هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طرح موقع مودرن
دبلوماسي، تساؤلات بشأن دور الصين في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وفيما إذا كانت
الصين ستضحي بمصالحها الاقتصادية مع الغرب، لبناء عالم متعدد الأقطاب، أن ستحافظ
على نفسها قوة سلمية غير منحازة فيه لأي طرف.
ونشر الموقع مقالة
للكاتبة نادية حلمي، ترجمته "عربي 21"، وقدمت فيه إجابات، وقالت: "إنها
تعتقد أن النظام الدولي متعدد الأقطاب بدأ بالفعل في الظهور في أشكال وميزات
متعددة، حتى قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فقد أثبتت التحليلات التي
أجرتها جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الصين تلحق بسرعة بالولايات
المتحدة الأمريكية من حيث التكنولوجيا والقدرات العسكرية والإستراتيجية، على الرغم
من الهيمنة الأمريكية على التمويل الدولي والبحث والتطوير".
وتبين أن الصين تدرك
الرغبة الأمريكية في الهيمنة العالمية والنظام الأحادي لتوجيه العالم كله، لذلك؛
فإن الولايات المتحدة الأمريكية قلقة على القوى الصينية والروسية، خاصة بعد هجوم
روسيا الحالي على أوكرانيا، بسبب تدخل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في مناطق
نفوذ روسيا، لمحاولة ضم أوكرانيا لحلف الناتو.
وبحسب الكاتبة، تعلم
الولايات المتحدّة أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد متقدم في العالم، ولديها قدرات
دفاعية عسكرية هائلة، وأن حليفها الروسي قوة عسكرية هائلة تخشاها واشنطن وحلفاؤها
في الناتو، فضلًا عن النفوذ الإقليمي الذي تملكه.
وأضافت أن الصين تسعى
إلى تحقيق درجة عالية من التماسك الإستراتيجي مع روسيا، من خلال توسيع تحالفاتها
عالميًّا بين دول الجنوب النامية، المتمثلة في الدول الأفريقية والعربية وأمريكا
اللاتينية. لذلك؛ تدرك الولايات المتحدة الأمريكية حجم وقوة التحالف والشراكة بين
الصين وروسيا، والدعم القوي لبعضهما البعض سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا
وتقنيًّا.
وتشير الكاتبة إلى أن
الصين أكثر أصبحت وعيًا بأن التعاون السياسي والاقتصادي والأمني العميق مع روسيا
سيضمن لها إمكانية تشكيل عالم متعدد القطبية، مع التركيز على توسيع هذا النطاق من
خلال تشجيع المزيد من الدول النامية المختلفة على الانضمام إلى تحالفها لإصلاح
النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه السياسات الأمريكية، والذي يقوض سيادة
الدول الضعيفة والمهمشة بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول لضمان سيطرتها عليها.
ولفتت الكاتبة إلى أنه
في مواجهة القوة الاقتصادية الأمريكية، تمثل الصين وروسيا مجتمعتين حوالي 77
بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية وحدها، بالقيمة
الحالية للدولار.
وبالإضافة إلى ذلك، تجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها حاليًا
مثقلة بالديون، التي بلغت حوالي 30 تريليون دولار، حيث تفوق نسبة الدين الأمريكي
عدة مرات قيمة ونسبة الناتج المحلي الإجمالي، وتدرك الصين جيدًا أن هذا الوضع يدلّ
على تراجع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة عالميًّا.
وشدد على أنه نتيجة
لتركيز الولايات على قضية نهوض الصين والمواجهة الأيديولوجية مع الحزب الشيوعي
الصيني كحضارة مختلفة عن الغرب والمفاهيم الليبرالية الأمريكية والغربية، أصبحت
واشنطن أكثر حرصًا على عرقلة وإيقاف النمو الصيني على وجه الخصوص، والحد من نطاق
وحدود الشراكة والتحالف بين الصين وروسيا.
وترى الكاتبة أن
العالم بأكمله أن يدرك هذه العلاقات الوثيقة والتحالفات بين الصين وروسيا هي حجر
الأساس لتأسيس وتشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب، في مواجهة السياسات الأمريكية التي
لا تزال تسعى للحفاظ على هيمنتها العالمية.
