آراء ثقافية

في رمضان؟ أقسم بالله!

دراما رمضان
دراما رمضان

في كلّ عام، يتكررُ النقاشُ حولَ الأعمال التلفزيونيّة في شهرِ رمضان المُبارك، وتثير معظمُ الأعمالِ المطروحةِ في هذا الشهرِ الفضيل العديدَ من القضايا التي تفتحُ أبوابا من التساؤلاتِ والحواراتِ بشأنِها، ومع الأسف الشديد، فإنّ معظم هذه النقاشاتِ الدائرة حولها، لا تتناولُها فنّيا بقدرِ ما تتعاطى معها بسخرية وانتقاد واستهجان شديد، بسببِ ما يُسمّيهِ البعضُ انتهاكا لحُرمةِ الشهرِ الكريم.


لم يعد يخفى علينا أنّ المسلسلاتِ الرمضانيّة صارت تتسمُ بقدر كبير من المشاهدِ والمواضيع الاستفزازيّة للمشاهدِ العربيّ بشكل عامّ، والمشاهد المُحافظ بشكل خاص.


حيث صارت البلطجة والمخدّرات والتحرّش والاغتصاب وغيرها من الجرائم المنفّرة تُعرض على الشاشةِ جهارا نهارا، كما أنها صارت بمنزلةِ جزء لا يتجزأ من سيناريو العمل، والأدهى من ذلك أنّها تصدّر بطريقة مبتذلة، إضافة إلى تتويجِ ممارسي تلك الأفعالِ بالبطولة!


ينقسمُ الصّراعُ في هذا المضمارِ إلى العديدِ من الاتجاهات، فهناك من يرى أنّ وظيفةَ الفنّ تكمنُ في تحقيقِ متعةِ المشاهدِ بالدرجةِ الأولى، وليست وظيفتُه أن يُقدّمَ حلولا للمشكلاتِ التي يعاني المجتمعُ منها، بل يكفي أن يُشيرَ إليها وأن يستخدمَها ليحبكَ قصصا وحكايا مشوّقة تثيرُ فضولَ المشاهدِ لأحداثِها، وتخلُق لديه شعورا بالتشويقِ يدفعه للاستمرارِ بالمشاهدة، ويحتجّ صنّاعُ مثلِ هذه الأعمالِ وممثّلوه، بأنّهم يصوّرون الواقعَ كما هو بالفعلِ، والمسؤوليّةُ تقعُ على المشاهدِ في انتقاءِ ما يُشاهده هو وعائلتُه خلال رمضان وطيلةَ العام.


أمّا الاتجاه الآخر، فيرى بأنّ هناك عمليّة ممنهجة ومؤامرة تُحاكُ لتدميرِ أجيال بأكملِها، عن طريقِ بثّ رسائل غير مباشرةٍ تتسلّلُ إلى العقلِ الجمعيّ اللاواعي، فتُستحلّ الحُرُماتُ وتستباحُ الأعراضُ وتُنتهك القيمُ انتهاكا صارِخا، تحت ما يُسمّى بتصويرِ الواقِعِ وباسمِ موضوعيّةِ الفنّ وغايتِهِ الترفيهيّة، كما يعبر هذا الاتجاه عن غضبِهِ العارِمِ في كلّ مرة تُعرض فيها المشاهد المخلّةُ بالحياءِ العامّ، ويدعو إلى إيقافِ الأعمالِ المحشوّةِ بالإيحاءاتِ الجنسيّةِ والشتائم وتزويرِ الحقائقِ والأكاذيب، التي تعكسُ بدورِها صورة سلبيّة للمجتمعاتِ التي تخرجُ من رحمِها كلّ تلك الفظائع الأخلاقيّة، ويرى أصحابُ هذا الاتجاه أنّ الفنّ فعلٌ من أرقى وأسمى الأفعالِ الإنسانيّة، وحتى وإن لم يكن عليه أن يُقدّمَ رسالة هادفة وانحصرَ بوظيفةِ الإمتاعِ، فإنّ عليهِ أن يكون أكثر احتشاما، خصوصا في شهر يحملُ كلّ تلك القُدسيّة لدى أكثر من مليارِ مسلم حول أنحاءِ العالم.

