هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في يناير من عام 2021، صدر عن دار المرايا للإنتاج الثقافي/ القاهرة، كتاب "ماذا جرى لمشروع طلعت حرب: مصر والنظام المالي العالمي في مائة عام".
وهو كتاب ثري للغاية، مكوّن من ستة فصول. اشترك في كتابته خمسة باحثين (ملك لبيب- محمد جاد- محمد رمضان- مصطفى بسيوني- أحمد فتيحة) وأشرف على تحريره ومراجعته أساتذة وباحثين بعلم الاقتصادٍ.
ومؤخرا، وتحديدا يوم 21 من آذار/ مارس، طُرحت أسئلة كثيرة حول ما حدث في مصر، إثر انخفاض قيمة الجنيه المصري مُقابل الدولار، لتَبلغ قيمة الدولار الواحد أكثر من 18 جنيه مصري، بعد ما كان استقر ولفترة طويلة تحت حاجز الـ16 جنيها مصريا للدولار الواحد.
يجاوب ويفكك الكتاب على هذه الأسئلة والألغاز الغامضة على غير المُختصين بِعلم الاقتصاد. مثل ما علاقة الجنيه المصري بالدولار الأمريكي؟ ومَاذا يعني رفع قيمة الفائدة؟ يل وذهبت الأسئلة إلى أبعد من ذلك، حول نشأة الاقتصاد المصري الحديث، ومراحل تطوّره واشتباكه مع الأنظمة الحاكمة محليا داخل مصر، ومدى ارتباطها بالأنظمة المالية حول العالم، كذلك ناقش علاقة الرأسمالية الوطنية بالطبقة العاملة، وما مراحل تطوّر وتشكّل هذه العلاقة منذ بدايتها وإلى الآن؟
من سجن الإسترليني إلى الدولار
ويستعرض الكتاب في فصله الأول، أزمة الديون التي وقع فيها الاقتصاد المصري في عهد الخديوي إسماعيل (1863-1879). إذ تاريخيا، عُرف عن الخديوي إسماعيل أنّه بذخ في إدارته على الحفلات والمنشآت سواء التي تخص البنية التحتية في مصر أو التي تخص النهضة المعمارية والجمالية للبلاد.
وبفضل هذا البذخ، غرقت البلاد في ديونها إلى البنوك الأجنبية، خاصة بنوك لندن وباريس، وبسبب ذلك شكّلت بريطانيا وفرنسا لجنة مراقبة مالية وإدارية (لجنة كييف) تُشرف بدورها على وزارة المالية المصرية، وتنظّم سداد ديونها.
أما في الفصل الثاني، يستكمل الكتاب مناقشة أزمة الدين المصري وعلاقتها بالرقابة الإدارية الأجنبية على المالية المحلّية، والتي تنامت أكثر بعد الاحتلال البريطاني لمصر (1882-1956). حيث استطاعت بريطانيا من خلال عملتها (الاسترليني) أن تُخضع الجنيه المصري بقيمة الاسترليني العالمي، والذي مرّ بتدهورات عدّة منذ بدء الحرب العالمية الأولى ووصولا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضا: عار مصر المقيم لخمسين عاما قادمة!
هذا بجانب، الاحتكار الإداري لاستثمار فوائض الاقتصاد المصري، التي كانت ترعاها الرقابة الأجنبية وتوظّفها في مشروعات خارج البلاد. وهذا ما استند عليه الاقتصادي المصري طلعت حرب (1867-1941) في إنشاء مشروعه الاقتصادي "بنك مصر" 1920، والذي سعى من خلاله وبِرؤوس الأموال المصرية، في استثمار هذه الأموال في مشروعات وطنية تنموية تخص الداخل المصري.
