صحافة دولية

NI: حان الوقت لأن ينحاز الغرب إلى طرف ما في ليبيا

دعا التقرير الدول الغربية إلى الضغط بشكل جماعي على الدبيبة للرحيل - فيسبوك
دعا التقرير الدول الغربية إلى الضغط بشكل جماعي على الدبيبة للرحيل - فيسبوك

نشر موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي تقريرًا تحدث فيه عن أن الوقت قد حان لواشنطن وباريس وروما للتحرك والضغط بشكل جماعي على رئيس الوزراء المؤقت عبد الحميد الدبيبة للرحيل. 

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الحرب الروسية في أوكرانيا قد وجهت مصير ليبيا الفوضوي إلى سؤال حاسم للولايات المتحدة وحليفتيها فرنسا وإيطاليا؛ فإذا تصرفت واشنطن وباريس وروما بشكل حاسم، وشددوا الضغط على الرئيس الروسي، فسيتمكنون من تحقيق الاستقرار في ليبيا، لكن التردد قد يؤدي إلى تدهور ليبيا أكثر، ويصب في صالح موسكو. 

وذكر الموقع أنه مع استمرار منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في ترددها في ضخ المزيد من النفط، تظل ليبيا معفاة من سقف الإنتاج والمبيعات الذي تفرضه المنظمة. لذا يمكنها مضاعفة إنتاجها بسهولة إلى مليونين أو حتى ثلاثة ملايين برميل يوميًا، وإن تحقيق هذه الأرقام سيضعف الصدمة النفطية التاريخية التي توقعتها أوبك نتيجة للخسارة المحتملة الناجمة عن العقوبات على روسيا. 

لسوء الحظ؛ تهدد الفوضى المستمرة إنتاج النفط الليبي؛ حيث اكتسح سوء الإدارة المالية المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، فعلى الرغم من الإيرادات القياسية؛ إلا أن الديون المتزايدة للمؤسسة تجعلها تعاني من نقص في الأموال للرواتب والصيانة والمعدات الجديدة، وبينما أصبحت عمليات إغلاق الآبار التي تشرف عليها طرابلس من قبل الميليشيات الساخطة في غرب البلاد أمرًا شائعًا، فإن الجمود السياسي في إقليم برقة الشرقي الغني بالنفط، يهدد الجزء الأكبر من إنتاج النفط في الوقت الذي يظل فيه ضيق الإمدادات العالمية وارتفاع الأسعار على الاقتصاد الروسي قائمًا. 

وأشار الموقع إلى أن ظهور رئيس الوزراء فتحي باشاغا، يوفر لليبيا أفضل فرصة لتحقيق الاستقرار منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل ثماني سنوات، فيما تظل المهمة الحاسمة للولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا هي منح باشاغا فرصة للحكم من خلال تأمين أحدث عملية سلام دولية توجهها الأمم المتحدة. 

ونبه الموقع إلى أن هناك عقبة رئيسية تقف في الطريق: وهي رفض رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الاستقالة. وقد رشح نفسه للرئاسة في انتهاك صارخ آخر لشروط السلطة، مما ساعد على إفشال الانتخابات التي طال انتظارها. 

وأقر مجلس النواب اقتراحًا بحجب الثقة عن الدبيبة في أيلول/ سبتمبر 2021. وفي الشهر الماضي، صوت مجلس النواب على استبدال الدبيبة بباشاغا؛ ولكن فقط بعد تنسيق الخطوة مع منافسه. وكان هذا المثال النادر للتنسيق السياسي بين الشرق والغرب في حد ذاته تقدمًا في ليبيا؛ حيث تمكن باشاغا من جذب الدعم من المشير خليفة حفتر، والذي أصدر الأسبوع الماضي تعليماته لممثلي الجيش الوطني الليبي بالانسحاب من المحادثات الأمنية في اللجنة العسكرية المشتركة، نتيجة لغضبه من عدم تنحي الدبيبة؛ حيث يعد هذا الإجراء أكثر من مجرد إجراء شكلي. 

وأفاد الموقع بأن ممثلي شرق ليبيا طالبوا بإغلاق الطرق والمطارات التي تربط البلاد، كما هدد الممثلون الأوصياء على حقول النفط والغاز الليبية في برقة وفزان، بوقف الإنتاج إلى أن يتنازل الدبيبة عن منصبه لباشاغا، لكن بعد نداء من المبعوث الأمريكي الخاص لليبيا، تراجع حفتر مبدئيًّا عن التهديد. وبعد أربعة أيام حاصرت الميليشيات حقول النفط والمحطات جزئيًا، وكانت المؤسسة الوطنية للنفط قد حولت 8 مليارات دولار من الأموال المجمدة إلى حسابات وزارة المالية والتي تسيطر عليها حكومة الدبيبة في البنك المركزي الليبي، وتعد الصفقة تحديا لطلب مجلس النواب الشرقي بتجميد مثل هذه التحويلات حتى تنحي الدبيبة. 