 

من الواضحِ أنّ الدافعَ وراء إنتاجِ مثل هذه المسلسلاتِ هو غاية ماديّة بحتة، وذلك لاستقطابِ أكبر عددٍ من المشاهدين، فلا زالت شركاتُ الإنتاجِ تلهثُ وراءَ نسبِ المشاهدةِ العالية

أعيد في الآونةِ الأخيرةِ نشرٌ لمقطعِ "عمرو مصطفى" وهو في قمّةِ غضبِهِ من المسلسلاتِ الرمضانيّة، المصريّة، خصوصا، خلالَ لقائهِ مع الإعلامي "وائل الأبراشي"، مما أعادَ شحنَ موجة واسعة من الغضبِ لدى المشاهدين تجاه ما يسمى بالمسلسلاتِ الرمضانيّة، وقد كان يتحدثُ عمرو مصطفى في مقطعِهِ المشهورِ للأبراشي عن انحطاطِ الفنّ في الآونةِ الأخيرة، مستشهدا ببعضِ المشاهدِ التي لا تليقُ لا بالشعبِ المصريّ ولا بالعربيّ، وتُعرضُ " في رمضان"!!، وتوالت بعدَ ذلك العديد من المقاطع المستهجنة من قِبل المشاهدين في مواقعِ السوشال ميديا، لا ليعبّروا عن إعجابِهم بها، بل تناولوها بقدر كبير من السخريّةِ اللاذعةِ والانتقادِ القاسي واستنكروها أيّما استنكار.


لم يكن غضبُ المشاهدِ العربيّ متعلّقا بالأسبابِ الأخلاقيّة أو الدينيّةِ فقط، كرفضِ مشاهدِ العُريّ الفاضِحِ وزنا المحارِمِ والمخدّراتِ والكثير، بل تجاوزَ الأمرُ إلى احتدامِ الصدامِ بين الأشقاءِ العربِ أنفسهم، فالمسلسل الكويتيّ "من شارع الهرم إلى"، الذي أثارَ جدلا واسِعا يصعبُ حصره هنا، اتهمَ بالاستخفافِ بالمرأةِ المصريّةِ والحطّ من قيمتِها عن طريقِ حصرِها بشخصيّةِ الراقصة أو "الرقاصة"، عدا عن التشويهِ المعهودِ والمتكررِ للرجلِ الملتزمِ دينيّا، واستغلال قضيّةِ اللاجئين السوريين، والعديد من المبالغاتِ المثيرة للاشمئزازِ والاستفزازِ في آن معا، حتى وصلَ الأمرُ إلى رفعِ العديد من القضايا على الممثلين والمنتجين في المحاكم الكويتيّة.


وبالطبعِ، لم يكن الموسم الرمضانيّ خاليا من التطبيلِ للأنظمةِ السياسيّة، خصوصا تلك الأنظمة الانقلابيّة الفاقدة للشرعيّة، حيث كان مسلسل الاختيار3 نموذجا يُحتذى به في زرعِ الفتنةِ والتفرقةِ، وبهذا نشهدُ طورا جديدا من عمليّاتِ التزويرِ للحقائق، فانتقلنا من قضيّةِ تزويرِ التاريخِ إلى قضيّةِ تزويرِ الواقعِ الذي شهدناه بأمّ أعيُنِنا!


فمن الواضحِ أنّ عزلَ الرئيسَ الشرعيّ المنتخب محمّد مرسي والانقلابَ على الشرعيّة وموته في ظروفٍ غامضة، وإراقةَ دماءِ المصريين في ميدانِ رابعة، وسجنَ الصحفيين والعلماءِ ورجالِ الدينِ وكل أجهزةِ النّظامِ الشرعيّ السابقِ، وتكميمَ الأفواهِ وعمليّاتِ الإعدامِ بحقّ الأبرياء، كلها لم تكن كافيةً لوأدِ الحقيقةِ وتلميعِ صورةِ الانقلابِ، لذا فإنني لا أظنّ أنّ ياسر جلال قد نجحَ في ذلك!