اقرأ أيضا: استغلال إسرائيلي لأزمة صناعة الرقائق بين أمريكا والصين
لذلك؛ تحاول الصين وروسيا توسيع نطاق
شراكاتهما الدولية من خلال طريق الحرير الصيني، وإطلاق مبادرات للشراكة التنموية
مع الدول النامية في الجنوب والدول الأفريقية والدول العربية ودول أمريكا
اللاتينية والجنوبية، مشيرة إلى أن النجاح في هذه الإستراتيجية سيكون كافيًا لكسر
تلك الهيمنة الأمريكية، وسيمثّل ضمانة أساسية للانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب.
وتحلل الكاتبة تأثير
الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية لزعزعة استقرار
العالم، من خلال زيادة حدة الصراع والاستقطاب الدولي، فضلًا عن عدم قدرتها على
تحديث النظام العالمي لتجاوز أوجه القصور والتحديات والمنافسة الجديدة، فتؤكد على
أن واشنطن تسببت في العديد من الأزمات الدولية في أجزاء كبيرة من العالم، مثل
أفغانستان والعراق وسوريا وفنزويلا... وغيرها، وهذه هي السياسات الأمريكية الفاشلة
دوليًا التي تسببت في حالة من الانقسام العالمي في محاولة لمواجهتها.
وأفادت بأنها تعتقد أن
الولايات المتحدة الأمريكية تحاول الاستفادة من أزمة الحرب الروسية الحالية ضد
أوكرانيا لتوحيد جبهة الناتو وأعضائه في الغرب في مواجهة روسيا وقائدها
"بوتين"، وتأكيد هيمنته وتفرده عالميا في مواجهة الصين وروسيا، غير أنها
تؤكد أن واشنطن فشلت في التكيف مع الاقتصاد العالمي المتغير، على عكس الصين، بعد
عدد من الأزمات الاقتصادية العالمية، منها: جائحة كورونا والأزمة المالية العالمية
عام 2008 وأزمة أوكرانيا وغيرها، وقد تسبب ذلك في فقدان ملايين المواطنين
الأمريكيين لوظائفهم، خاصة في مجال التصنيع والتكنولوجيا، وحاولت أمريكا التهرب من
الأمر داخليًّا بإلقاء اللوم على السياسات
التجارية غير العادلة التي تنتهجها الصين دوليًّا لمواجهتها.
وتسلّط الكاتبة الضوء
على مدى إصرار الرئيس الصيني شي جين بينغ، في جميع خطاباته السياسية، على التأكيد
على مفهوم المستقبل المشترك للإنسانية، والتأكيد على الحلم الصيني، لتحقيق الرخاء
للمجتمع، والعمل وفق مبدأ المنفعة المتبادلة والربح الدولي للجميع، مبينة أن خطابات
الرئيس الصيني تركز أيضًا على مفاتيح وآليات تنفيذ هذا الحلم الصيني في عالم متعدد
الأقطاب دوليًّا، ومدى ملاءمة ذلك للصين وبقية العالم؛ حيث يتمثّل جوهر تنفيذ هذا
الحلم الصيني داخليًّا في الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب دوليًّا بعيدًا عن مفاهيم
الهيمنة الأمريكية.
ومن هنا، أصبح هذا
الحلم الصيني جوهر الهوية الوطنية الصينية، من خلال سعي الصين لاستعادة نفوذها كقوة، باتباع عدة سياسات مهمة، بما في ذلك محاور التنمية وخطط سياسة الإصلاح في جميع
أنحاء الصين، وفي النهاية؛ يعكس هذا الحلم مكونات الثقافة والقيم الاشتراكية
الأساسية للصين، بالإضافة إلى الروح الصينية التي تنسجم مع أهداف الدولة والأمة
وكل الشعب الصيني.
وبناء على هذا التحليل
المذكور أعلاه، تستنتج الكاتبة أن الهيمنة الأمريكية قد انتهت بالفعل على الصعيد
العالمي، أو في طريقها إلى الزوال أو الهروب، وإمكانية تحقيق توازن عالمي مستقر
للقوى لا تزال ممكنة.