قضايا وآراء

متى يواجه العالم الحقيقة.. بشجاعة ومسؤولية..؟!

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

بعد انتهاء الاجتماع الذي عقده الوزراء الستة، نواة تحالف "ناتو الشرق الأوسط"، في كيبوتس "سيديه بوكير" لمؤسسه ديفيد بن غوريون في النقب الفلسطيني المحتل، أعلن الإرهابي العنصري نفتالي بينيت أن الهدف الذي تحقق هو "هندسة الأمن الإقليمي"، تحايلاً منه على كلمة تحالف جديد في المنطقة، وقال وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن الذي رأس اجتماع القادة والأتباع، قال في المؤتمر الصحفي ذاته الذي أعقب الاجتماع يوم 28 آذار/ مارس 2022: "بحثنا سبل جلب الهدوء أثناء عيد الفصح اليهودي ورمضان والفصح المسيحي، في أرجاء إسرائيل وغزة والضفة الغربية وبخاصة القدس. وهذا يعني العمل على منع أعمال من كل الأطراف من شأنها أن ترفع التوتر بما في ذلك توسيع المستوطنات، وعنف المستوطنين، والتحريض على العنف، وهدم المنازل، والدفعات للأشخاص الذين أدينوا بالإرهاب، وإخلاء عائلات من البيوت التي يسكنون فيها على مدى عشرات السنين". أورده أرئيل كهانا في إسرائيل اليوم بتاريخ 28/3/2022.
 
لم يكن ذلك تحولاً في السياسة الأمريكية حيال الفلسطينيين، ولا لجماً للعدوان الصهيوني والممارسات العنصرية البغيضة، ولا لوضع حد لزحف الاستيطان المستمر على الضفة الغربية والنقب، حيث أعلنت حكومة بينيت عشية الاجتماع عن إقامة خمس مستوطنات جديدة في النقب، وهو لا يعني تغييراً في الخط التآمري الذي يرمي إلى عزل الشعب الفلسطيني عن أمته لإضعافه وإجباره على الاستسلام التام، ولا حرصاً على أمن الفلسطينيين ومراعاة لأوضاعهم المأساوية جراء إرهاب الاحتلال الصهيوني وممارساته الفظيعة، ولا مراعاة لحرمة المسجد الأقصى ومشاعر المسلمين في شهر رمضان.. فهذا كله لا يعني " النَّاتويين" الشرق أوسطيين، ولا الصهاينة النازيين الجدد، ولم يكن يعني شيئاً أصلاً للإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولا لبلينكن الذي كان اهتمامه وجهده وعمله يتركز في الإطار التكتيك المرحلي الذي تهدف إدارة بايدن من ورائه إلى ترتيب أوضاع في المنطقة تساعد على استقطاب دولها وقراراتها ومواقفها والطاقة فيها وأموالها، وجعلها في مجرى حشد الدول والمواقف والرأي العام العالمي، لإدانة روسيا الاتحادية وعزلها دولياً وإضعافها ومعاقبتها بسبب شنها الحرب على أوكرايينا. 

لقد وعى الشعب الفلسطيني ومقاوموه ومناضلوه أهداف حكومة بينيت ـ لابيد العنصرية من اجتماع "سيديه بوكير"، ومخاطره على قضية فلسطين عامة وتوجهها نحو تكثيف الاستيطان في النقب، وأدركوا أبعاده التآمرية ومدى الخداع والتمويه والكذب الذي رافقه، وأعلنوا رفضهم ومقاومتهم له، وبادر مناضل من أهل النقب المستهدَف بتكثيف الاستيطان الصهيوني فيه، هو المدرس الشهيد محمد أبو القيعان من بلدة حُورة النقب بتنفيذ عملية استشهادية لإبلاغ رسالة وتأكيد موقف من الاستيطان والاحتلال والتآمر على القضية الفلسطينية، فكانت عملية "بئر السبع في يوم الثلاثاء 23/3/2022 التي قُتل فيها أربعة صهاينة، وأدانها وزراء" الناتو الجديد، فرع الشرق الأوسط" ووصفوها بالإرهابية، وتلتها عملية الخضيرة في يوم الأحد 27 آذار التي قُتل فيها شرطيان صهيونيان إثنان وجرح آخرون، ونفذها فلسطينيان من أم الفحم هما خالد وأيمن اغباريِّة من "وادي عارة"، وأدان وزراء "الناتو الجديد، فرع الشرق الأوسط" العمليتين ووصفوهما بالإرهابيتين.. 

