كتب

كيف يبدو الدّاعية الإرهابي مقنعا ومؤثرا؟ كتاب يجيب

كتاب يبحث في أسباب الإرهاب الفكرية وعلاقتها بالدين وسبل مواجهتها
كتاب يبحث في أسباب الإرهاب الفكرية وعلاقتها بالدين وسبل مواجهتها

عنوان الكتاب: "الإرهاب: نظم الدّعاية وأساليب الإقناع"
المؤلف: وليد ذويبي
الناشر: دار الثقافيّة للنشر بالمنستير، تونس
الطبعة الأولى: 2022
عدد الصفحات: 303


لا يختلف اثنان في الإقرار بحجم الاختراق الفكري والنتوءات النفسيّة التي أحدثها تغلغل الفكر الإرهابي المتطرف في شرائح مجتمعية واسعة، الفئة الشابة على وجه الخصوص. تغلغل دعائي وبنيوي استغلّ فراغ الاستثمار في "أثمن مشروع من مشاريع النهوض والنمو والتقدّم الحضاري ألا وهو الإنسان"، وهو ما أفسح الأبواب مشرعة أمام تمدد آلية دعائية رهيبة عملت على طمس كينونة الانسان وتحويله إلى قنابل بشرية موقوتة.
 
آلة دعائية تستثمر وسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة لمضاعفة تأثيرها من خلال مشاركة محتوى الوسائط المتعددة وإضافتها طابع الإثارة، مستغلّة بذلك اندفاع الشباب وغرورهم الفطري ومعتمدة بالأساس على قراءات مسقطة ومنحرفة للمدونة الفقهيّة والنصوص القرآنيّة.

إنّ عاملين محددين يزيدان في عناء مشقّة الاجتهاد في تفكيك الآلية الدعائية لمبحث الفكر الإرهابي وأدواته: العامل الأول هو ربط الوسم الإرهابي، في وسائل الإعلام الغربية على وجه الخصوص، بالدّين الإسلامي وطقوسه بل ودعاته، وهو ما يستوجب تنقية الدّين الإسلامي الحنيف من الشوائب والأفكار التي تروم تشويه صورته، هذا إضافة إلى تبيان براءته مما ينسب له من أفكار باطلة ومن تمثّلات تأويلية مذمومة وانتقائية.

أمّا العامل الثاني، فمداره تشعّب المسألة المطروقة، خاصة فيما يتعلق بتداخل الاختصاصات، يجعل من الضرورة بمكان سطر مقاربة علاجية تقوم على مجهود جماعي وتظافر فرق بحث تحيط بالمسألة من كل جوانبها. إحاطة تستدعي جملة من الحقول المعرفيّة كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الأديان والانثروبولوجيا وعلم التاريخ وكل الاختصاصات المتعلقة بالإشهار وصناعة الصورة والصّوت. هذا فضلا عن حداثة المبحث وما يتطلبه من تنقيب في الوسائل التي يعتمدها الدعاة الإرهابيون لترويج أفكارهم وأطروحاتهم والإيقاع بأكثر عدد ممكن من الشباب في شراك حبالهم الدعائية.
 
في هذا الإطار يتنزّل كتاب "الإرهاب: نظم الدّعاية وأساليب الإقناع" للباحث في الفكر الإسلامي وليد ذويبي، والذي قدّمه أ.د نور الدين النفاتي وتمّ برعاية مجموعة "رواشد القابضة"، الذي اهتمّ بمعالجة مبحثين مهمّين في سياق موضوع الإرهاب وهما: نظم الدّعاية وأساليب الإقناع، أي أنه اهتمّ بالأساس بتوضيح الآليات والوسائل المعتمدة لدى الإرهابيين في إطار استقطاب "الأتباع العميان" وتغيير اعتقاداتهم ونمط تفكيرهم ومناهج تحويلهم من مستوى تلقي الخطاب إلى مستوى نشر الخطاب والإقناع به والترويج له.