على أيةِ حال، فإنّه من الواضحِ أنّ الدافعَ وراء إنتاجِ مثل هذه المسلسلاتِ هو غاية ماديّة بحتة، وذلك لاستقطابِ أكبر عدد من المشاهدين، فلا زالت شركاتُ الإنتاجِ تلهثُ وراءَ نسبِ المشاهدةِ العالية، غيرَ آبهة برأيِ المشاهدِ أو ذوقِه ولا بثقافةِ المجتمعِ وكيانِهِ، فلم يعد يهمّها إذا حظيت بآلافِ المشاهدين الذي يُمطرون العمل بوابل من الشتائمِ، طالما أنّ تلك الشتائمِ تحقق لها ربحا ماديّا!!


لقد صار الفن عبارة عن مادة تجاريّة مجوّفة، ولا أقصدُ التعميم بالطبعِ، إلا أنّ الواقع يشيرُ إلى أنّ الغالبيّةَ صارت كذلك مع الأسف الشديد، سواء في رمضان وغيرِ رمضان!

2
التعليقات (2)
نسيت إسمي
الجمعة، 29-04-2022 03:20 م
1 ـ (مسلسل لالة فاطمة2001) تدور أحداث السيتكوم حول فاطمة التي تقرر فتح مشروع لها لبيع الحلوى المصنوعة بالمنزل، وينجح مشروعها، وتحقق من خلاله دخل كبير.فاطمة متزوجة ولها ثلاث أطفال هى المسؤولة عن كل شيء في المنزل كما أنها تصنع الحلوى وتبيعها وقد جاء لزيارتها حماها وحماتها وقد تقلق منهما الأطفال وهى أيضًا بسبب تدخلهم في شؤونهم الخاصة. مسلسل: عائلي إخراج: علي الطاهري ، تأليف: عزيز سعد الله/طاقم العمل: خديجة أسد ، عزيز سعد الله ، محمد الخلفي ، رضوان رشوق ، أمال الأطرش ، عبدالقادر لطفي. 2 ـ (ابن خلدون و هوليوود) ابن خلدون "درة علم الاجتماع" خانة التوفيق في بعض المواضع في مقدمته ، فهو مثلاً حين يتحدث عن جابر بن حيان يسلكه في طائفة المنجمين و السحرة: "ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب القوم و استخرج الصناعة و أكثر الكلام فيها ، و في صناعة السينما و هي من توابعها ، لأن إحالة من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية". و هي بالطبع ركاكة عقلية أوقعته فيها ظروف البيئة و نظرتها الساذجة إلى عالم الكيمياء .. و في النهاية لا يوجد كاتب محايد تماماً ، و إلا معناه أن يتجرد من إنسانيته و مشاعره و بيئته ، و هو أمر مستحيل الحدوث من الناحية العملية. خذ مثلاً من هوليوود ورأى هشام أن هذه الأفلام "لاتحترم إنسانيتهم"، إذ تحيلهم إلى مساخيط سقطوا علينا من هوليوود ، و من أفلام المطاردة و الإثارة و الرعب و العنف المجاني و الولع بالإبهار البصري و متبّلات الفيلم الأمريكي". واعتبر أن المسألة هنا ليست "محاكمة الفيلم الأمريكي، بل قضية خيارات"، مشيراً إلى أن لأمريكا وجهين: إبراهام لينكولن ووالت ويتمان وماتن لوثر كينغ ودوس باسوس، العدالة و الحرية و الديمقراطية، في مقابل ماكارثي وبوش الابن: "فهل نأخذ من أمريكا ستيفن سبيلبيرغ وجورج لوكاش، أم ستانلي كيوبريك وأوليفر ستون و مارتن سكورسيزي". و قال هاشم إن فن السينما يعتمد أساساً على الحكي بالصورة، و ينفر من الثرثرة و الكلام، معتبراً أن "هذا الفن يعتمد على التلميح و ليس التصريح