هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قلل مراقبون من خطوة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بالإفراج عن نحو 41 معتقل رأي بعد أيام من حديث مثير له عن ضرورة تنظيم حوار سياسي في البلاد، مؤكدين أن هذا العدد وما قد يجري إخلاء سبيله خلال شهر رمضان من المعتقلين ما هو إلا نقطة في بحر السجون.
وقررت السلطات الأمنية الأحد، ووفقا لعفو رئاسي، إخلاء سبيل 41 من معتقلي الرأي المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا سياسية وحرية رأي، بحسب بيان للسياسي وعضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" محمد أنور السادات، المكلف من قبل النظام بمتابعة ملف العفو عن المعتقلين.
ويبدو أنه سيتبع تلك الخطوة خطوات مماثلة، إذ أنه وفق السادات فإن "الفترة القريبة القادمة ستشهد مراجعات قانونية وإنسانية للإفراج عن مزيد من المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم ممن ينطبق عليهم شروط العفو الشرطي والرئاسي".
وبحسب المحامي والمرشح الرئاسي الأسبق خالد علي، فإن من بين المفرج عنهم، عضو حزب الدستور الليبرالي هيثم البنا، وعضو "حركة 6 أبريل" وليد شوقي، والناشط الحقوقي ومدير "المنتدى المصري لعلاقات العمل" حسن بربري، والباحث عبده فايد، والصحفي محمد صلاح.
"صورة متناقضة"
إلا أنه وبحسب مراقبين، فإن إجراء السيسي ضئيل جدا، في مقابل اعتقاله وسجن نحو 120 ألف مصري أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب سياسيين ونشطاء قضى أكثرهم خلف القضبان نحو 9 سنوات.
ولفتوا إلى أنه في المقابل يواصل النظام الاعتقالات والانتهاكات، والتي كان آخرها الأسبوع الماضي، حيث أوقفت السلطات المصرية الإعلامية صفاء الكوربيجي إثر تسجيلها مقطعا صوتيا تنتقد فيه سياسات النظام الحاكم.
وذلك إلى جانب توقيف 4 مصريين من صناع المحتوى الساخر عبر الإنترنت، والمعروفين باسم "ظرفاء الغلابة"، إثر نشرهم مقطعا غنائيا يتندر من الغلاء في البلاد.
وتصف "منظمة العفو الدولية" و20 منظمة غير حكومية أخرى الوضع الحقوقي لمصر بأنه "كارثي"، مشيرة لوجود "ناشطين سلميين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومحامين وأساتذة جامعيين وصحفيين محبوسين لمجرد ممارستهم حق التعبير عن الرأي".
وفي كانون الثاني/ يناير 2021، قدرت المنظمة عدد المعتقلين والمسجونين بمصر بنحو 114 ألف سجين، في رقم يمثل أكثر من ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي أكد السيسي في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أنها تتسع لـ55 ألف سجين.
وحتى آذار/ مارس 2021، أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حوالي 120 ألفا، موضحة أن منهم 65 ألف سجين ومحبوس سياسي.
ووفق المنظمة الحقوقية فإن عدد المحبوسين احتياطيا يبلغ نحو 37 ألفا، ويصل عدد المحكوم عليهم نحو 82 ألف سجين.
"فقدان الأمل"
وأعربت بعض نساء لمعتقلين وأمهاتهم لـ"عربي21"، عن غضبهم من أن أبناءهن وأزواجهن أنهوا فترة محكوميتهم قبل سنوات، ويجري تدويرهم بقضايا جديدة، أو وضعهم بأماكن الاحتجاز والمراكز والأقسام الشرطية دون محاكمة، مؤكدين أن الإفراج عن 40 معتقلا من آلاف مجرد خدعة.
سيدة مصرية، معتقل زوجها وابنها منذ منتصف العام 2013، وبرغم أن نجلها أنهى فترة الحكم بحقه، إلا أنه لم يتم الإفراج عنه حتى الآن، قالت لـ"عربي21"، "جاءتنا أنباء قبل شهر رمضان أنه سيُفرج عن ابني، وقررنا أن نختار له ابنة الحلال ليعوض ما ضاع من عمره، ولكن للأسف جرى تدويره في قضية أخرى".
