مدونات

الطنبرجي

محمد الحاج علي
محمد الحاج علي

اشتملت وسائل النقل في بلاد الشام في أوائل القرن الماضي على نوعين رئيسيين: الطنبر والعربة. الطنبر هو عربة مكشوفة ذات عجلتين تستخدم لنقل الأغراض والبضائع، ليس لها مقاعد أو سقف، يجرها حصان أو حمار أو بغل، ويطلق على قائدها اسم الطنبرجي. أما العربة فهي تحتوي على سقف ومقاعد ويمكن أن تكون بعجلتين أو أربع ويجرها حصان أو أكثر، ويسمى قائدها بالعربجي.

الطنبرجي مهنة شريفة يتكسب صاحبها من عمله الشاق ويعيل عياله، وهي تتطلب قوة في الجسد تعين على قيادة الطنبر وفي بعض الأحيان صوتا جهوراً يساعد صاحبه على الترويج لبضاعته وحمولته عند السير بها.

وبالعودة إلى بلاد الشام في تلك الفترة، فقد امتازت الحياة السياسية السورية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين بغناها وحيويتها وتنوعها، واعتادت الأحزاب والكتل السياسية والبرلمانية على تنظيم الجلسات والمحاضرات والحوارات كجزء من نشاطها الفكري والسياسي والثقافي. إلا أن البعض ممن امتهن الأذى والتخريب وعاش حبيساً في الفراغ وأسيراً للفشل، لم يجد ما يقوم به للرد على ما يجري من نشاط وحراك إلا بالاعتماد على الطنبرجي وإرساله إلى تلك الفعاليات ليقوم فيها بالصراخ والعنتريات ويشتت انتباه الحاضرين ويحيل اجتماع القوم إلى الانفضاض.

من هنا تحول مصطلح الطنبرجي تدريجياً من الوصف المهني إلى التعبير المجازي، فهو لم يعد ذلك الشخص الذي يسعى إلى رزق عياله بالسعي خلف الطنبر، بل ذلك الشخص الأجوف الذي لا يملك القدرة على العمل المنتج، بل يستخدم نبرة صوته العالية، وعنترياته الفارغة ومنكبيه العريضين ليفسد أي عمل منتج ونشاط مثمر من خلال إثارة البلبلة والسلوك الأرعن الخارج عن المألوف الاجتماعي والمرفوض أخلاقياً.

 

على الرغم من أن الطنبرجي قادر على عرض بضاعته الرخيصة في الأسواق وأمام جموع الناس متحيناً كل الفرص والمناسبات والأوقات، ومتخطياً كل حدود العادات والتقاليد والأعراف، إلا أن بضاعته رخيصة خالية من أي مضمون ولا قدرة لها على التأثير، فهي كالزبد الذي يذهب جفاءً لا تنفع الناس ولا تمكث في الأرض.

 



واجهت السلطات المحلية والبلديات ظاهرة الطنبرجية وعلى الدوام بطريقة تثير الاستغراب وتتمثل بمصادرة الطنبر والدواب التي تجره وترك الطنبرجي على هواه، وكأن ذلك كفيل بردع هؤلاء أو إدانة سلوكهم أو ردهم إلى جادة الصواب مع الإغفال التام إلى خطورة بروز مثلهذه الأصوات في أي مجتمع كان.

ولقد أدى التراخي في التعامل مع ظاهرة الطنبرجي إلى التآلف والتطبيع معها باعتبارها مكوناً طبيعياً في المجتمع من دون أن تنحصر الظاهرة بحدود التعريف المهني بقيادة الطنبر بل تتعهداها إلى التعبير المجازي عن الدور الجديد الذي يقوم به في المجتمع. يمتاز هذا المكون بتخلفه الثقافي عند البعض حتى وإن حمل شهادات فارغة جوفاء، أو بانعدام المستوى التعليمي عند البعض الآخر، ولكن يجتمعون جميعاً على صفة انحدار مستواهم الأخلاقي إلى المستوى الذي يسمح بإستئجارهم ليقوموا بدور حروب الوكالة أو المهام القذرة التي تتطلب الصوت العالي أو الشتائم أو العنتريات في قالب الإنسان الأزعر الذي يعتقد واهماً أنه يستطيع أن يغتنم الفرصة ويسكت الجميع خوفاً من رده عليهم.

وعلى الرغم من أن الطنبرجي قادر على عرض بضاعته الرخيصة في الأسواق وأمام جموع الناس متحيناً كل الفرص والمناسبات والأوقات، ومتخطياً كل حدود العادات والتقاليد والأعراف، إلا أن بضاعته رخيصة خالية من أي مضمون ولا قدرة لها على التأثير، فهي كالزبد الذي يذهب جفاءً لا تنفع الناس ولا تمكث في الأرض.


التعليقات (1)
محمد البابا
الأربعاء، 13-04-2022 01:54 م
لا فض فوك.يندرج اليوم مسميات وفروع كثيره منها التشبيح المتحول الجديد للطنبرجي
الأكثر قراءة اليوم