قضايا وآراء

السلطة والدين

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

الدين جزء مهم من تكوين الهويات الجماعية ولذلك فهو يمنح قاعدة مهمة للتضامن الاجتماعي والحشد السياسي، ونتيجة لذلك، كان الدين أداة جوهرية بالنسبة إلى الخطاب المعاصر للقومية الحديثة وأمور أخرى متفاوتة تتعلق بالطائفية السياسية.

في كتابها "السياسة الدينية والدول العلمانية"، أظهرت سكوت هيبارد ثلاثة نماذج (الولايات المتحدة، الهند، مصر) جرى فيها اعتماد خطاب ديني من قبل السلطات الحاكمة لأغراض تتعلق بتوطيد سلطتها.

وبينت هيبارد بكثير من الأدلة كيف أن خطاب السلطة ساهم في تأجيج الوعي الديني والطائفي، فانتهى في بعض الأحيان إلى عنف دموي كما في حالة الهند ومصر.

ورغم ذلك، فإن كاتب هذه السطور يرى فرقا مهما بين التجارب الثلاثة لجهة النتائج لا مقدمات الخطاب الديني، فبسبب الديمقراطية والعلمانية في كل من الهند والولايات المتحدة، سرعان ما تراجع الخطاب الديني الثقافي لصالح الخطاب السياسي ـ الاقتصادي، في حين ظل الخطاب الديني قائما في مصر لدى النخبة الحاكمة، وإن اختلفت درجته باختلاف الأوضاع السياسية.

وهذا فارق رئيسي، ففي حالة الهند والولايات المتحدة كان الخطاب الطائفي وقتيا ومرتبطا بأهداف سياسية محددة، في حين تبنت النخب الحاكمة في مصر وفي العديد من الدول العربية الخطاب الديني من أجل استعادة السيادة المعنوية ومن ثم المادية على المجتمع.

 

بسبب الديمقراطية والعلمانية في كل من الهند والولايات المتحدة، سرعان ما تراجع الخطاب الديني الثقافي لصالح الخطاب السياسي ـ الاقتصادي، في حين ظل الخطاب الديني قائما في مصر لدى النخبة الحاكمة، وإن اختلفت درجته باختلاف الأوضاع السياسية.

 



السياق السياسي للخطاب الديني الذي أبرزته هيبارد في الدول الثلاثة المذكورة والفروق البينية بينها، تُنبهنا إلى مسألة مهمة، وهي أن الخطاب الديني في الولايات المتحدة يبقى خطابا لا شعوريا، فتنتهي مفاعيله لحظة انتهاء الانتخابات، لأن الديمقراطية ـ الليبرالية والمجتمع المدني والعلمانية مرسخة بقوة في الدولة والمجتمع، بما يمنع من حصول انزياحات مجتمعية ثقافية نحو صراع الهويات.

وفي الهند، حيث الديمقراطية راسخة رغم كل المعوقات التي تهددها، والعلمانية القائمة على القبول وليس الاعتراف، راسخة أيضا، ولعبت دورا هاما تاريخيا في منع العنف الطائفي، ومن هنا فإن الإرث الديمقراطي للبلاد، والإرث السياسي السلمي لغاندي، والتجربة السياسية لحزب المؤتمر بشكل عام وتأثير جواهر لال نهرو بشكل خاص، كلها عوامل خففت من اندفاعة حزب "بهاراتيا جاناتا" الطائفي.

إلى جانب المؤسسات الديمقراطية، لعب المجتمع المدني دورا مهما في إخماد العنف الطائفي في الهند بين المسلمين والهندوس، ففي دراسة بحثية قام بها أشوتوش فرسني، تبين أن العلاقات الفاعلة داخل نقابات الأطباء والمحامين والأساتذة والطلاب ونوادي المطالعة والسينما والرياضة، ومنظمات المهرجانات والنقابات العمالية والأحزاب السياسية، تلعب دورا في اللحمة الاجتماعية وتحول دون اندلاع العنف.

ومن خلال دراسته لمدن هندية مسالمة وأخرى عنيفة، اكتشف فرسني أن المدن المسالمة لديها مجتمع مدني قوي، في حين كان المجتمع المدني في المدن العنيفة ضعيفا جدا، وبهذا، لم يشكل التدين الهندوسي أو الإسلامي في ذاته السبب الأساسي لأعمال الشغب في المدن الهندية.