وفي حديثها لـ"عربي21"، أكدت سيدة أخرى معتقل والدها وأخوها، أنه "قبل شهر رمضان، أبلغنا بعض المحامين أنهما سينزلان إلى الثلاجة، وهي المكان الذي يجري فيه وضع من سيتم إخلاء سبيلهم"، مضيفة: "ما زلنا على أمل".
"خضوع للغرب"
وإزاء الانتقادات الحقوقية الدولية، ومع تواصل انتقادات إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن لملف السيسي بحقوق الإنسان، وحجب 130 مليون دولار من المعونة الأمريكية للقاهرة 28 كانون الثاني/ يناير 2022؛ يحاول النظام تخفيف حدة تلك الانتقادات عبر إجراءات صورية، وفق مراقبين.
ومن قلب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أدانت 31 دولة 12 آذار/ مارس 2021، وضع حقوق الإنسان في مصر، منتقدة "تقليص الحيز المتاح" للمجتمع المدني والمعارضة السياسية، و"تطبيق قانون مكافحة الإرهاب بحق معارضين سلميين".
ويواصل السيسي الإعلان عن إجراءات لوقف تلك الانتقادات، ففي أيلول/ سبتمبر 2021، أعلن عن "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، وسط آمال عريضة انتظر ملايين المصريين تحقيقها دون فائدة مرجوة، وفق مراقبين.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، شكل النظام "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، بعضوية 27 سياسيا وبرلمانيا وحقوقيا بعد وقف عمله 4 سنوات منذ العام 2017.
ووجه السيسي 17 نيسان/ أبريل الجاري، بحصر أعداد المسجونين الفعليين من الغارمين والغارمات ودراسة حالاتهم تمهيدا للإفراج عن دفعة منهم مع حلول عيد الفطر.
والخميس الماضي، وفي خطوة أولى منذ استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري منتصف 2013، أعلن السيسي، اعتزامه إطلاق "حوار سياسي" بالبلاد، في خطوة أتبعها بالإفراج عن 41 ناشطا.
وبمجرد توجيه وزارة الخارجية الأمريكية في تموز/ يوليو 2021، تحذيرا للسلطات المصرية بشأن استهداف النشطاء، وإعلانها أن الموضوع سيُؤخذ في الاعتبار خلال محادثات بيع الأسلحة للقاهرة، اتخذ النظام قرارات سريعة بإخلاء سبيل بعض النشطاء الليبراليين.
وفي 18 تموز/ يوليو 2021، أفرجت السلطات المصرية عن الناشطة إسراء عبد الفتاح، والمحامية ماهينور المصري، والقيادي بحزب "التحالف الشعبي" عبد الناصر إسماعيل، والصحفيين جمال الجمل، ومصطفى الأعصر، ومعتز ودنان.
وعلى هذا المنوال وعقب كل حملة انتقادات دولية، يواصل السيسي من آن إلى آخر الإفراج عن بعض المعتقلين الليبراليين دون الإسلاميين، لتهدئة الرأي العام العالمي الغاضب والمطالب التي يتزعمها سياسيون أمريكيون بوقف تصدير السلاح للسيسي.
اقرأ أيضا: ما دلالة الإفراج عن ناشطين في مصر واستبعاد "الإسلاميين"؟
وقبل عام، وفي نيسان/ أبريل 2021، أطلقت السلطات الأمنية سراح الصحفية سولافة مجدي وزوجها المصور الصحفي حسام الصياد، والصحفي المعارض خالد داوود.
وإثر توجيه 180 سياسيا فرنسيا رسالة للسيسي، في حزيران/ يونيو 2021، أعربوا فيها عن قلقهم من استمرار اعتقال الآلاف من سجناء الرأي أفرجت القاهرة عن الناشط المصري الفلسطيني رامي شعث.
