كتب

مركزية القدس في فلسطين والمنطقة.. وجهة نظر في كتاب

قراءة في المكانة التي احتلتها القدس في تاريخ فلسطين
قراءة في المكانة التي احتلتها القدس في تاريخ فلسطين

يقدم الكاتب والباحث الفلسطيني خالد الحروب، وجهة نظر علمية في كتاب الباحثة نائلة الوعري، الذي يحمل عنوان "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية 1908- 1948"، وهي المرحلة الأهم في التاريخ الحديث والمعاصر لفلسطين، حيث شهدت بدايات الاحتلال والتأسيس لدولة الكيان..

القراءة التي نشرها الحروب في صفحته على "فيسبوك" وتنشرها "عربي21"، تؤكد هي الأخرى مركزية القدس ليس فقط في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وإنما في تحديد مستقبل المنطقة برمتها.


كتاب نائلة الوعري "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية ١٩٠٨- ١٩٤٨" بحث يعكس جهدا كبيرا ودؤوبا في التنقيب عن المعلومات وتوثيقها من مصادرها الأولية، مثل السجلات الشرعية للبلديات والمحاكم الفلسطينية، والصحف الفلسطينية والعربية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فضلا عن الكتب والدراسات الكلاسيكية التي أرّخت لتلك الفترة. 

الكتاب يصف ويؤرخ مركزية القدس في فلسطين والمنطقة في الحقبة الاستعمارية الانتقالية التي أسست للمشروع الصهيوني. وتشمل فصوله العناوين التالية: "حاضنتها الجغرافية"، "تحصيناتها"، "نشاطها العمراني"، "سكانها"، "تشكيلاتها الإدارية وسيادتها"، "إدارتها ومراكز القيادة والتحكم"، "الإجماع الشعبي المحلي"، "الإجماع العربي والاسلامي"، "الإجماع الدولي". بالإضافة إلى ذلك هناك ملحق صور تنتمي إلى تلك الحقبة بما فيها صور لبيوت عائلة الوعري في حي البقعة في القدس، وهي صور مثيرة يتجاور فيها الاعتداد بماض متجذر مع حزن مقيم بين شقوق الجدران. 

قد لا يبدو في أطروحة الكتاب الكلانية، حول مركزية القدس ما هو جديد، سواء أطلقنا عليها  الوصف الحديث "عاصمة" أم لم نفعل. بيد أن الجدة هنا تكمن في غزارة المعلومات وتأريخ الجوانب التفصيلية للمدينة، بكثافة وتوسع، في فصول البحث المُتعددة، وهو ما تستحق عليه نائلة كل الاحترام على وقتها ومثابرتها.

بيد أن الإشكالية الأهم في الكتاب والتي تستحق وقفات نقدية أوسع من هذه الإشارة العابرة، وسوف تتقبلها نائلة بصدر رحب، تتعلق في غياب التأطير التحليلي والفكري الذي يموضع أطروحة "ازدهار القدس" في تلك الحقبة، اقتصاديا، إعلامياً، عمرانيا، سكانياً، سياسيا وسوى ذلك، في سياق المشروع البريطاني الاستعماري وسيطرته وخططه لتحويل فلسطين إلى وطن لليهود. 

أي أن تطوير فلسطين وتحديثها كان يشتغل على التوازي مع الخط الاستعماري التكويني والناظم وهو نزع فلسطينيتها وتسهيل تهويدها، بما في ذلك القدس. "مطورو الازدهار" الأساسيون هم قادة الاستعمار البريطاني، اما الموظفون فهم فلسطينيون ويهود، والهدف تقديم خلاصة هذا الازدهار إلى اليهود. كان هناك وعلى وجه التأكيد ازدهار فلسطيني ذاتي ومستقل عن الاستعمار، وفي مجالات متعددة، لكنه كان جزئيا ولم يحتل قلب المشهد، وهو الذي احتلته وسيطرت عليه بريطانيا في الواجهة والصهيونية في الخلفية.

