشارات إيجابية فسوف يتحركون في اتجاه العودة إلى الاندماج داخل التيار والجماعة، وبنسبة أقل داخل التنظيم الذي رغم الحاجة إليه إلا أنه يجب أن يظل محدودا بحيث لا يبتلع كل شيء (التيار والجماعة)، ويمنح الفرصة لقيام مؤسسات مستقلة إداريا وتنظيميا تستطيع الاعتماد على نفسها والقيام بمهامها في المجتمع دون أن تكون جزءا من التنظيم، وتصبح عونا لا عبئا عليه، وهو -أي التنظيم- لا يصبح ضاغطا عليها ولا مهيمنا على مقدراتها. وبذلك تزداد مساحة العمل ومساحة التفاعل مع الجماهير، وتزداد قوة التأثير في المجتمع، ولو لا قدر الله حدثت أزمة ما فلا يكون الكل ضحية لها، أو بمعنى آخر لا يؤخذ الجميع بذنب التنظيم.

 

الإخوان المسلمون.. طريق العودة (1)

الإخوان المسلمون.. طريق العودة (2)
التعليقات (3)
حسن عبد الله
الخميس، 24-03-2022 09:15 ص
يا أستاذ حمزة زوبع..... وباختصار، لقد اتسع الرقع على الراقع، وكل ما ورد بالمقال اشبه بالخواطر و الأفكار....الأمر يتطلب تغيير الأساليب ووضع منهج يناسب العصر وليس حرفية منهج البنا رحمه الله (تطوير شامل للمنهج)،و إزاحة القيادات الفاشلة سواء كان فشلها عن سوء نية او حسن نية وبناء خارطة طريق جديدة وحتى بإسم جديد غير الاخوان، وخارطة الطريق الجديدة تحتاج الى حكماء وخبراء لينتجوا خارطة طريق منطقية قابلة للتطبيق و الحياة وما أقل الحكماء و الخبراء....ابحثوا عنهم بدون محاباة لعلكم تجدونهم.
واحد
الخميس، 24-03-2022 07:18 ص
عشمان حنا يخش الجنة
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 22-03-2022 09:26 م
*** بداية ففي تقييم مدى قوة صمود الإخوان المسلمين (التيار والجماعة والتنظيم)، فالتقييم لا يصح إلا بالمقارنة بغيرها من التنظيمات السياسية التي واكبتها وعاصرتها، فأين وصل الحال بصمود الاتحاد الاشتراكي العربي بتنظيمه الطليعي ومنظمة شبابه، وهو حزب عصابة انقلاب 1952، الذي كان التنظيم السياسي الأوحد الذي سيطر على الحكومة والإعلام والمؤسسات الاقتصادية من خلال وحداته المنبثة في كل جهاتها وتمتع بدعم الدولة بكاملها، وبميثاقه الذي ابتدعه هيكل عراب المقبور ناصر، والذي كان يفرض تدريسه على الطلاب في المدارس وتعد فيه الرسائل في الجامعات؟ وأين ذهب حزب السادات ومبارك الذي احتكر الوطنية والديمقراطية ولجنة سياساته التي سيطرت على البلاد والعباد لما يزيد عن ثلاثين عاماُ؟ الم يذهبا إلى مزبلة التاريخ !!! وأين احزاب المعارضة التي نشأت في عهد السادات واستمرت برعاية الدولة في حكم السادات ومن بعده مبارك، حزب التجمع وحزب الأحرار وحزب مصر، وأين حزب العمل الاشتراكي اليوم الذين كانوا يعتبرون أنفسهم البديل للإخوان المتسربلين بالشعارات القومية؟ وأين حزب الوفد التاريخي الذي اصبح عبرة لمن يعتبر، حزب الصليب الذي كان يتاجر بشعارات الليبرالية والدولة المدنية، الذي انبطح اعضاءه تحت أقدام بيادة العسكر، وعملت قياداته وأعضاءه كشماشرجية في خدمتهم ولتلميع أحذيتهم؟ وأين حزب الكرامة والأحزاب الناصرية الأربعة ومجاهدهم الكبير حمدين؟ بل أين الأحزاب التي انشقت عن الإخوان كحزب الوسط، وحزب مصر القوية حزب المرشح الرئاسي المنشق ابو الفتوح؟ بل أين حزب الغد حزب ايمن نور المرشح ضد مبارك، فكم مرة انشق، ومن الذي بقي فيه اليوم؟ وأين الأحزاب السلفية التي رفعت الشعارات الإٍسلامية كحزب برهامي وغيره؟ وماذا عن الأحزاب السيساوية الحديثة النشأة؟ فأين حزب شفيق؟ وأين حزب ساويرس المصريين الأحرار، الذي تسلل أحد فلوله إلى صفحة مقالات عربي 21 مؤخراُ؟ ودون تقليل من قيمة أحد، فاعتقد أن المقارنة دون تفصيل ستعطينا تقدير لمدى قوة صمود الإخوان بالمقارنة بتلك الأحزاب التي سادت ثم بادت. وفكرة المركزية المطلقة والقيادة المنفردة والشكل الهرمي من القمة للقاعدة أمر صعب تحقيقه في ظل الظروف الحالية للإخوان بين المعتقلات والمنافي، وذلك لا يقلل من كفاءة الإخوان ولا نشاطهم، وتبقى الحركة أهم من التنظيم، والأهم هو العودة للارتباط بالأصل، وهو التيار الإسلامي العام الذي نشأ الإخوان منه، ومنه تستمد الجماعة والحزب قوتها وحيويتها، وتمارس دورها في خدمته، وذلك التيار الإسلامي الوسطي سيبقى هو الممثل للهوية المصرية الحقيقية، أو قل بشكل أدق ممثل لغالبية الجماهير المصرية غير العلمانية التي لا تجنب الدين الإسلامي من مجالات العمل العام في المجتمع وفي الأمة بأسرها، وذلك تقييم للأمور ونظرة لها من خارج تنظيم الإخوان الذي لا أدعي شرف الانتماء إليه، والله أعلم بعباده.