واندلقت كالعادة وحشيةُ الجيش الإسرائيلي المُجرد من الأخلاق، وسادية أجهزة الشرطة "الشاباك" والأمن والمستعربين وقطعان المستوطنين في أعمال إجرامية، حيث هاجمت المخيمات والقرى والبلدات والمدن الفلسطينية في جنين ومخيمها وفي طول كرم ونابلس والخليل، وفي "رام الله" حيث مركز السلطة الفلسطينية التي تنسق معها رغم استمرار جرائمها، كما هاجمت القوى الصهيونية مدناَ وبلدات فلسطينية في الأرض المحتلة عام 1948، ترهب وترعب وتقتل وتجرح وتدمر وتعتقل.. مما اضطر أفراداً فلسطينين مضطهدين مقهورين للتصدي لهم والقيام بعمليات دفاعاً عن شعبهم وأرضهم وحقوقهم، فكانت عملية بني براك في 29 آذار التي نفذها الشهيد ضياء حَمارْشة من يَعبَد في محافظة جنين، وقُتل فيها خمسة من الصهاينة، وحمارشة هو ابن أسير سابق ذاق الأمرين في سجون الاحتلال.. وعملية شارع ديزنكوف في قلب تل أبيب التي نفذها الشهيد رعد حازم، وقُتل فيها صهيونيان وجُرح أربعة عشر. 

وتفاقمت وحشية العنصريين الصهاينة وهمجيتهم فاستباحوا حرمة المسجد الأقصى في القدس فجر يوم أمس الجمعة 15 نيسان/ أبريل وهاجموا الفلسطينيين العُزل فيه بهمجية عنصرية مزمنة، وأطلقوا النار والقنابل المسيلة للدموع والدخانية في قاعاته ومحاريبه وساحاته على المصلين والمعتكفين، نساء ورجالاً، وأخرجوهم منه بقوة السلاح ومنعوهم من أداء الصلاة في شهر رمضان.

وعلى الرغم من استخدام العنف المفرط واستمرار الوحشية الصهيونية، واعتقال وسقوط مئات الفلسطينيين بين قتل وجريح.. لم نسمع صوت السيد بلينكن الذي تحدث عن "جلب الهدوء"، لم يستنكر أو يطلب تخفيف وطأة العدوان على الفلسطينيين، ولم نسمع صوت الرئيس بايدن صاحب المصلحة في التهدئة، ولم يصدر اعتراض أو موقف من وزراء "ناتو الشرق الأوسط الجديد، شرق أوسط بيريس"، يطالب بوقف البطش الصهيوني الوحشي بالفلسطينيين.. لقد ران الصمت المريب على الغرب خاصة والكثير الكثير من دول العالم بصورة عامة وكأن الفلسطينيين الضحايا ليسو بشراَ؟!. 

 

تفاقمت وحشية العنصريين الصهاينة وهمجيتهم فاستباحوا حرمة المسجد الأقصى في القدس فجر يوم أمس الجمعة ١٥ نيسان/ أبريل وهاجموا الفلسطينيين العُزل فيه بهمجية عنصرية مزمنة، وأطلقوا النار والقنابل المسيلة للدموع والدخانية في قاعاته ومحاريبه وساحاته على المصلين والمعتكفين، نساء ورجالاً، وأخرجوهم منه بقوة السلاح ومنعوهم من أداء الصلاة في شهر رمضان.

