قضايا وآراء

التحرر من الاستبداد (1)

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضوانُ اللهِ عليه أنَّه قال: أيُّها النَّاسُ إنَّكم تقرؤُون هذه الآيةَ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"، وإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: "إنَّ النَّاسَ إذا رأَوْا ظالماً فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ" (رواه أبو داود وصححه الألباني).

والحديث يوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من ترك الظالم أو المستبد يدمر مقدرات الأمة، ويمارس ظلمه وطغيانه بين الناس، وهو ما سنتناوله في هذه السلسلة من مقالات التحرر من الاستداد.

ونبدأ بسؤال كيف نتخلص من الاستبداد؟ هذا السؤال هو الأكثر شيوعاً وتردداً في الأذهان في المنطقة العربية.. ويقترن بهذا السؤال تساؤل آخر في لغة من العجز والضعف: هل يمكن أن نتخلص من الاستبداد وأن تصبح بلادنا حرة مثل الدول المتقدمة؟

وسنتناول في هذه السلسلة كتابا موجزا يتناول القوانين التي يجب الالتزام بها في المواجهة الفعلية للاستبداد. وفي هذه السلسلة سنجيب على هذا السؤال بأسلوب علمي ومنهجي، وليس بعشوائية ولا بعنترية كما يفعل الكثيرون.. وهي تمثل خلاصة عدد من المصادر الدينية والعلمية والتاريخية والعملية.

1- سنن وقوانين الله تعالى في مواجهة الاستبداد والتخلص منه.

2- تجارب الأنبياء عليهم السلام في تحرير اقوامهم.

3- قوانين على الاجتماع السياسي

4- التجارب التاريخية لحركات التحرر الوطني.

5- التجربة المعاصرة للجولة الأولى من الربيع العربي 2011م.

6- الدراسات التحليلية للجهاز المعرفي والنفسي للمستبد ونظام الاستبداد.

7- الرؤية الاستشرافية للباحث الكاتب.

معنى ودلالات كلمة قانون لغة واصطلاحا وتطبيقاتها في مجال التحرر:

1- النظام الأَصلُ وقواعد ومعايير ومقياسُ العمل التحرري، وطريقُه الذي يجب أن يلتزم به كل العاملين في حركة التحرر الوطني.

2- إطار نظري وعملي متكامل لاستراتجية تحرر وطني كلية؛ تنطبق على جميع ‏جُزئيَّات العمل التحرري.

3- قواعد ‏وأحكام واجبة الاتباع للعاملين بحركة التحرر الوطني، وتجاوزها أو خرقها والتمرد عليها يعد جرما يتسبب في عواقب وخسائر على حركة التحرر والعمل التحرري برمته.

وسنجيب الآن على سؤال مهم جداً، وهو لماذا يجب علينا التخلص من الاستبداد؟ وهل شعب مصر والشعوب العربية لا تساق إلا بالعصا والكرباج كما يقول البعض أو كما ينسبون تلك المقولة للمندوب السامي البريطاني اللورد كرومر؟.. والإجابة بالتأكيد أنه إذا أرادت أمتنا النهوض فعليها التخلص من الاستبداد؛ لأن هناك قوانين حاكمة تشرح وتوضح مفاسد وكوارث هذا الاستبداد. ويؤكد أول هذه القوانين أن الاستبداد يدمر كل شيء، ويتضح ذلك من القانون الأول الذي نستعرضه فيما يلي:

القانون الأول: الاستبداد يفسد ويدمر كل شيء

يدمر معتقدات وأفكار ومفاهيم الإنسان وجهازه المعرفي من أعماقه؛ من المصادر والبواعث والمنطلقات وكل شيء، وصولا إلى قدرات الإنسان والمجتمع على الفعل والإنجاز، ومن بعدها يدمي الأخلاق والسلوك والثقافة والفن والإعلام والاقتصاد والجيش والأمن والسياسة، بحيث يأتي على الدولة جميعها فيخربها ويدمرها تدميرا كاملا، حيث لا يبقى منها إلا الاستبداد وعصابته في خدمة المستعمر الأجنبي؛ المستبدين الكبارفي الأرض، المتألهين على الله تعالى، الطغاة في الأرض.

