قضايا وآراء

أَيُّها الصَّهاينة.. أَيُّها المُطبِّعون.. آنَ لكُم أَنْ تُدرِكوا

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

منذ رمضان الماضي الذي شهد أحداث الأقصى والشيخ جراح والعدوان الصهيوني الفظيع على غزة، ونحن ننتظر ما وعد به العالم "المتحضر" من تحرك جاد لإعادة إعمار غزة ووضع حد للتدهور الأمني فيها وفي القدس والضفة الغربية والتوصل إلى حل عادل ودائم يحقق السلم والأمن في المنطقة.. انتظرنا، وانتظرنا، ويا طالما انتظرنا.. ولكن لم نر سوى الإهمال ومناصرة إرهاب "إسرائيل" والتواطؤ معها والالتفاف السياسي الخبيث على كل ما قيل وصولاً إلى عزل الشعب الفلسطيني عن أمته وإضعافه وإجباره على القبول بما لا ينصفه ولا يواسيه، وتصفية قضيته وتيئيسه وملاحقة مناضليه. 

وبين الرمضانين شاهدنا وتابعنا ما لا يُصدَّق من تَمدد للصهاينة وتهافت لعرب وتواطؤ مع العنصرية الصهيونية.. فقد عملت الإدارة الأمريكية على أن يهيمن كيان الإرهاب الصهيوني "إسرائيل"، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً" في دول عربية، ويشارك في قرارات سياسية ـ سيادية داخلية، "السودان مثلاً"، وأن يحشد لحرب في المنطقة، ويفرض وجوده العسكري والأمني بتنسيق وطيد وتعاون استخباراتي، وينفذ مناورات عسكرية مشتركة مع دول عربية، ويعزز مصالحه الاقتصادية ونفوذه في مواقع المال والثروة العربيتين، ويُخفي من سياساته ومطامعه الخبيثة ومشاريعه التوسعية وتحالفاته أكثر بكثير مما يعلن.. وفي الوقت ذاته استمرَّ دعم القوى العظمى وتشجيعها له وتواطؤها معه وتغاضيها عن جرائمه وعن كل ما قام ويقوم به لخنق الشعب الفلسطيني وإجباره على القبول بالذل والتسليم والانصياع لما تريده "إسرائيل".

ونذكُر هنا نَزراً يسيراً جداً مما حدث بين الرمضانين من أحداث وأمور خطيرة ومثيرة، ومؤثرة على الفلسطينيين وقضيتهم وعلى السلم والأمن في المنطقة:
 
1 ـ أَنَّ: "السلطة الفلسطينية" واصلت العمل كمقاول أمني من الباطن لإسرائيل وساعدتها على إحباط عمليات".. هذا ما ذكره عاموس هرئيل في هآرتس بتاريخ 15/6/2021، وما أعلنته هي عن تمسكها بالتنسيق الأمني، وما ذكرته فصائل وجهات فلسطينية مقاومة عن مساهمتها في تسليم فلسطينيين للعدو الصهيوني.
 
2 ـ أَنَّ " التعاون العسكري ـ الأمني والاستخباري بين إسرائيل وبين الأردن ومصر هو عميق وغير مسبوق في حجمه. بدون جدار أو عائق بري جدي ينجح الجيش الأردني في أن يمنع بنجاعة تسلم المُخربين وتهريب المخدرات على طول الحدود الطويلة مع المملكة. في سيناء، كتائب من الجيش المصري تنتشر على طول الحدود لمنع نار المُخربين نحو ايلات. هذا مجرد طرف الجبل الجليدي للعلاقات الأمنية وهو ليس من طرف واحد."/ هذا ما ذكره عوديد غرانوت في جريدة إسرائيل اليوم بتاريخ 14/9/2021. 

3 ـ استمرت استباحة الطيران الإسرائيلي للأراضي السورية بعشرات الضربات بتنسيق مع القوات الروسية، وأصبح "لإسرائيل" كلمة نافذة بشأن ما يجري في سوريا وفي مستقبلها، حيث تأخذ روسيا الاتحادية برأيها وتشاورها في ذلك الشأن، وتعتمد الولاياتُ المتحدة الأمريكية سياساتِها وتؤيدُها تأييداً مطلقاً، وتعلن بعد كل عدوان وجريمة نكراء لها أنه: "من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها؟!"، وتفعل ذلك دول أوروبية.

