هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت
صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها إن محاولات الغرب البحث عن مصادر بديلة
للطاقة الروسية قد تثري دولة قطر الصغيرة وتزيد من قوتها.
وفي
تقرير أعده بن هبارد قال إن قطر قامت وعلى مدى ربع قرن بتصدير الغاز الطبيعي المسال
لقائمة متزايدة من الزبائن حول العالم، مراكمة ثروة عميقة وأهمية جيوسياسية كانت ستفتقدها
بدونه.
ومن
المتوقع أن ينمو نفوذ قطر، وهذا يعود في جزء منه للحرب في أوكرانيا. وفي الوقت الذي
يحاول فيه قادة أمريكا وحلفاؤهم في أوروبا البحث عن نفط وغاز بديل عن روسيا، برزت قطر
كمرشح يوفر الغاز لتدفئة البيوت الأوروبية وطبخ الطعام وتوليد الكهرباء.
ومع أن قطر لا تستطيع في الوقت الحالي شحن كميات
إضافية من الغاز نظرا لارتباطها بعقود في مناطق أخرى، إلا أنها تستثمر عشرات المليارات
من الدولارات لزيادة إنتاجها بمعدل الثلثين بحلول عام 2027. وفي مقابلة مع سعد الكعبي،
وزير الدولة لشؤون الطاقة ومدير شركة قطر للطاقة، قال إن نصف الإنتاج قد يذهب إلى أوروبا.
وقالت
سينزيا بيانكو، الزميلة في شؤون الخليج بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن
"الوضع مناسب لكي تصبح قطر مصدرا مهما للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا".
ويرى
الكاتب أن الاهتمام بقطر هو تحول لبلد اعتاد في السنوات الماضية على مهاجمة القادة
الغربيين الوقود الأحفوري ومساهمته في التغيرات المناخية.
واليوم
يبحث نفس القادة طرقا للحصول على الغاز. ويقول الكعبي إن الدول التي كانت تقول:
"لا نريد شركات النفط والغاز وتم شيطنتها وأنها سيئة"، يقولون الآن:
"ساعدونا، نريد مزيدا من الإنتاج وأنتم لا تنتجون ما هو كاف وغير ذلك".
ويقول
الكاتب إن التحول سببه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قام بغزو أوكرانيا في 24
شباط/ فبراير، مما دفع الدول الأوروبية التي كانت تحصل على نصف احتياجاتها من الغاز
والنفط من روسيا للبحث عن مصادر بديلة وحرمان بوتين من المال اللازم لدعم آلته الحربية.
وهو
ما ساعد قطر التي تتنافس مع أستراليا والولايات المتحدة على المراكز الأولى بتصدير
الغاز الطبيعي المسال، مما زاد من شعبيتها.
وأعلن
الرئيس جو بايدن في كانون الثاني/ يناير عن قطر كحليف مهم من غير دول الناتو، واستقبل
أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في البيت الأبيض، وهو أول زعيم من الخليج يحظى
باستقبال الرئيس بايدن، وكان موضوع الطاقة على رأس أجندة النقاش.
وبعد
إعلان بوتين الحرب، اتصل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالشيخ تميم وناقش معه
"التأكيد على استدامة إمدادات الغاز" وقضايا أخرى.
وزار
مسؤولون أوروبيون الدوحة لمناقشة موضوع الطاقة بمن فيهم جوزيف بوريل، مسؤول السياسات
الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وكذا وزير الطاقة والتغيرات المناخية الألماني روبرت
هابيك لمناقشة إمكانيات صفقة غاز مع قطر. إلا أن قدرة قطر على تخفيف آلام أوروبا وفي
المدى القصير تظل محدودة. وكما يقول الكعبي فنسبة 85% من إنتاجها الحالي تحكمه عقود
طويلة الأمد وبخاصة مع دول آسيا. وقال: "هذه عقود ملزمة ولا أستطيع عمل أي شيء
معها"، مضيفا أن "حرمة العقود وسمعتنا مهمة جدا ولا يمكنني الاتصال مع زبون
والقول له: آسف أريد مساعدة الأوروبيين".
وتضيف
الصحيفة أن أزمة الطاقة التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا ستجعل الدولة الصغيرة وفي
السنوات المقبلة تميل أكثر نحو أوروبا والحصول على الثناء الأكبر من واشنطن.
وبدأت
قطر وقبل سنوات من بداية الحرب مشروعا بقيمة 45 مليار دولار وبناء محطات غاز جديدة
وزيادة القدرة الإنتاجية بنسبة 64% كما يقول الكعبي. وسيبدأ الغاز بالوصول إلى الأسواق
بحلول عام 2026 وسيتم تقسيمه بين آسيا وأوروبا.
وفي
الوقت نفسه استثمرت قطر بمحطات استقبال الغاز الطبيعي المسال في كل من فرنسا وبلجيكا
وبريطانيا. وليس لدى ألمانيا التي تعد أضخم اقتصاد في أوروبا منشآت لاستقبال الغاز
الطبيعي المسال قبل الحرب، ولكنها خصصت 3 مليارات دولار للحصول على محطات عائمة، وتفكر
فرنسا وإيطاليا بخيارات مماثلة.