ما سبق يوضح أن الاستبداد يدمر معتقدات وأفكار الإنسان، ويدمر كذلك قدرات الإنسان والمجتمع، أي يدمر المواطن والوطن على حد سواء، كما أنه يقضي على الأخلاق والفضائل.. تصوروا أمة أو دولة بدون معتقدات ولا مفاهيم.. هي أمة فاشلة وستنهار بلا شك، فما بالك إذا أضيف إليها تدمير الأخلاق والفضائل، فأي بقاء أو ازدهار سيكون لهذه الأمة التي فقدت كل هذا؟

ويستمر مسلسل الانهيار إلى الثقافة والفن والإعلام والاقتصاد والسياسة، وحتى الجيش والأمن يتم تدميرهما على أيدي المستبدين.. لأنهم يريدون تسيير كل شيء حسب أهوائهم وليس طبقاً لأي منهج علمي. وكل مؤسسات الدولة التي يخربها الاستبداد تحتاج إلى السير وفقاً للمناهج العلمية التي يحاربها المستبد الجاهل الغاشم؛ الذي يريدأن يأمر فيطاع أمره بدون نقاش مهما كان هذا الرأي خاطئا أو نتائجه كارثية على الوطن والمواطن. وهذا ما قطع به التاريخ، وهكذا يقضي الاستبداد على الدولة جميعها فيخربها ويدمرها تدميرا كاملا، فلا يبقى منها إلا الاستبداد وعصابته في خدمة المستعمر الأجنبي الذي نصّب هذا المستبد على شعبه المقهور.

القانون الثاني: الاستبداد يحول بوصلة الدولة لخدمة المستبد وعصابته

الاستبداد يحول بوصلة الاهتمام وتفكير وتخطيط وتنفيذ كل أجهزة ومقدرات الدولة لتحقيق مصالح المستبد وعصابته بدلا من الشعب، وعلى حساب مصالح الشعب.

- يلتزم بتقديم مقابل لدعم النظام العالمي الاستبدادي له بتنصيبه حاكما وودعمه والمحافظة على وجوده.

- يلتزم بالمحافظة على مصالح النظام العالمي الاستبدادي في وطننا (السوق الاستهلاكي المستورِد- سرقة موادنا الخام- استخدام مطاراتنا وموانئنا وممراتنا مجانا- صمتنا عن اغتصابه لمقدساتنا- بل ودعمه لعدونا الكيان الصهيونى المغتصب.. الخ).

- يلتزم بتدمير كل مقومات الأمن القومي لوطننا، ليظل ضعيفا تابعا للنظام العالمي الاستبدادي.

- يلتزم بملاحقة وتشويه وتجريم وقمع وقتل والتخلص من كل القيادات والكفاءات الوطنية المخلصة؛ العاملة المجاهدة لتحرير وطننا المصري الغالي من الاستبدادين المحلي والعالمي.

وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك وما قطع به التاريخ ودونتها تجارب الدول التي ابتليت بالاستبداد؛ أن المستبد يوجه بوصلة الدولة لخدمته فقط مع عصابته وأعوانه، بدلاً من تسخيرها إلى خدمة الشعب وتحقيق مصالحه، لأن المستبد لا يرى للشعب حقوقاً بل يراه عبيداً له وهو سيدهم ومالكهم. ولكي تتركه القوى العظمى والنظام العالمي يفعل ما يريد فإنهم يحتاجون منه رشوة يدفعها لهم من مقدرات الشعب وممتلكاته، فيفرط في الجرز وأراضي الدولة للأجانب، ويفرط في ثروات ومقدرات الوطن كالغاز والمياه والبترول، أو يبيعها بسعر رخيص مثلما فعل مبارك مع الكيان الإسرائيلي المحتل.

كما أن المستبد يكون مجبراً على الالتزام بالمحافظة على مصالح النظام العالمي الاستبدادي وليس مصالح وطنه، وإذا حدث تعارض فلا يفعل إلا ما يرضي أسياده من القوى الكبرى؛ فيوقف أو يعرقل عجلة الإنتاج، لتصح دولته سوقاً استهلاكيا مستورداً لمنتجات القوى الكبرى التي نصّبته، ولذلك يلاحظ انهيار الصناعات تحت حكم المستبدين، وكذلك يفرط في المواد الخام إما ببيعها بأرخص الأثمان والتفريط فيها بلا ثمن مطلقاً؛ بدلاً من تصنيعها في وطنه وتشغيل الأيدي العاملة، ويفتح المطارات والموانئ والممرات المهمة مثل قناة السويس والمضايق للقوى الكبرى بمقابل زهيد أو بدون مقابل على الإطلاق، ويصمت ويخرس ولا يستطيع النطق أو اتخاذ موقف مشرف تجاه الكيان الذي يغتصب مقدساتنا ويحتل المسجد الأقصى، بل ويدعمه في السر والعلانية..

القانون الثالث: الاستبداد لا يريد أية مصالح للشعب إنما تجهيله وإضعافه واستعباده واستخدامه مجانا

من أهم مقومات النظام الاستبدادي هو إضعافه الشعب وتجهيله، وتفريغه من أية معارف وأدوات للقوة يمكن أن يستخدمها ضده في أي لحظة من اللحظات.