 



وذاك أمر معروف موصوف، ودرس حفظناه عن ظهر قلب، يجسد التآمر والتواطؤ والنفاق وازدواجية المعايير و.. و.. على مستوى واسع جداً، في عالم يتكلم عن العدالة والمساواة وحقوق الإنسان حسب المصالح والسياسات والانتماءات والعقائد، ويصرخ أحياناَ لانتهاك حق "فرد ذي موقع أو حظوة أو ارتباط أو.. أو.."، ويتغاضى عقوداً من الزمن عن حق شعوب وعن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعن إبادة جماعية منهجية وانتهاك مزمن لحقوق شعوب ارتكبت بحق شعوب على رأسها الشعب الفلسطيني الضحية الذي يُهمل ملف قضيته عملياَ في الأمم المتحدة ولدى الدول العظمى ودول كثيرة أخرى منذ خمسة وسبعين عاماً، ويلاحق يومياً؟!.  
    
إن الوضع المأساوي في فلسطين المُحتلة، وتنمُّر العنصرية الصهيونية المتوحشة وإرهابها وجرائمها وافترائها وتواطؤ قوى كبرى معها.. يستدعي أن يقف العالم وقفة صريحة وشجاعة مع نفسه ومع الحق، وأن تصل إليه رسالة واضحة قوية وصريحة وموجزة تدعوه إلى ذلك لما فيه مصلحة الجميع، رسالة مفادها أو خلاصتها: " أن الصهاينة الذين يدعي شركاؤهم في جرائم الحرب والإبادة والاحتلال والقتل والاستيطان والإرهاب والتمييز العنصري، "أن من حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم؟!".. أنهم هم المُعتدون العنصريون القَتَلَة الذين يستهدفون الفلسطينيين العُزَّل منذ عشرات السنين بجيش متوحش، وأسلحة متطورة، وافتراءات واتهامات بالإرهاب لا أساس لها، ويهددون دولاً عربية وإسلامية بما يملكون من أسلحة نووية وجرثومية وكيمياوية. وأنهم يفعلون ذلك بعد أن اغتصبوا وطنهم "فلسطين"، وشردوا معظمهم في بقاع الأرض، وما زالوا يُصفُّون من تبقى منهم في فلسطين بأنواع الحصار والقتل والسجن والملاحقة، وينفذون ضدهم برنامج إبادة جماعية، "مادية ومعنوية، جسدية وروحية وإرادية." بمنهجية وتصميم منذ عقود من الزمن. وأن إجرام الصهاينة وإرهابهم وعنصريتهم ووحشيتهم واحتلالهم وبرنامجهم ذاك هو ما يجب أن يدان ويُستَهْدَف ويتوقف، ليأمن من تبقى من الفلسطينيين في وطنهم، وينال الشعب الفلسطيني حقوقه الثابتة غير القابلة للتصرف أو التقادم، ويقرر مصيره بحرية تامة، ويقيم دولته المستقلة فوق تراب وطنهم المحرر فلسطين. وأن الصهاينة العنصريين وشركاءهم الأميركيين هم مَن يهدد السلم والأمن والاستقرار والازدهار، ويتسبب في مآس كبيرة وكثيرة لشعب فلسطين ولشعوب ودول كثيرة في المنطقة، وأنهم مَن تجب محاكمتهم بجرائم الحرب والإبادة في المحاكم الدولية.؟! 

فإلى متى يستمر اتباع الضِّباع، والخوف من القوى الغاشمة، وقلب الحقائق وتشويه الوقائع، وتقديم المجرم ضحية والضحية مجرماً؟! ومتى يواجه العالم الحقيقة بشجاعة ومسؤولية أخلاقية وقانونية وإنسانية.. هي في صالحه وصالح الأجيال القادمة في كل البلدان.؟!


التعليقات (0)