4 ـ أُعلِن عن تنسيق وتعاون وتحالف عسكري مُعلن بين المغرب و"إسرائيل"، وأعلنت الأخيرة قبل أيام عن استعدادها لتقديم منظومات من القبة الحديدية للمغرب، وقد جاء ذلك بعد تردي العلاقات الجزائرية ـ المغربية. والجزائر كما نعرف ترفض التطبيع مع إسرائيل" وتدينه، وتناصر الفلسطينيين وقضيتهم العادلة.

5 ـ عُقدت قمة في شرم الشيخ في يوم الثلاثاء ٢٢ آذار / مارس الماضي، حضرها الرئيس المصري وولي عهد أبو ظبي والإرهابي العنصري بينيت. وفي تلك القمة رُفِع صوت "إسرائيل" ضد رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب الأميركية، وضد إعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران.. وهو الموضوع الذي يُراد حسمه في اجتماع فيينا للعودة إلى الاتفاق الذي انسحب منه ترامب. 

وفي القمة المُشار إليها حضَرت دعوة "إسرائيل" لإقامة تحالف عربي ـ إسرائيلي في المنطقة، ضد إيران وغيرها، سماه بينيت "هندسة أو معمار الأمن الإقليمي"، وغابت من فضاء القمة قضيةُ فلسطين وشعبها "ذكراً واهتماماً وإشارة..". 

6 ـ رأس أنطوني بلينكن، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، اجتماعاً لافتاً عُقد في النَّقَب المُحتل بدعوة من يائير لابيد ـ ونفتالي بينيت، حضره وزراء خارجية مصر والمغرب والبحرين والإمارات. ونقف عند "سادسة الأثافي" هذه لأسبقيتها ودِلالتها ولما رافقها وتلاها من أحداث.
 
عُقد الاجتماع في كيبوتس "سيديه بوكر"، المستعمرة التي أسسها الإرهابي ديفيد بن غورين وأقام فيها بعد تقاعده لتكون رمزاً ودعوة ومنطلقاً لاستيطان مكثف في النَّقَب كله، وقد توفي ودفن فيها هو وزوجته فولا، ولا يُستغرَب أن يكون الوزراء العرب الأربع قد زاروا قبره دون إعلان عن ذلك. استمر الاجتماع يومي الأحد والإثنين ٢٧ و٢٨ آذار/ مارس ٢٠٢٢، ومن أهدافه: تشكيل تحالف عسكري في المنطقة ضد إيران وغيرها عُمي عليه بمصطلح "هندسة أو معمار إقليمي"، وتوسيع دائرة المطبعين مع "إسرائيل" وجعل اجتماعاتهم دورية، والتركيز على عزل الفلسطينيين وتجاوز حقهم في وطنهم، والاستمرار في اضطهادهم وتصفيتهم جسدياً وروحياً، والتوسع في الاستيطان على حساب وجودهم ذاته.. بتواطؤ دول عربية ومسؤولين عرب يتحالفون مع العدو الصهيوني ويأتمرون بأوامر الولايات المتحدة الأمريكية. 

 

إن مما يُغثي النفس ويثير الحفيظة رؤية مسؤولي دول عربية يعترفون بكيان الإرهاب "إسرائيل" ويطبعون العلاقات معه، لا يكتفون بالتآمر على الفلسطينيين وقضيتهم، وعلى دول عربية ترفض التطبيع، وعلى أمتهم العربية وقضاياها المصيرية.. بل يعقدون تحالفات مع المحتل الصهيوني وداعميه الغربيين

 



من المعروف أن النَّقب يتعرض لحركة استيطان واسعة الآن، ويُضطهد أهلُه ويحرمون من إقامة بيوت لسكناهم فيه، وتقوم الجرافات بهدم منازلهم وقراهم، وتجريف الأراضي لمنع السكان من الزرع والرعي، ويلاحقهم الجيش الصهيوني المُجرد من الأخلاق وقطعان المستوطنين الصهاينة الهمج، بوحشية. وترسيخاً لذلك الوضع وجلباً لمباركته من المجتمعين، أعلنت حكومة الاحتلال عشية الاجتماع عن تشكيل المليشيا المدنية المسلحة باسم "سرية بارئيل"، وعن إقامة خمس مستوطنات جديدة في النقب على حساب الفلسطينيين من أهله.. 