- مقوم وأداة وقوة المعرفة والوعي.

- مقوم وأداة وقوة الأمن والاستقرار التي تعزز من قدرة الإنسان على التفكير في حريته وحقوق السياسية والاقتصادية في ثروات وطنه التي منحها الله تعالى له.

- مقوم وأداة وقوة وحدة وتعاون وتكامل واحتشاد الشعب ضده.

- مقوم وأداة وقوة الإعلام التي يمكن أن يتم استخدامها ضده لفضحه وإيقاظ وإثارة الشعب النائم ضده.

- مقوم وأداة وقوة امتلاك التكنولوجيا التي يمكن أن يخترقه الشعب ويتغلب عليه بها.

- مقوم وأداة وقوة المال التي يمكن أن يحولها الشعب إلى قوة متنوعة يستخدمها ضده.

- مقوم وأداة وقوة المعلومات والسلاح التي يمكن أن يستخدمها الشعب ضد المستبد.

وهكذا يتضح من خلال هذا القانون أن المستبد يدمر كل شيء في مقومات الوطن، ولا يبقي على شيء مادي أو معنوي، بل يجهز عليها جميعاً ويقضي عليها كلها، حتى يصبح الوطن خالياً من كل مقوماته، ومسلوباً من كل أدوات قوته، وذلك بعلم المستبد أو جهله، ولكنها في النهاية نتيجة أفعاله وحصيلة ما قدمت يد المستبد الطاغي.

القانون الرابع: مهام نظام الاستبداد المحلي وعلاقته بالنظام العالمي الاستبدادي

نظام الاستبداد المحلي هو امتداد ووكيل حصري للحكم والسيطرة على البلاد والعباد لحساب النظام الدولي الاستعماري، والذي حدد للنظام الاستبدادي المحلي ثلاث مهام استراتيجية ليقوم بها، وهي شروط واستحقاقات بقائه في الحكم والاعتراف به دوليا، ودعمه بالمعلومات والخبرة والسلاح لقمع الشعب والسيطرة عليه وتركيعه. وهذه المهام هي:

المهمة الأولى: المحافظة على تدفق المنافع المجانية والمصالح الثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية للنظام الدولي الاستبدادي.

المهمة الثانية: التغييب المتعمد لوعي الشعب، وتفكيك واستبدال هويته الخاصة، وإحلال الهوية البديلة الخاصة بالنظام العالمي، وقطع الطريق على استعادته هويته العربية والإسلامية الأصيلة التي تعزز فيه روح الحرية والعزة والكرامة والعظمة والرسالية والابتعاث للناس كافة؛ بهدف التفريغ والإضعاف والتقزيم والعبودية الطوعية والتبعية للنظام العالمي الاستبدادي.

المهمة الثالثة: قوة السيطرة والقمع والبطش وتركيع الشعب للمحافظة على نظام الحكم مستقرا تابعا خادما للنظام الدولي الاستبدادي.

القانون الخامس: الاستبدادان المحلي والعالمي وجهان لعملة واحدة

- لا توجد ازدواجية للنظام العالمي الاستبدادي، بل معتقداته ومفاهيمة وقوانينه وسياسيته الواضحة المحددة الدقيقية بأنه الإنسان الأبيض القوي صاحب الحق الوحيد في الحياة، وأن بقية المجتمعات المتخلفة الضعيفة عبيد وخادمة له ولا حق لها في الحياة إلا لتخدمه وتحقق مصالحه بالمجان.

- وأن ما لدى هذه الشعوب من موارد، حق طبيعي له وُجد في أراضي مجتمعات العبيد والخدم، ومن حقه الطبيعي الحصول عليها مجانا، وأن أمنه القومي غير مرتبط بأية حدود جغرافية وسياسية لدول العبيد.

- وأن الحدود الجغرافية والسياسية للدول البيضاء القوية مؤقتة، ومرهونة باستمرار قوتها، ولحين تفكيك دول العبيد وتقويضها والتغلب عليها واستعمارها وضمها للدولة الأم القوية.

ماذا يجب فعله للاستفادة من المقالة؟

1- عدم ركون الشعب للمستبدين، وعدم إعطائهم الفرصة لتملك رقاب الشعب.

2- قيام النخبة بتوعية الشعب، وإطلاعه على تجارب الدول الأخرى وكيف انهارت وفشلت بسبب جرائم المستبد، ونتيجة ما فعله المستبدون.

3- تعاون كل أطياف الشعب في مقاومة المستبد ومنعه من الوصول للحكم من الأساس، أو مواجهته لإجباره على ترك السلطة بكل السبل والوسائل المتاحة.
التعليقات (0)