 

كيف يمكن مصالحة، أو تفكيك، "مرحلة الازدهار" هذه مع تعمق المشروع الاستعماري البريطاني والصهيوني؟ هل من الممكن القول إن تعاظم مركزية القدس وازدهارها في تلك الحقبة، وهي السنوات الأهم التي غطاها البحث، وكما هو الحال في بقية المدن الفلسطينية، لم يكن ازدهاراً فلسطينيا صرفا، ولا طبيعيا.

 



على سبيل المثال، في الفصل الثالث من الكتاب والذي يتحدث عن النشاط العمراني في القدس، يتوقف القارىء بتململ أو حتى بإمتعاض أمام هذا العنوان الجزئي: "مرحلة الإزدهار ١٩١٧- ١٩٤٨" وهي المرحلة التي تصف النشاط العمراني في القدس خلال حقبة الاحتلال البريطاني.

 

كيف يمكن مصالحة، أو تفكيك، "مرحلة الازدهار" هذه مع تعمق المشروع الاستعماري البريطاني والصهيوني؟ هل من الممكن القول إن تعاظم مركزية القدس وازدهارها في تلك الحقبة، وهي السنوات الأهم التي غطاها البحث، وكما هو الحال في بقية المدن الفلسطينية، لم يكن ازدهاراً فلسطينيا صرفا، ولا طبيعيا. 

الجزء الأكبر من ذلك الازدهار كانت مساراته مُخطط لها بدقه، واندرج عضويا في المشروع البريطاني البالفوري الذي كان يؤهل فلسطين ومدنها "المزدهرة" كي تصبح "الوطن القومي لليهود" بحسب نص صك الانتداب، لا أن تصبح وطنا مستقلا لفلسطين وعاصمته القدس، ولا حتى كي تتموضع على مسار نهوض فلسطيني مستقل ولو بعيدا في المستقبل.