لبنة مهمّة في طريق محاصرة الإرهاب

أشاد أ.د عبد القادر النفاتي، أستاذ تعليم عال بالمعهد العالي لأصول الدّين بجامعة الزيتونة، بمعالجة "نظم الدّعاية وأساليب الإقناع"، للكاتب والباحث وليد ذويبي، معتبرا إيّاها معالجة مترشّدة وهادفة وعميقة بما أنّها "تتعلّق بجوهر موضوع الإرهاب، وتصبو إلى قطع دابر الإمداد والاستقطاب والتكاثر والانتشار، وإلى بيان تهافت مرجعيّة الإرهابيين وأفكارهم وضعف أطروحاتهم ومخالفتها لبديهيات العقل والمنطق والشرع والقانون وإلى تجلية حقيقة الرسالة القرآنية السمحة.

في نفس ذات الإطار، يرى النفاتي أنّ مقاربة الباحث وليد ذويبي على مستوى الحديث عن نظم الدّعاية وأساليب الإقناع هي لبنة مهمّة في طريق توعية النّاس وبث العقلانية ومحاصرة الإرهاب وخطوة مترشّدة في مسيرة الإصلاح والنهوض بالواقع وبناء العقول البناء الرصين وصناعة الإنسان الصناعة المكينة، وهي تعتبر أيضا "إنجازا قيّما في المجهود العام لفضح خفايا الإرهاب والإرهابيين وبيان تهافت آرائهم وبراءة الإسلام مما ينسبونه إليه، ومما يدعونه من وصاية وتمثيل ووكالة".
 
كيف يبدو الدّاعية الإرهابي مقنعا ومؤثرا؟
 
يبين الكاتب وليد ذويبي مدار جهده التحليلي والمتمثل في تبيان كيف ينقاد شاب مسلم إلى أساليب الإقناع المتطرفة وهي حمل السلاح والتمتع "بشكل سادي مثير، بالقتل والتنكيل باسم "الجهاد" و"التوحيد"؟ لذلك يتقصّى السبل الدّعائيّة التي يتوخاها دعاة الفكر التكفيري كي يتسنى لهم ترويج أفكارهم وتصوراتهم، بل، وهذا هو الأهم والأخطر، تلك السبل التي تمكنهم من استقطاب المناصرين ذوي القدر العالي والخطير من الإذعان. فليس الإرهاب، حسب تأكيد ذويبي، مجرّد دعوة عاطفيّة خالية من وسائل الإقناع المتقنة، والحجاج المنظّم. فـ"من إشارات يد الدّاعية الإرهابي إلى لباسه، إلى طريقة تلفظه، إلى الصّور المحيطة به أو المعبّرة عن بعض سلوكه، كلّ ذلك مدروس بعناية فائقة، ومقدّم بطريقة تستهدف عواطف المخاطبين وعقولهم ومواقفهم".

 

جلّ النقاشات المعروضة على الجماهير في الفضاء العام، على وجه الخصوص في وسائل الإعلام، حول هذا الموضوع، إنّما تغلّب المقاربات الآنيّة المؤدلجة على حساب البعد الموضوعي في القضية، فتجنح إلى تحقيق مكاسب سياسية وإحراج الأطراف المقابلة لها دون اكتراث حقيقي بخطورة الإرهاب على الفرد والمجتمع والدّولة.

 



يسعى الكاتب إلى الإجابة على السؤال التالي: كيف يبدو الدّاعية الإرهابي مقنعا ومؤثرا؟ وبعبارة أخرى، كيف يروّج لنفسه كي يستطيع إقناع المستهدف (المتلقّي) بخطابه ويؤثر فيه؟ بحيث تكون الصّورة المثلى للإقناع أو الاقتناع انقياد المتلقي للباث انقياد الميت بين يدي مغسّله، لا مجال فيها للنظر وإعمال العقل أو الشك أو حتّى التشكيك والاشتباه والتوقف، وتكون غاية المتلقّي حال إذعانه هي ذاتها الغاية التي يرسمها له الباث بحذافيرها.