وبالفعل، في عام 1947، استطاعت مصر تدريجيا وبشكلٍ غير كامل، الخروج من هيمنة بريطانيا المالية التي مرّت من خلالها بلجان ومفاوضاتٍ واتفاقاتٍ مُختلفة كانت آخرهم ما عُرف بـ"منطقة الاسترليني" وهو نظام تداول اقتصادي بريطاني، أسسته بريطانيا عام 1939، لِتُجبر الدول الأعضاء فيه ومن بينهم مصر، على التداول التجاري المالي بالاسترليني، كمحاولة منها للحفاظ على قيمة العملة التي بدأت في الانهيار إثر الحربين العالميتيّن.
وفي الفصل الثالث، يناقش الكاتب اتفاقية "بريتون وودز 1944"، والتغيرات العالمية التي طرأت على النظام المالي الجديد، التي قادته الولايات المُتحدة الأمريكية. كذلك، بدأ النظام المالي المصري، لاسيما بعد عام 1952 في التخلص من التبعية في السياسة النقدية، فضلا عن توجيه استثمار الأموال نحو مشروعات التنمية والتصنيع المحلية.
وتُوّجت حرب تأميم قناة السويس هذا الاتجاه من حيث الاستقلال الاقتصادي والتخلّص من التبّعية، إلّا أن النظام وقع أيضا في عدة تناقضات أدت نهايةً، -ومع صعود النيوليبرالية التي تعاون معها كلا من أنور السادات وحسني مبارك-، إلى غرق مصر في الديون بحلول منتصف السبعينيات، ودخلت مرّة أُخرى في فخ سياسات التبعية التي تقوده مؤسسات المال العالمية كصندوق النقد والبنك الدوليين.
تراكم الثروة والبؤس
ويُكمل الكتاب في فصله الرابع حكاية مشروع طلعت حرب متمثلا بنك في بنك مصر، الذي ساهم بالفعل في تنمية الاقتصاد المحلي عن طريق سياسات التصنيع والتنمية في مجالات عدة كالصناعة والزراعة، إلّا أن هذا الحلم لم يكتمل، بل وتفكك لعوامل عدة، من ضمنها علاقات أصحاب رؤوس الأموال بالأنظمة المصرية المُتعاقبة مِن جمال عبد الناصر ووصولا إلى حسني مُبارك، حيث تغيّرت سياسات الاقتصاد المصري مُتجه نحو عولمة نيوليبرالية مثلها مثل بلدان كثيرة عربية وغير عربية.
أما في الفصل الخامس، يستكمل الكتاب ما بدأه في الفصل الرابع عن تفكيك الرأسمالية الوطنية ساعيا نحو تفكيك علاقة الطبقة البرجوازية من رؤوس الأموال مع الطبقة العاملة، حيث بدأ الأمر بمشروع اقتصادي وطنيّ يخدم التنمية والمُجتمع، إلى أن انتهى بحلول نهاية القرن العشرين، لتتكوّن طبقة جديدة تتماهى مع المؤسسات الدولية المانحة للقروض، التي لا تعبئ بحال الطبقة الفقيرة والمتوسطة من أبناء الشعب.
وفي الفصل السادس، يفكك الكتاب كيف كانت تتحقق النهضة الصناعية في مصر، تحت اسم الرأسمالية الوطنية، بينما في الخفاء تواجد عقد اجتماعيّ ظالم للطبقة العاملة، جعلها تعمل تحت ظروف قمعية وقهرية من أجل الإنتاج.
اقرأ أيضا: دراسة: مصر في المرتبة الأولى عربيا بنشر الكتب
كذلك يتّبع الكتاب تطوّر سُبل السيطرة والتدجين التي ومن خلالها قُهرت الطبقة العامة بداية من مشروع طلعت حرب وصولا إلى رأس المال الأجنبي المُتدفق في مجتمعات العمل والاستهلاك، فضلا عن تفكيك العالم المالي الغربي الحالي، والتي وصفته أستاذة العلوم السياسية سوزان سترينج بـ"صالة قُمار".