ونوه الموقع إلى أن إغلاق حفتر الكامل للآبار الشرقية والجنوبية قد يؤدي إلى رد قهري، يؤدي بدوره إلى إعادة إشعال الصراع وتعميق الانقسامات وربما يصل إلى نقطة الانهيار، وعندها ستحقق روسيا فوزًا واضحًا. 

وأوضح الموقع أن مصطلح شرفاء لا ينطبق على أي من القادة الليبيين، بسبب خوضهم منافسة خاسرة مستمرة على عائدات النفط والسلطة. كما أفشل حفتر فرصة محتملة لتقدم ليبيا في سنة 2019 عشية مؤتمر وطني أعدته الأمم المتحدة، فقد كان المؤتمر تتويجًا لعملية تشاورية مضنية تهدف إلى تحقيق توافق واسع في الآراء. وبدلاً من ذلك، تسبب هجوم حفتر المتهور على طرابلس في إحداث فوضى وعمق الفجوة بين شرق ليبيا وغربها. وقد زادت طموحات حفتر من اعتماد الشرق عسكريًا وسياسيًا على روسيا، بينما أدى في النهاية إلى تدخل عسكري تركي حاسم نيابة عن طرابلس. 

في أعقاب تراجع حفتر والمأزق الذي تلا ذلك، أطلقت الأمم المتحدة حوارًا سياسيًا ليبيًا آخر في أواخر سنة 2020. وبدلاً من عقد مؤتمر شفاف وشامل، اجتمع المندوبون في منتدى الحوار السياسي الليبي سرًا ودون مشاورات تذكر. ووسط ادعاءات بشراء الأصوات، توسطت الأمم المتحدة في اتفاق في آذار/مارس 2021 تولى بموجبه الدبيبة السلطة بشكل انتقالي تام. 

وفي الفترة القصيرة التي قضاها في منصبه، تسبب الدبيبة في تفاقم حالة ليبيا القاتمة. ووفقًا لمعارضيه، فقد أساء استخدام الأموال العامة للتشبث بالسلطة، ومع تفاقم المشاكل المالية، تكافح الحكومة للوفاء بوعود الدبيبة، والتي تضمنت زيادة الرواتب والمكافآت لمجموعة من الفئات المهنية، ولكن لم يتم دفع سوى جزء من مخصصات الأطفال والأسرة التي وعد بها الدبيبة بداية شهر رمضان التي تمتد إلى 6 أشهر.


ولفت الموقع إلى أن الأزمة المالية هي نتيجة سنوات من الفساد المستشري والتلاعب بالعملة من خلال انتهاك استخدام الاعتمادات البنكية، والإسراف من خلال إساءة استخدام الاقتصاد الريعي، فضلاً عن الصراع وتكلفة الحفاظ على "الأمن" في العاصمة من الميليشيات المتناحرة في كثير من الأحيان.


ويقول الموقع إن "إنجاز" الدبيبة الوحيد هو أنه دفع الاقتصاد الليبي إلى الهاوية، وبحسب منتقديه في الشرق، فقد استمر الدبيبة في حرمان مدينة برقة من دفع مستحقات موظفيها العموميين والجيش، على الرغم من الاتفاقات السابقة التي تنص على تقديم أموال للميليشيات لتأمين موقعه في العاصمة.


وتابع الموقع قائلًا إن عائلة الدبيبة خضعت للتحقيق بتهمة ارتكاب جرائم مالية في المملكة المتحدة وكندا واختلاس مليارات الدولارات من معاملات مالية تعود إلى عهد القذافي، والدبيبة متهم شخصيًّا بالفساد والمحسوبية؛ حيث زُعم أنه حول ملايين الدولارات إلى شركات وأفراد مرتبطين بعائلته.


ويذكر الموقع أنه مع أزمة الغذاء التي تلوح في الأفق والناجمة عن الحرب في أوكرانيا؛ تفتقر ليبيا إلى الإمكانات الزراعية أو المالية للتدخل وتخفيف الأزمة التي لا مفر منها على مواطنيها؛ إذ أدت الإجراءات غير المنتظمة التي اتخذتها الحكومة الحالية إلى نتائج عكسية بما في ذلك مراقبة الأسعار.


وشدد الموقع على كثرة المخاطر في منطقة طرابلس الكبرى؛ حيث أُسندت مهام الحفاظ على الأمن في المقام الأول لمجموعة من الميليشيات، وتشكل الاشتباكات الأسبوعية بين الميليشيات والعصابات المتناحرة وجرائم الشوارع وعمليات السطو والاختطاف خطرًا يوميًّا على سكان طرابلس والمدن الكبرى الأخرى في جميع أنحاء ليبيا، كما أصبح الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والأسلحة والسلع الاستهلاكية ظاهرة منتشرة في جميع أنحاء البلاد.


ويشير الموقع إلى أن الدبيبة غض الطرف عن الوضع الأمني في بادئ الأمر، إذ لم يكن لديه قاعدة عسكرية لتحدي الميليشيات القوية. أما الآن، فقد أصبح بحاجة إلى قوات لردع منافسه، رئيس الوزراء المنتخب باشاغا، عن العودة إلى طرابلس؛ حيث إن ظهور شخصية مثل باشاغا المدعوم من جميع أنحاء البلاد يمثل أفضل أمل لليبيا منذ سنوات، فعلى عكس الدبيبة، اكتسب باشاغا سمعة طيبة أثناء توليه منصبه، كقائد فذّ وسياسي بارع؛ حيث قاد النقيب السابق في سلاح الجو وزارة الداخلية، وساعد في قيادة حملة الدفاع عن طرابلس ضد هجوم حفتر عليها قبل عامين، ومع قاعدته القوية في مصراتة ونجاحه في صد غزو حفتر لطرابلس، لا يمكن افتراض أن باشاغا قد تعرض للتهديد أو التلاعب من قبل حفتر كما هو حال رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في الشرق.


ويؤكد الموقع على أن باشاغا يعتبر في وضع جيد يمكنه من اجتياز المراحل الحاسمة مع أصحاب المصلحة الأساسيين، والتي يمكن أن تقود البلاد أخيرًا إلى انتخابات وطنية؛ حيث إن هناك حاجة ملحة إلى شخص بارز قوي توافقي لضمان إجراء الاقتراع بشكل عادل واحترام النتائج من قبل جميع الأحزاب، بما في ذلك الإسلاميون والموالون للقذافي وحفتر.

 

اقرأ أيضا: صالح يلتقي باشاغا والدبيبة يطالب بالترويج لمشروع دستور ليبيا

وبحسب الموقع فإن الدبيبة، خصم باشاغا الماكر، يحتفظ برصيدين قويين: الميليشيات والبنك المركزي الليبي، فقد أنشأت العديد من أكبر ميليشيات طرابلس، الممولة من دبيبة، قوة شاملة تدعى "قوة دعم الدستور والانتخابات"، التي خاطرت بمواجهة عنيفة من خلال منع باشاغا من دخول طرابلس في 10 آذار/ مارس.


وأضاف المقال بأنه طالما البنك المركزي يوفر لحكومة دبيبة إمكانية الوصول إلى الأموال الرسمية، فلا يمكن لباشاغا أن يحكم، فيما اقترح المبعوث الأمريكي الخاص نورلاند وجود رقابة دولية على عائدات النفط الليبية وبموجبه سيتم تحويل فقط الأموال المخصصة لتغطية الرواتب والإعانات والواردات الغذائية والبنى التحتية الرئيسية إلى البنك المركزي تحت إشراف دولي وستبقى الإيرادات الأخرى مجمدة في المصرف الليبي الخارجي، وهو الاقتراح الذي استهجنه المفتي العام صادق الغرياني وأنصار الدبيبة الآخرون على الفور وبقسوة.


وعقد باشاغا أول اجتماع وزاري رسمي له في مدينة سبها النائية في الجنوب في محاولة لفرض سلطته. فإذا لم يستطع الحصول على موقعه في العاصمة أو تعزيزه، فستكون ليبيا شقت طريقها نحو الانهيار الفعلي بين طرابلس وبرقة، مع احتمال أن تكون روسيا هي المحرض على ذلك؛ حيث تمارس موسكو نفوذها في الشرق من خلال حفتر منذ توقيع اتفاق عسكري على متن سفينة روسية في عام 2016 حيث قامت بإصلاح وتجديد المعدات العسكرية القديمة والأسلحة التي تعود إلى عهد القذافي، وتسللت المعدات الروسية الإضافية من خلال مجموعة فاغنر شبه الرسمية التي نفذت عمليات عسكرية نيابة عن جيش حفتر الوطني الليبي.


ويبين الموقع أن المجتمع الدولي لم ينحز إلى أي طرف في الصراع على السلطة في ليبيا خوفًا من دعم الجانب الخاسر ما عدا مصر التي تدعم باشاغا، ولكن حان الوقت الآن لواشنطن وباريس وروما ليتخذوا قرارهم ويمارسوا ضغطًا جماعيًا على الدبيبة من أجل رحيله، كما هو متفق عليه. 


واختتم الموقع التقرير بالقول إنه ليس هناك ما يضمن نجاح باشاغا كقائد انتقالي موحد، لكن من شبه المؤكد أن ليبيا ستشهد فوضى متصاعدة إذا لم تسنح له الفرصة، ونظرًا للمخاطر الجيوسياسية الجديدة، فإن ذلك لم يعد نتيجة مقبولة بالنسبة للغرب.


التعليقات (0)