هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الارتفاع الكبير في المديونية العامة بمصر، مع التراجع المستمر في احتياطي النقد الأجنبي، والذي يتزامن أيضا مع التراجع الأخير في تحويلات المصريين بالخارج، كلها مؤشرات تدل على أن أموال المصريين أصبحت في مهب الريح وأن العملة المحلية تواجه مزيدا من المخاطر خلال الأيام المقبلة.
البيانات الأخيرة عن تراجع التحويلات ليس لها سوى معنى واحد وهو أن المغتربين المصريين بدؤوا يتراجعون تدريجياً عن تحويل مدخراتهم واستثماراتهم إلى داخل مصر بسبب أنهم أدركوا -أو يدركون تدريجياً- بأن ثمة أزمة اقتصادية متصاعدة وأن المخاطرة أصبحت أكبر من أي وقت مضى، وأن الودائع في البنوك المصرية أصبحت مهددة، إذ لو كانت بالجنيه المحلي فهي مهددة بهبوط سعر الصرف وبالتالي تبخر قيمتها، ولو كانت بالعملة الأجنبية فقد يكون مصيرها -كما الحال في لبنان- أن يُصبح أصحابها غير قادرين على استعادتها.
الأزمة الاقتصادية في مصر لا تتوقف عند تراجع تحويلات المغتربين وإنما تمتد إلى العديد من القطاعات ومصادر العملة الصعبة، إذ ارتفعت أسعار النفط والقمح إلى مستويات قياسية خلال العام الحالي وهو ما زاد من التكاليف والأعباء، كما أن حرب روسيا وأوكرانيا أدت وستؤدي بالضرورة إلى توجيه ضربة جديدة للقطاع السياحي، إذ أن نحو نصف السياح الذين يزورون مصر سنوياً يأتون من هاتين الدولتين.. أما الأزمة الأهم من كل هذا فهي أزمة المديونية العامة التي ستسجل مستوى قياسياً غير مسبوق مع نهاية العام الحالي 2022، إذ تخطط الحكومة المصرية لاقتراض 73 مليار دولار خلال العام الحالي لسد الحاجات الضرورية للبلاد.
هذه العوامل مجتمعة تُفسر كيف ولماذا انهار سعر صرف الجنيه المصري صباح يوم الـ21 من آذار/ مارس الماضي، وفَقَدَ أكثر من 15% من قيمته، أي أنَّ 15% من مدخرات المصريين وودائعهم وأموالهم قد تبخرت في يوم واحد، كما تآكلت القيمة الشرائية للجنيه وسجلت الأسعار ارتفاعاً كبيراً على الفور.
ووفقاً للمعطيات والأرقام فإنَّ هذه العوامل والأزمات المتراكمة لا زالت مستمرة بل تتفاقم أكثر مع مرور الوقت، حيث كانت المديونية العامة لمصر في العام 2011 عند مستوى 54 مليار دولار بينما تقول مؤسسة "ستاندرد أند بورز" إنها ستصل 391.8 مليار دولار مع نهاية العام الحالي بعد أن تكون الحكومة قد اقترضت خلال العام 2022 وحده نحو 73 مليار دولار.
والخلاصة هي أنَّ أموال المصريين مهددة بالتبخر والذوبان، إذ إن من كان يحتفظ بأمواله بالعملة المحلية فهو على موعد مع مسلسل من هبوط سعر الصرف سيؤدي إلى تآكل قيمة المدخرات والأموال، ومن كان لديه حساب بالعملة الأجنبية في أي من البنوك المحلية فسوف يجد نفسه مهدداً بأن لا يتمكن من تسييل أمواله والحصول عليها.. وبين هذا وذاك فلا يبدو أن ثمة أي حل لتجنب الكارثة الاقتصادية سوى بالاحتفاظ بالأموال في الخارج كما يفعلُ الآن أغلب رجال الأعمال والمستثمرين.
وبطبيعة الحال فإن المشكلة الأكبر التالية هي أن هبوط سعر صرف العملة وشح الدولار الأمريكي سوف يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد التموينية، وزيادة رقعة الفقر والجوع والحاجة، وكلها أزمات متلاحقة تؤدي كل منها إلى الأخرى.