ولم
يكن واضحا أن الغاز الطبيعي سيجعل من قطر التي تشبه مساحتها ولاية ديلوار الأمريكية
من أغنى دول العالم بالنسبة لمعدل دخل الفرد. فعندما اكتشف الغاز في مياهها البحرية
بالسبعينات من القرن الماضي شعر المسؤولون بالخيبة لأنه ليس نفطا والذي كان يسهم بتحويل
اقتصاد الدول الجارة مثل السعودية والكويت.
ويقول
ديفيد روبرتس المحاضر في العلاقات الدولية بكلية كينغز كوليج- لندن: "في العشرين
سنة الأولى لم يكن أحد يريده وذلك لأن أحدا لم يتصور وجود سوق له". وظل في مكانه،
ولكن تقدم التكنولوجيا فتح نافذة، وفي التسعينات من القرن الماضي، ضخت قطر وشركاء دوليون
مليارات الدولارات في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
اقرأ أيضا: أوكرانيا توقف إمدادت الغاز الروسي لأوروبا.. ما السبب؟
وفي
الماضي كان الغاز الطبيعي ينقل عبر أنابيب مما حد من الأماكن التي يمكن إرساله إليها.
ولكن وبعد تبريده على درجة 260 فهرنهايت تحت الصفر، تحول الغاز إلى سائل وانخفض حجمه،
مما يعني تصدير كميات كبيرة منه عبر حاويات سفن ثم تحويله مرة ثانية إلى غاز في الجهة
المقصودة.
وفي
ذلك الوقت نظر للغاز الطبيعي المسال بالمخاطرة وذا الكلفة العالية، لكن السوق زاد للغاز
الطبيعي المسال الذي لا يصدر انبعاثات عالية مثل الوقود الأحفوري وحصلت قطر على الجائزة.
وقال
روبرتس: "تلاحظ أن هيمنة القطريين في السوق تزيد من أعلى إلى أعلى" و"بنوا
أحسن وأرخص عملية للغاز الطبيعي المسال". وهو ما أدى لتزايد ضخ المال لقطر ومنح
سكان البلد البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة، منهم 300.000 مواطن دخلا يعد الأعلى في العالم.
وازدهرت
العاصمة الدوحة وبرزت فيها ناطحات السحاب من الفولاذ والزجاج وعدد من الفنادق الراقية
ومراكز التسوق. وتضخم الصندوق السيادي بشكل جعله قادرا على شراء حصص في الشركات الكبرى
والعقارات في لندن ونيويورك ومدن عالمية أخرى. وستكون قطر هذا العام المضيف لمباريات
كأس العالم التي من المتوقع حضور 1.5 مليون مشجع من كل أنحاء العالم.
وعلى
الصعيد الدبلوماسي تقيم علاقات مع دولة ليست على وئام فيما بينها بشكل يعطيها دور الوسيط.
وإضافة للعدد الكبير من الشركات الغربية، فقطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في
الشرق الأوسط، وتقيم علاقات في الوقت نفسه مع إيران التي تشترك معها بحقل الغاز الطبيعي.
وزار الشيخ تميم طهران الأسبوع الماضي للدفع من أجل إحياء الاتفاقية النووية مع الدول
الكبرى والتي تعتبر أولوية لإدارة بايدن.
وتستقبل
قطر قادة من حماس وطالبان وحصلت في العام الماضي على ثناء واشنطن للدور الذي لعبته
في عمليات إجلاء الأمريكيين وشركائهم للخروج من أفغانستان. وقال جيم كرين، الباحث في
شؤون الطاقة بمعهد بيكر في جامعة رايس: "حصل القطريون على تأثير كبير أكثر مما
تخيل أحد".
وكيف
ستستخدم قطر تأثيرها على المجتمع الدولي، سؤال مفتوح للمستقبل. وفي أثناء زيارة لمدينة
راس لفان الصناعية في شمال شرق البلاد، شرح مسؤولون في قطر للطاقة العمليات الجارية
لمعالجة الغاز منذ التسعينات وخططا جديدة لبناء محطتين جديدتين ومصنع بتروكيماويات على
مساحة واسعة من الصحراء. وعبر مدير قطر للطاقة عن فخره لعودة الغاز إلى الصدارة، وقبل
حرب أوكرانيا عقد اجتماعات مع شركات كبرى في ألمانيا لبناء محطات استقبال الغاز الطبيعي
المسال في ألمانيا إلا أن الحكومة الألمانية لم تقدم الدعم الضروري.
وبعد
حرب أوكرانيا سافر الوزراء الألمان برفقة مدراء الشركات الكبرى قائلين إن برلين جاهزة
للمضي في هذه المشاريع. وقال الكعبي إن الحكومة الألمانية غيرت موقفها 180 درجة. واستعاد
ما قال لوزير إنه لو استعدت ألمانيا للمصادقة على مشاريع "فنحن جاهزون للتانغو".