ولتفادي توتر العلاقات الحاصل بين مصر وإيطاليا منذ تفجر أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر كانون الثاني/ يناير 2016، أفرجت القاهرة عن الناشط المصري الإيطالي باتريك زكي، في كانون الأول/ ديسمبر 2021.
"لا وجه للمقارنة"
وفي إجابته على التساؤل: "ماذا تمثل إفراجات السيسي من حجم الأعداد الحقيقية للمعتقلين؟"، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" الباحث مصطفى خضري: "لا تمثل إفراجات السيسي الحالية أو المتوقعة إلا ذرا للرماد بالعيون الغربية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لو تتبعنا خلفيات المفرج عنهم سنجد أن معظم الإفراجات الأولية من المنتمين للتيارات العلمانية، وهو شيء متوقع بعد ما حدث للباحث أيمن هدهود والفضيحة العالمية التي أحدثتها وفاته وتصدرت أخبارها صحفا مثل (واشنطن بوست)".
وأكد أنه "بعد حادثة أيمن هدهود تضررت بشدة صورة نظام السيسي بالأوساط الحقوقية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، حتى أن بعض الأصوات بدأت تتعالى بإيقاف المعونة الأمريكية المقدمة لمصر، ولذلك سعى النظام للإعلان عن هذه الإفراجات وتضخيمها إعلاميا كغطاء على الحادثة".
وخلص الخبير في قياس الرأي العام للقول إنه "مقارنة بأعداد المعتقلين؛ لا تمثل تلك الدفعة من المفرج عنهم نسبة تُذكر، فالسجون المصرية مليئة بالمعتقلين على خلفية قضايا رأي، ولكن لم تشملهم قرارات النظام بسبب انتمائهم للتيارات الإسلامية".
"نقطة في بحر"
وأكد الحقوقي المصري الدكتور أشرف عبد الغفار، أنه "بالطبع لا تمثل هذه الإفراجات شيئا في أعداد المعتقلين، ولكنها نقطة في بحر"، مبينا أنها "لم تُحدث أي رد فعل أو أثر ملموس بالمجتمع".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يعتقد أن "السيسي يعيش هو ونظامه حالة تخبط وغباء تجعله يفعل الشيء وضده"، موضحا أنه "لو كان نظاما عاقلا لأفرج بالتدريج منذ البداية عن دفعات من المعتقلين، خاصة أن هناك أعدادا هائلة ليس لها علاقة بالسياسة".
رسالة للغرب
وفي قراءته لما تمثله إفراجات السيسي الأخيرة من حجم الأعداد الحقيقية للمعتقلين، أكد السياسي المصري الدكتور عز الدين الكومي، أنه لا وجه للمقارنة بين هذه الأعداد وتلك، مشيرا إلى أن الأرقام أكبر من توقع أية منظمات حقوقية.
وقال لـ"عربي21"، إن "إفراجات السيسي شو إعلامي ورسالة للغرب بأنه ملتزم بمعايير حقوق الإنسان، ويسعى لفتح حوار سياسي مع قوى المعارضة", متسائلا: "وأين المعارضة مع غياب الإسلاميين المشردين أو المعتقلين أو المطاردين، لأن الأحزاب الكرتونية داعمة له ولن تخرج عن النص".
وتابع: "والطريف أن من أُفرج عنهم في قضايا سياسية، وهو ما يفضح نظاما يعلن دائما ألا معتقلين سياسيين لديه وأنهم جنائيون، ومن ناحية أخرى فمن أُفرج عنهم تجاوزوا مدة الحبس الاحتياطي بالمخالفة للقانون".
"وأما ثالثة الأثافي، فهذه الإفراجات لا تشمل معتقلين إسلاميين، لأن الغرب المنافق لا يعنيه إلا الليبراليين واليساريين والقوميين والعلمانيين أما الإسلاميون فلا بواكي لهم، وكأن النظام الانقلابي يقول للغرب إن معركته مع الإسلاميين، حتى يرضوا عنه"، وفق عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا.