أعلن رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب أردوغان،
رفض بلاده لانضمام
السويد وفنلندا إلى حلف شمالي الأطلسي "
الناتو"، لافتا إلى الدعم الذي يقدمه البلدان إلى التنظيمات
الإرهابية التي تهدد أمن
تركيا واستقرارها، على رأسها حزب
العمال الكردستاني. وقال إن "تركيا لن ترتكب ذات الخطأ مرة ثانية"، في إشارة إلى موافقة أنقرة على عودة اليونان إلى الحلف عام 1980.
الدول الإسكندنافية أكبر ملجأ منذ عقود لحزب العمال الكردستاني، حيث يتحرك فيها قادة
المنظمة الإرهابية وعناصرها بكل حرية. وفي الوقت الذي قرر فيه البلدان التقدم إلى الناتو بطلب الانضمام إليه، كان أنصار حزب العمال الكردستاني يرفعون علما كبيرا للمنظمة الإرهابية في قلب العاصمة السويدية استوكهولم تحت حماية الشرطة.
اليونان انسحبت من القيادة العسكرية لحلف شمالي الأطلسي بعد تدخل القوات التركية في جزيرة قبرص لحماية القبارصة الأتراك من المجازر عام 1974، إلا أنها عادت إلى الحلف بموافقة أنقرة بعد حوالي شهر من الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش التركي في 12 أيلول/ سبتمبر 1980 بقيادة الجنرال كنعان إفرين. وكان الانقلابيون آنذاك بحاجة ماسة إلى الدعم العسكري والسياسي والمالي لنجاح الانقلاب، ولم يقدروا على مواجهة الضغوط الأمريكية ورفض عودة اليونان إلى الناتو، ولا على التفاوض مع واشنطن للحصول على بعض المكاسب في مقابل الموافقة.
مطالب أنقرة من السويد وفنلندا يمكن اختصارها في مطلبين رئيسيين، الأول: أن يتخلى هذان البلدان عن دعم حزب العمال الكردستاني، والثاني: أن تُرفع العقوبات التي فرضتها استوكهولم وهلسنكي على تركيا
تركيا اليوم ليست تركيا ثمانينات القرن الماضي، ويقودها رئيس منتخب يمثل الإرادة الشعبية، وليس الانقلابيين الذين وصفتهم الولايات المتحدة آنذاك بـ"أولادنا". كما أن الظروف الإقليمية والعالمية الراهنة تعزز أهمية تركيا الجيوستراتيجية ودورها المحوري في حلف شمالي الأطلسي. وبالتالي، هي اليوم قادرة على التفاوض وفرض
شروطها العادلة لحماية مصالحها القومية، دون الاستسلام للابتزازات الأوروبية والأمريكية.
مطالب أنقرة من السويد وفنلندا يمكن اختصارها في مطلبين رئيسيين، الأول: أن يتخلى هذان البلدان عن دعم حزب العمال الكردستاني، والثاني: أن تُرفع العقوبات التي فرضتها استوكهولم وهلسنكي على تركيا. ومن المؤكد أن هذه المطالب عادلة، وأن ما تقوم به السويد وفنلندا لا يتوافق مع روح التحالف، إذ لا يعقل أن ينضم بلد إلى حلف عسكري وهو يدعم تنظيمات إرهابية تهدد أمن أحد أعضاء الحلف، ويفرض على ذاك العضو عقوبات. وترى أنقرة أنه من حقها أن تطالب أي دولة في العالم بالتعاون والتنسيق في مكافحة الإرهاب، ناهيك عن تلك التي ترغب في الانضمام إلى حلف هي أحد أعضائه.
انضمام أي دولة إلى الناتو يتطلب موافقة جميع أعضاء الحلف على هذا الانضمام. وكانت اليونان عرقلت انضمام مقدونيا إلى الناتو لثلاثة عقود بسبب خلاف بين إسكوبيا وأثينا على اسم جمهورية مقدونيا، فقد كان اليونانيون يرون أن تسمية "مقدونيا" بهذا الاسم هي بمثابة إعلان رسمي عن نية تلك الدولة الجارة للاستيلاء على الأراضي اليونانية. وتم تجاوز هذه الإشكالية بإضافة كلمة "الشمالية" إلى اسم جمهورية مقدونيا، لتوافق أثينا على انضمامها إلى الناتو.
تصريحات أردوغان حول انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو رسالة في ذات الوقت إلى الولايات المتحدة التي ترحب بالطلب المقدم من البلدين بقوة؛ لأن واشنطن هي الأخرى تدعم حزب العمال الكردستاني وتفرض على تركيا عقوبات
ومن المؤكد أن أنقرة تملك أسبابا لرفض انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو أكثر وجاهة من السبب الذي دفع اليونان إلى رفض انضمام مقدونيا إلى الحلف.
تصريحات أردوغان حول انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو رسالة في ذات الوقت إلى الولايات المتحدة التي ترحب بالطلب المقدم من البلدين بقوة؛ لأن واشنطن هي الأخرى تدعم حزب العمال الكردستاني وتفرض على تركيا عقوبات. ويشير تذكير أردوغان بموافقة العسكر على عودة اليونان إلى الحلف في 1980 ووصفها بـ"الخطأ"؛ إلى أن تركيا اليوم لا يحكمها الانقلابيون من "أبناء الولايات المتحدة"، وأن واشنطن يجب أن تعيد النظر في موقفها السلبي وحساباتها الخاطئة، سواء كانت تلك المتعلقة بدعمها لحزب العمال الكردستاني في سوريا، أو الأخرى المتعلقة بملف برنامج طائرات أف-35 وشراء تركيا منظومة إس-400 الروسية، إن كانت ترغب في انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو.
تركيا التي تملك ثاني أكبر جيش في الناتو، لا تغلق الباب أمام انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، إلا أنها تطالب البلدين بالتحلي بروح التحالف، والتخلي عن معاداتها. وإن كان قادة البلدين يرون أن بإمكانهم تجاوز فيتو أنقرة بدعم واشنطن دون أن يغيروا مواقفهم من تركيا فهم واهمون، كما أن تركيا لن تستمع على الإطلاق إلى أكذوبة "أنهم يصنفون حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية ولكن وحدات حماية الشعب الكردي لا علاقة لها بحزب العمال الكردستاني"، ولن تتراجع عن استخدام الفيتو حتى ترى خطوات عملية وضمانات ملموسة.