اختلف الأمر في مصر بسبب غياب الدولة الديمقراطية ومؤسساتها، وضعف المجتمع المدني، فدخلت الدولة في صراع حاد مع الإسلاميين في مراحل عبد الناصر والسادات، إلى أن وصل الأمر إلى إقصائهم عن المشهد السياسي بشكل كامل مع السيسي.

وفي كل هذه المراحل، بما فيها مرحلة مبارك، لم تعتمد السلطات الحاكمة خطابا تنويريا جامعا، مهمته تعزيز الديمقراطية والليبرالية، بقدر ما كان هدف النخبة الحاكمة تقديم خطاب ديني مسيس من أجل إحكام السيطرة والحيلولة دون نشوء خطاب ديني خاص بالجماعات الإسلامية.

ومن خلال إعداد الدولة لكي تكون المحافظة على العقيدة، باتت المعارضة من جميع الأطياف عرضة للاضطهاد، وكان هذا واضحا من خلال الدعاوى التي رفع ضد شخصيات فكرية.

هذا الواقع دفع هيبارد للتساؤل، لماذا كانت الحكومة المصرية تفوز بمعاركها ضد الجهاد الإسلامي، وفي الوقت ذاته تخسر الحرب الأيديولوجية؟

تجيب، أنه عوضا عن تقديم السلطة بديلا أيديولوجيا حقيقيا، سعى المسؤولون في الدولة بشكل مستمر إلى استخدام تفسير سلفي للتقليد الإسلامي لمصلحة غايتهم الخاصة، وكان دعم الدولة للتفسيرات المحافظة أو الرجعية للتقليد الديني ممتدا لكي يصل إلى جميع أركانها خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

لا توجد في مصر مشكلة دينية على المستوى الاجتماعي بسبب حالة التجانس غير الموجودة في الهند والولايات المتحدة، وفيما كان للعنف الطائفي أساس اجتماعي في الهند، فقد لعبت الدولة من جهة ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، دورا هاما في التخفيف من حدته، وأحيانا في تجاوزه، فيما كان لسياسات السلطة في مصر دور رئيس في العنف الديني في مجتمع لا يوجد فيه مشكلة طائفية.

*كاتب وإعلامي سوري


التعليقات (1)
الحسن لشهاب_المغرب
السبت، 01-10-2022 10:15 م
جاء في المقال " تراجع الخطاب الديني الثقافي لصالح الخطاب السياسي ـ الاقتصادي، في حين ظل الخطاب الديني قائما في مصر لدى النخبة الحاكمة، وإن اختلفت درجته باختلاف الأوضاع السياسية" في رأي اسباب بقاء الخطاب الديني قائما في مصر يرتبط بعوامل داخلية و اخرى خارجية، تلك هي عدم وجود بديل عن تجديد الطقوس الدينية بشكل يتلائم مع العلمانية، و النقص في توعية الجماهير المصرية بان الاخلاق سبقت الاديان ، و ان الاديان جاءت فقط لتتمم الاخلاق، و انها من صنع البشر ،تطورت من سحر الى فقه و اخيرا الى علم اكاديمي نسبي ،رسالته هي التربية على الاخلاق الحميدة و التربية على التعايش و التسامح مع باقي الكائنات الغير المسلمة و الغير المتدينة،اما على الصعيد الخارجي ،فان كل الانظمة السياسية الاسلامية المستفيذة من اكذوبة ان الدين كلام الله ،تدافع عن بقاء الخطاب الديني قائما،لانه الوحيد الذي يضمن استمرارية حكامة التوريث السياسي،لصالح الحكام المتأسلمين،بل حتى الغرب يدافع عن بقاء الخطاب الديني مهيمنا ،لانه يستفيد من الصراعات الدينية ،الرائجة بين الطوائف المسلمة،و المدرة للربح السريع و الوافر ،عبر ترويج الاسلحة الغربية الصنع، كما يستفيد الغرب من انشغال المسلمين مع بعضهم ،حيث النظم السياسية تعلق فسادها على شماعة الصراعات الدينية،و الاقليات الدينية تحمي قداسة النص الديني بقوة السلطة السياسية، قداسة النث الديني تشرع الفساد السياسي،و يقتسمان الكعكة ،و يتبقى دار العرب على حالها،,,,