إن الإجابة على السؤال أعلاه من شأنها أن يجنب عوائلنا الدّمار ويساعدنا في فهم الظاهرة الإرهابية وتشريحها، كيف نقف على الوسائل التي بها نحصّن أسرنا ومدارسنا ومؤسسات مجتمعنا، وثوابتنا الدينية والأخلاقيّة يضيف ذويبي.

مجال البحث

ارتكز الكاتب وليد ذويبي، على نصوص المدوّنة الإرهابية المعاصرة، مستخلصا منها "الأدوات الاتصالية والتواصليّة" التي يوظّفها الإرهابي للترويج لشخصه ولمشروعه الدموي الذي نجح في استقطاب عدد كبير من الجمهور بأكبر قدر ممكن من الإذعان والطاعة العمياء والتي أسماها بـ"الصرامة العقلية". وهو ما مكّنه من رسم نمط (PROFILE) للداعية الإرهابي الذي بات صناعة ووسيلة تخدم المشروع الإرهابي، الذي أمكن له، عبر عملية تحكُّم طويلة الأمد، تحويل جمهوره الى قنابل موقوتة. إنّ اعتماد الكاتب على نصوص المدوّنة الإرهابية المعاصرة حتّمه أن المسألة، بالأساس، ليست تراثية بل هي نتاج اللحظة الراهنة. وهو ما جعل الصورة المنقولة عن دعاة الفكر الإرهابي صورة أمينة ومعاشه.

خطورة الدعاية الإرهابية وواجب مقاومتها

يخلص الكاتب إلى حقيقة مفادها خطورة المجهود الضخم الذي يقوم به الداعية الإرهابي من أجل الترويج لمشروعه الدّموي التكفيري والدعاية له، فهو لا يقل خطورة عن العمليات الإجراميّة التي يقترفها الإرهابيون على أرض الواقع. وقد حققت التنظيمات الإرهابية التكفيرية، بنظم دعايتها ووسائل استقطابها، نجاحا استطاعت به الوصول إلى عقول الشباب، فأطّرتهم وجنّدتهم، في غفلة غريبة من الأسرة والأطر التعليمية والمجتمعين المدني والسياسي، والأخطر من ذلك كله في غفلة من الأجهزة الأمنية المعنية.

وسدّا للفلجة المجتمعيّة الكبرى التي سمحت لمنظومة الدعاية الإرهابية باختراق فضاءاتنا التربوية والإعلامية، يؤكد الكاتب وليد الذويبي أهميّة طرح مسألة الفكر الإرهابي على مائدة الحوار العلمي العقلاني النقدي، إذ يرى استحالة عزلها عن جملة من المواضيع المهمّة الأخرى، كالتربية والتعليم والتديّن والأسرة والمواطنة والتنوّع والاختلاف وغيرها من المواضيع الاجتماعية ذات الصّلة.

 

لا شك في أنّ مكافحة الخطاب الإرهابي وأدوات دعايته لا تكتمل دون إيلاء الخطاب الديني وراهنه الأهمية من الدراسة والمعالجة والتطوير، ذلك أن الكاتب وليد ذويبي، وهو الدّاعية والواعظ والمدير الجهوي للشؤون الدينية، أكثر الناس إلماما براهن الخطاب الديني وواقعه.

 



في ذات الإطار ينصح كاتب "الإرهاب: نظم الدّعاية وأساليب الإقناع" بتوفير الوسائل الممكنة لأصحاب القراءات الوسطية والمعتدلة للنص القرآني ومزيد الاهتمام بالتوعية الهادفة، تعليميا وتربويا، و"زرع مناهج التعليم الهادف وتطوير مناهج البحث الاجتماعي والنفسي والاقتصادي والسياسي والتاريخي، ليخرج الفكر العربي الإسلامي من بوتقة الصراع بين أصالة ومعاصرة، تراث وحداثة، وقديم وجديد، وتقدّمي ورجعي، ومستنير وظلامي، ومقدّس ودنيوي".