وأدان الوزراء العرب المجتمعون تحت راية العنصرية والاحتلال والإرهاب في كيبوتس ديفيد بن غورون "سديه بوكر" عملية الخضيرة التي نفذها شهيدان فلسطينيان من أم الفحم في يوم الأحد ٢٧ آذار/ مارس ووصموها بالإرهاب، وعبر وزير منهم بين يدي الإرهابي المحتل لابيد "عن ندمه لضياع ثلاثة وأربعين سنة لم يتعرف خلالاها على "إسرائيل"، وأرسلوا بذلك وبغيره رسالة إيجابية إلى المحتلين العنصريين والقتَلة والمستوطنين. لقد فعلوا ذلك بينما لم يرتفع لهم صوت ضد جرائم "إسرائيل" اليومية بحق الشعب الفلسطيني في القدس وغزة والضفة والنقب والأرض المحتلة عام ١٩٤٨.. فيا له من ارتماء في أحضان أعداء عنصريين ـ إرهابيين بغيضين، ويا له من عار.

إن مما يُغثي النفس ويثير الحفيظة رؤية مسؤولي دول عربية يعترفون بكيان الإرهاب "إسرائيل" ويطبعون العلاقات معه، لا يكتفون بالتآمر على الفلسطينيين وقضيتهم، وعلى دول عربية ترفض التطبيع، وعلى أمتهم العربية وقضاياها المصيرية.. بل يعقدون تحالفات مع المحتل الصهيوني وداعميه الغربيين وغيرهم، ويخوضون حروبهم بالوكالة ويمولونها، ويُغرقون دولاً وشعوباً عربية في المهالك ويمزقونها شر ممزق. وإن من المؤسف والمؤلم أن يرتضي أولئك لأنفسهم أن يكونوا تبعاً وإمَّعات وأدوات بيد أعداء العروبة والإسلام.

يقولون إسرائيل تريد السلام، يا فرحتنا بفهمهم وعبقريتهم واكتشافاتهم.. فهل تريد إسرائيل أكثر من استسلام لها وتسليم بما اغتصبت وتقديم سلام وأمن وهيمنة لها في الوطن العربي، بعد أن سرقت "فلسطين"، وشتت الشعب الفلسطيني وأبادت منه آلافاً مؤلَّفة، وأبقته عقوداً من الزمن قيد الإبادة المادية والمعنوية وتحت الاضطهاد والاستنزاف، ودمرت بلداناً عربية منها العراق وسورية، وقتلت مع حلفائها من الدول العظمى والأوروبية مئات الآلاف من العرب: "مصريين وسوريين وعراقيين ولبنانيين وأردنيين و.. و.."؟! هل تريد بعد ذلك كله سوى سلام هو استسلام عربي ـ إسلامي مُزرٍ وذل مقيم، لتنعم بما سرقت، وبالسلم والأمن والمال والثروة العربية والهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية لها ولشركائها الاستعماريين، وأن تقود العرب والمسلمين إلى المهالك وتغرقهم في الدماء.؟! 

تريد "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص أن تتابعا حربهما على العرب بعرب، وعلى الإيرانيين بالعرب، بعد أن وضعتاهما جميعاً في خضم مواجهة عسكرية وسياسية واقتصادية بغيضة كلفتهم مئات آلاف الضحايا، والكثير الكثير من الدمار، ومئات المليارات من الدولارات، وسببت الكوارث للشعوب والبلدان، وشردت الناس في بقاع الأرض، وأعاقت كل تنمية وتقدم في الوطن العربي وأعادت بعض أقطاره إلى الوراء عقوداً من الزمن. لقد كانت "إسرائيل" بالدرجة الأولى وراء ما حل بدول عربية منها العراق وسورية على الخصوص، كانت تلك مطالبها وتم تنفيذها، وارتكبت ودول عظمى جرائم حرب في فلسطين والعراق وسورية وليبيا واليمن وكل ذلك الإجرام لم يتوقف عنده العالم " المتحضر"، ووقفت دول عُظمى ضد إحالة ملف " إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، وما زال حبل ذلك الإجرام على الحبل والجرار.