التعليقات (1)
نسيت إسمي
الخميس، 19-05-2022 01:18 م
'' إليه يسرج في قناديله، وحتى لو كان الزيت ... '' في الحديث عن ميمونة، وهي غير زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، فقال: "ائتوه فصلوا فيه"، وكانت البلاد إذ ذاك حربًا، "فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يسرج في قناديله". وليس من جملة مهام هذه المقالة مناقشة أمر صحة الحديث من جهة إسناده، أو تفنيد قول القائلين بنكارته من جهة متنه، ولكنه يصلح مفتتحًا للقول إن هناك من لم يزل يسرج دمه في سماواته. والحق أن ما ثبت من فضائل بيت المقدس، ومنه المسجد الأقصى خصوصًا، أوسع من أن تحيط به مقالة، ومن أثبتها ما قرّره الكتاب من بركة للمسجد الأقصى وأنه غاية الإسراء، ثم ما شرّعته السنة من فضل الصلاة فيه، وشدّ الرحال إليه. وإن كان الحال كذلك مقطوعًا به ولم يزل بعد المسجد في حكم الروم، وفيه الصلبان والتماثيل، فليس ثمة نكارة في أمر إرسال الزيت إليه يسرج في قناديله، وحتى لو كان الزيت منبعه بلاده لا الحجاز؛ فالأمر على أصل مسجديته وقداسته التي لا تزول بتدنيسه، وقد كان قبلة المسلمين، وعلى علم النبي بفتحه ومآله، ولكن أيًّا كان الأمر، فقداسته وبركته وفضل الصلاة فيه كل ذلك ثابت لا يعوزه مزيد من حديثه صلى الله عليه وسلم. كان كلام النبي، صلى الله عليه وسلم، في جملة كلامه، عن المسجد الأقصى، مبينًا أمره بالنسبة للمسلمين، وهو لم يزل بعد في حكم الروم، وذلك لا يعني إلا أن أمر هذا المسجد ثابت لا يزول بأي طارئ، وإنما الزوال للطارئ عليه، وذلك كلّه والمسلمون على حالهم الأول، وقبل اختراع الوطنيات القائمة الآن، والتي عمرها عقود من سنوات فحسب، بيد أن الفلسطينيين وحدهم الذين على الحقيقة يدافعون عنه، لا يسرجون الزيت في قناديله، ولكنهم يسرجون دماءهم في سماواته. والحال هذه، يتصرف المسلمون، والعرب في قلبهم، وهم مادة الإسلام، وألصق المسلمين مكانًا بالأقصى، يتصرفون وكأن فلسطين خالية من هذه القداسة التي جُعلت لهم في كل حين وآن، لا لسكان البلاد وحدهم، حتى والمسجد في حكم الروم، فنقاشهم كله، حول القضية الفلسطينية مجرّد تمامًا من أمر المسجد وواجبهم نحوه، وذلك غالبًا مقصود لأنه ينقض كل ادعاأتهم بخصوص القضية الفلسطينية. ولو أخذنا مقارباتهم للقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة فحسب، لوجدناها تنقسم إلى مقاربتين زائفتين ضالتين. والحديث هنا عن السلطات السياسة التي تهيمن على المجال العام في البلاد العربية، فتشتغل على إعادة هندسة وعي شعوبها، وتحول بين الشعوب وواجبها تجاه مقدّساتها. أمّا المقاربة الأولى، فهي تلك الرسمية المعلنة التي تتوخى الرصانة المخاتلة، فتزعم أن أصحاب القضية قد رضوا بالقليل من حقهم، وأن العرب لن يكونوا أوصياء عليهم، ولا ملوكًا أكثر من أصحاب الشأن، وهي مقاربة كاذبة، تستند إلى مغالطة مفضوحة، يمكن تبيانها في ثلاث نقاط. الأولى: أن هذه المغالطة تتعمد إقصاء المسجد الأقصى عن الصورة، فطمس المسجد، أو محاولة تهويده، أو هدمه، أو تقسيمه، أو إحلال مكان عباد لليهود فيه؛ جهود عربية بقدر ما هي جهود صهيونية، إذ إن إقصاء المسجد من المقاربة العربية الرسمية لا يعني في المحصلة إلا طمسًا له، وهو ما يفعله الصهاينة، وسبب هذا الإقصاء هو التغطية على حقيقة مواقف السلطات العربية الرسمية، ولاسيما بعض المشرقية منها، فالمسجد الأقصى ليس شأن الفلسطينيين وحدهم، كي تُتخذ خيارات الفلسطينيين ذريعة للتخلي عن القضية الفلسطينية. الثانية: أن خيارات الفلسطينيين المشار إليها في هذه المقاربة الرسمية، هي خيارات قيادتهم المتنفذة، وهي أي تلك الخيارات على علاتها وسوئها وخطورتها، لم تتنازل بعد عن المسجد الأقصى، ولكن الأهم في ذلك، أن هذه الخيارات لم تكن في جانب أساسي منها، لولا خذلان العرب، ومحاصرتهم لمقاومة الفلسطينيين، ودفعهم تلك القيادة المتنفذة إلى هذه الخيارات المدمّرة. الثالثة: أنه ورغم ذلك كلّه، لم يزل الفلسطينيون، وحدهم، الذين يقاتلون بلحمهم ودمائهم، لأجل المسجد المقدس لدى المسلمين، ويكفي أن نذكر بعضًا من العناوين الكبرى في نضالاتهم، (هبة البراق، مجزرة المسجد الأقصى، انتفاضة الأقصى، انتفاضة القدس…)، وإن كان المطلوب من العرب في أصل الأمر، والحديث دائمًا عن السلطات، العمل على تحرير المسجد الأقصى، أو في أضعف حالاتهم دعم مقاومة أهل فلسطين، فقد صار المطلوب الآن، في لحظتهم الأشد رداءة وبؤسًا الكفّ عن التآمر على فلسطين وأهلها وشعبها ومقاومتها! الجزيرة نت (بقلم كاتب فلسطني ساري عرابي). "كانت القدس على مر التاريخ مقصداً للزيارة والمجاورة، تلك المدينة المقدسة التي حرص المسلمون شرقاً وغرباً على زيارتها في مواسم الحج والعمرة".