و الزعيق و الصراخ و الهتاف و الموسيقى المدوية"، على نقيض "معظم الشرائط التي كانت الصورة فيها دائماً في المؤخّرة، ولا تظهر إلاّ بعد مقدّمة موسيقية مدمّرة مثل شلال هادر يكتسح أمامه أعتى الصُوَر، أو زاعقة مجلجلة تهتزّ لها قاعة السينما". أضاف أن بعض الأفلام بدت كأنها مجرّد حبال موسيقية عُلّقت عليها بعض الصُوَر". خذ مثلاً فلمين: في قصة فيلم مشكلة كبيرة في ليتل تشاينا 1986 إذا لم يكن هناك ما يكفي من الأدلة على أن الإقتران كاربنتر روسيل كان ذهباً، فقد أتبتت كوميديا العمل ذلك و يلعب روسل دور جاك بورتون ، سائق الشاحنة الذي ينتهي به المطاف في إنقاد إمرأة مخطوفة إحتجزها ساحر في العالم السفلي في الحي الصيني في سان فرانسيسكوا نجح كاربنتر في إستخدام الفكاهة الفائقة و تأثيرات خاصة لا تنسى لجعل كوميديا الفنون القتالية كلاسيكية. على وجه الخصوص، يحب المشجعون كيف يفسد رسل بيرتون بنفس القدر ينجح فيه على مدار القصة و نجح جون كاربنتر في واحد من أفضل أفلامه في كل العصور من نوع فانتازيا أكشن مغامرات مشكلة كبيرة في الصين الصغيرة في سان فرانسيسكوا، كاليفورنيا، الولايات المتحدة الأمريكية. الفيلم الثاني مع أرنولد شوارزنيجر "المفترس 1987" تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من جنود الفرقة الخاصة، يقودهم الكابتن "داتش شافير" يتم إرسال المجموعة لإنقاذ "جورج ذيلون" الدبلوماسي الأمريكي، الذي سقطت طائرته في غابات أمريكا الجنوبية ولكنهم يفاجؤوا بوجود شيئ ما يقتل أفراد الفريق واحداً تلو الآخر، و هذا الشيء هو مخلوق فضائي يستطيع التكيف مع أشجار الغابة، و يمكن أن يقوم بإخفاء نفسه و هو يمتلك تقنية دفاعية و هجومية عالية و متطورة القصة مقتبسة من الرواية الخيالية العربية الشهيرة ... "ألف ليلة و ليلة" الأشكيف المخيف الذي أرعبنا جميعاً ظهور الأشكيف المخيف يستطيع أن يتحول إلى شجرة. 3 ـ (رسائل سلبية وراء المسلسلات الإجتماعية) و هذا للأسف هو أسوأ ما وصلت إليه الدراما التلفزيونية و يسمون هذا بعد ذلك أعمالاً فنية فما أسوء فناً ينال من دعاتنا و علمائنا و الذين هم طوق النجاة لنا لنتخلص من التيه الذي نحن فيه و نرى فيهم أملاً كبيراً يفي لإيقاظ أمتنا و نهضتها من جديد. و بعد كل ذلك هل يصح أن تسمى هذه الأعمال بمسلسلات إجتماعية واقعية؟ و هل يجوز لنا كمسلمين أن نقبل عرض أعمال كهذه على شاشاتنا العربية؟ و لنسأل أنفسنا من المستفيد من عرض أعمال تلفزيونية تسيء للإسلام و تشوه صورة المسلمين.
مراقب
الجمعة، 29-04-2022 12:38 م
الهدف الاساسى و الرئيسى لتلك المسلسلات التى لا يشاهدها سوى المتخلفين عقليا هو افساد صيام شهر رمضان و حرمان المسلمين من الهبات و النفحات الربانية من الرحمان الرحيم الرزاق الكريم فمن يدرك و يستوعب و يتعظ مع شعب ترك دينه الذى هو شرفه و عرضه .