 

تريد "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص أن تتابعا حربهما على العرب بعرب، وعلى الإيرانيين بالعرب، بعد أن وضعتاهما جميعاً في خضم مواجهة عسكرية وسياسية واقتصادية بغيضة كلفتهم مئات آلاف الضحايا، والكثير الكثير من الدمار،

 



لن تجد في التاريخ أحطَّ وأَكذب من الصهاينة ولا أوقح منهم، فهم يعيشون الافتراء ويتنفسونه الدسيسة والحقد والضغينة، ويقلبون الحقائق رأساً على عقب، ويزورون التاريخ، ويعتدون ويحتلّون ويمارسون الإرهاب والتمييز العنصري ويرتكبون جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.. يفعلون ذلك ويدعون أنهم مستهدَفون بالإرهاب.. وهم في حقيقتهم الإرهاب والعنصرية وأعداء العدل والحق والسلام والإنسانية والقيم.. وما الفلسطينين إلَّا ضحية ظلم فظيع.. يتهمون حين يدافعون عن أنفسهم وعن أطفالهم وأرضهم ويطالبون بوطنهم المغتصب، ويوعدون منذ ٧٤ سنة بإيجاد حل لقضيته ولا يجدون سوى التآمر ومناصرة عدوهم. 

هزلت والله العقول والرؤى والإرادات والسياسات والتوجهات والقرارات.. يا أيها العنصريون والمستعمرون والكبار المخادعون، والأتباع العرب الإمعات المطبعون مع عدو الأمة العربية والدين/ الإسلام، الصهيوني العنصري عدو السلم والأمن والإنسانية والقيم.. هزلت والله، وتهافت بذلك قادة وساسة وطغاة وبغاة وقصار نظر تواطؤا ضد العدل والحق، وفرقوا كلمة الأمة العربية وأضعفوها، ووالوا أعداءها وخدموا استراتيجات أولئك الأعداء وخاضوا حروبهم ضد بعضهم بعضاً وضد أخوتهم في الدين، فقتلوا أنفسهم وأمتهم، وتنازلوا عن حقوقها وقضاياهم المصيرية، وعن فلسطين المُغْتَصَبة المستَلب، عن القدس والأقصى، وأساؤا لنضال الأمة وتاريخها وشهدائها وكرامتها.

لأولئك وهؤلاء نقول: لم تمت الأمة العربية ولن تموت، لستم نهاية التاريخ فالتاريخ لا ينتهي وتجدد صفحاته الأمم، وتكتبه الأجيال بالدم والدموع لأنها تأبى أن تُذلَّ وتفنى. 

وللصهاينة العنصريين خاصة نقول: "آن لكم أن تفهموا أنه بعد مرور كل هذه السنين من معاناة شعب فلسطين والأمة اللذين تستهدفونهما أنتم وحلفاؤكم، وآن للعالم أن يدرك أن الفلسطيني المستلَب، المضطهَد، المنفي، المهجّر، السجين، المهدد بالإبادة لن يستسلم ولن يتنازل عن وطنه وحقوقه ووجوده.. إنه متمسك بأرضه وسيدافع عنها وعن نفسه وأطفاله ووجوده، سيقاوم الاضطهاد والأبارتايد والإرهاب العنصري الصهيوني وسيتحرر، وسينتصر على الإبادة المنظمة ومرتكبيها.. سينتصر بإيمانه ووعيه ومقاومته ونضاله وبتأثيل انتمائه لأمته العربية.. إنه لن ينعزل عنها ولن تنعزل عنه، والأمة لا تمثلها تلك القلة المطبعة التابعة الضالة التي تفعل ما تريدون وتفكر كما تفكرون.. 

إن تلك القلة ونهجها لا يمثل الشعب والأمة بل ما/ ومن رأيتموهم مؤخراً في بئر السبع، والخضيرة، وبني براك، وبيت لحم، و.. وممن سبقهم ومن سيلتحق بركبهم.. هم الذين يمثلون الشعب الفلسطيني والأمة، ويصنعون المستقبل.. إن عليكم أن تدركوا أن المقاومة ستستمر إلى أن يتحقق استقلال فلسطين من البحر إلى النهر، وينال شعبها العظيم حريته، ويقرر مصيره فوق تراب وطنه المُحرر فلسطين. 


التعليقات (1)
مقال رائع
الأحد، 03-04-2022 05:07 ص
سلمت يداك