نصائح يراها الكاتب ضرورية لمواجهة العوامل النفسية المصاحبة للعملية الإرهابية ومعالجتها المعالجة الموضوعية بعيدا عن الصراع المغرق في الإيديولوجيا والأدلجة وكل أشكال التوظيف السياسي وحتى الأمني، والتي غالبا ما تكون بعيدة كلّ البعد عن المشاكل الحقيقية والمصيرية للمجتمع.

استراتيجية مكافحة الدعاية للفكر الإرهابي

يقول الكاتب وليد ذويبي إنّ استراتيجية مكافحة الفكر الإرهابي تقوم على ركن رئيس وفاعل قوامه السياسات الإعلامية المضادّة للدعاية الإرهابية والتي تتناول موضوع الإرهاب ومنزلقاته، وذلك لأنّ "جلّ النقاشات المعروضة على الجماهير في الفضاء العام، على وجه الخصوص في وسائل الإعلام، حول هذا الموضوع، إنّما تغلّب المقاربات الآنيّة المؤدلجة على حساب البعد الموضوعي في القضية، فتجنح إلى تحقيق مكاسب سياسية وإحراج الأطراف المقابلة لها دون اكتراث حقيقي بخطورة الإرهاب على الفرد والمجتمع والدّولة.

يؤكد الكاتب أنّ الغائب الأبرز، في المعركة الإعلامية، هو ذلك الشاب أو الشابّة، الذي نسيته النخب السياسية، وغفلت عن اهتماماته وتطلعاته، بينما "بنت له يد الإرهاب قصورا من الخيال، وملأت دنياه وشغلت عقله، وأوهمته أنّ الآخرة لمن اتبع خطاهم وارتضى سبيلهم".

ويضيف الكاتب بالقول إنّه بالرغم من أنّ مرحلة الشباب، في حدّ ذاتها، مرحلة إشكاليّة، عادة ما يثار في سياقها أسئلة وجوديّة، مدارها علاقته بالذات، من جهة، وبالآخر، من جهة أخرى، فإنّه يعيش اليوم حالة رهيبة ومخيفة من التصحّر الفكري والثقافي والدّيني. فلا المدارس ولا المعاهد ولا الجامعات، ولا المناهج التربوية، ولا الفضاءات الثقافية بقادرة على استيعابه والإحاطة به واحتضان أحلامه وآلامه، ومساعدته على التوجه نحو المستقبل. ويبدو أنّ التحدّيات والرهانات كبيرة جدّا أمام كلّ من له علاقة بالشأن التربوي والعلمي والثقافي، لمعالجة هذه الإشكاليات.

ضرورة تطوير الخطاب الدّيني

لا شك في أنّ مكافحة الخطاب الإرهابي وأدوات دعايته لا تكتمل دون إيلاء الخطاب الديني وراهنه الأهمية من الدراسة والمعالجة والتطوير، ذلك أن الكاتب وليد ذويبي، وهو الدّاعية والواعظ والمدير الجهوي للشؤون الدينية، أكثر الناس إلماما براهن الخطاب الديني وواقعه.

لذلك يقف ذويبي على مسلّمة كون واقع الخطاب الديني لا يساعد على الاستجابة لحاجيات الشباب الروحية والتربويّة، إذ هو بين عجز القائمين على الشأن الدّيني، من دعاة وأئمة وخطباء ووعّاظ، عن مواكبة المجتمع عموما والشباب على وجه الخصوص، وبين ذلك الكم الهائل من القنوات الفضائية والكتب التي تدعو إلى التطرّف بأساليب استطاعت استمالة الكثير من الفئات الاجتماعية وإقناعها بهذه الوسيلة أو تلك، بأنّها الملاذ الحقيقي والوحيد لمن يبغي التزوّد من العلوم الشرعيّة.


التعليقات (0)