هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا حول التغيير الكبير في ميزان القوى العالمي بين صعود متزايد للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في مقابل تقهقر روسيا.
وذكرت الصحيفة أن روسيا فشلت في غزوها المتهور لأوكرانيا، حيث رأت أنه "بغض النظر عن كيف ستنتهي الحرب، فإن الحقيقة هي أن موسكو تبدو غير قادرة على هزيمة دولة مجاورة صغيرة نسبيا، بينما أصبحت أمريكا وحلفاؤها أكثر اتحادا مما كانوا عليه منذ سنوات، فيما بات حلف الناتو على وشك أن يصبح أكثر قوة مع إضافة فنلندا والسويد".
وقال أستاذ الإستراتيجية الكبرى، هنري كيسنجر، في أحد منتديات فاينانشيال تايمز هذا الشهر: "إننا نعيش الآن حقبة جديدة تماما".
وأضاف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "أخطأ بشكل واضح في تقدير قدرات روسيا على الحفاظ على مشروع كبير، وعندما يحين وقت التسوية... لن نعود إلى العلاقة السابقة بل إلى وضع سيكون مختلفا لروسيا بسبب هذا".
وتساءلت الصحيفة الأمريكية عن تعامل الخصوم مع تعثر جيش في المعركة، كما حدث مع روسيا، لافتة إلى أن "المنطق القاسي للحرب" يقول إن القوات المتقدمة يجب أن تتحرك بسرعة لتعزيز مكاسبها والاستفادة القصوى من الوضع الاستراتيجي الجديد.
وأشار المؤرخ العسكري ريك أتكينسون إلى قائمة من الإخفاقات في استغلال الوضع الأفضل بالقول: "فشل جنرال الاتحاد جورج ميد في ملاحقة الكونفدراليين بعد انتصار واضح في معركة غيتيسبيرغ [الحرب الأهلية الأمريكية]. [وفي الحرب العالمية الثانية] حاصرت عمليات الإنزال الأنجلو أمريكية في آنزيو في كانون الثاني/ يناير 1944 عدوا مندهشا، لكنها لم تستطع استغلال هذا الاختراق. وعلى الرغم من النجاح الباهر في حرب الخليج عام 1991، ترك الحلفاء صدام حسين قادرا على ترويع شعبه. و[خلال الثورة الأمريكية] أضاع الجنرال البريطاني ويليام هاو فرصا متكررة لتدمير جيش واشنطن القاري".
ولخص أتكينسون النظام الجديد للمعركة في أوروبا على هذا النحو: "في أقل من ثلاثة أشهر، تغير المشهد الاستراتيجي بشكل عميق، مما أدى إلى تنشيط تحالف عسكري لحلف شمال الأطلسي بدا وكأنه يحتضر تقريبا، مما يقوض إن لم يكن يقضي على الطموحات الإمبريالية الروسية، ويعيد تأكيد القيادة الأمريكية في تحالف قوي من الديمقراطيات الليبرالية ذات التفكير المماثل".
بدورها أشارت الصحيفة الأمريكية إلى ان التاريخ يعلم أهمية اقتناص اللحظة، لكن السياسي كيسنجر، يحذر من أن إدارة بايدن يجب ألا تبالغ في لعب دورها في نجاح أوكرانيا، فقد تصبح هزيمة بوتين قضية فوضوية للغاية، من خلال محاولة روسية يائسة لاستخدام الأسلحة النووية، أو ببساطة من خلال انتشار الفوضى والتشرذم عبر أوراسيا مع تشرذم القوة الروسية.
واعتبرت "واشنطن بوست" أنه على الولايات المتحدة أن تقدم مصالحها في كل اتجاه.
اقرأ أيضا: قتيل روسي بقصف أوكراني.. وواشنطن تعيد فتح سفارتها بكييف
وأوضحت أن مركز ثقل الناتو سيتحول إلى الشرق، حيث تضيف الدول الأوروبية مثل ألمانيا قوتها العسكرية وتصبح أكثر استقلالية عن الطاقة الروسية، كما سيمتد نفوذ الناتو أيضا شمالا، إلى أماكن استراتيجية جديدة بالقطب الشمالي، حيث تنضم السويد وفنلندا إلى الحلف.
وقد تؤدي أوكرانيا القريبة إلى أوروبا إلى جذب روسيا والدول المتبقية التي تدور في فلكها نحو الغرب أيضا، عبر "الخطوة الأولى الصحيحة" التي تتمثل في التحرك السريع لجذب أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال مستشار الأمن القومي السابق توم دونيلون: "لقد دمر بوتين سمعة روسيا كمورد موثوق للطاقة.. بمرور الوقت، سيعني ذلك إعادة بناء لنظام الطاقة البيئي".
وقد تكون أخطاء بوتين مكلفة أيضا بالنسبة للصين، الحليف الرئيسي لروسيا، حيث تعهد الرئيس شي جين بينغ وبوتين بصداقة "بلا حدود" [بين بلديهما] في بيان مشترك في أولمبياد بكين في أوائل شباط/ فبراير، لكن شي لم يتوقع على الأرجح حماقة غزو بوتين، وحافظت الصين على دعم فاتر فقط في الأشهر التي تلت ذلك.
ومع تراجع كل من روسيا والصين، تضغط الولايات المتحدة على شراكاتها الاستراتيجية في آسيا، إذ سيلتقي الرئيس بايدن مع أعضاء الرباعية الآخرين، الهند واليابان وأستراليا، في اليابان في 24 أيار/ مايو.
والأسبوع الماضي، التقى بايدن في واشنطن بقادة من جنوب شرق آسيا، بما في ذلك الشركاء الرئيسيين المحتملين إندونيسيا وفيتنام.
وتحدث دونيلون عن "القوى الوسطى الحاسمة" مثل الهند والسعودية ودول الخليج الأخرى وجنوب شرق آسيا والبرازيل، باعتبارها أماكن "تتمتع فيها الولايات المتحدة بفرص هائلة".
وأمريكا اللاتينية هي منطقة أخرى يمكن للولايات المتحدة توسيع نفوذها فيها استثمارا لنجاحها في أوكرانيا.
وباتت البرازيل، أكبر اقتصاد في المنطقة، شريكا واضحا لأمريكا حتى إن الإدارة وجدت طريقة لتعزيز العلاقات مع فنزويلا، على مقربة من البديل الروسي الكوبي، فأعلنت عن حل وسط يكسر الجمود بشأن إنتاج النفط يوم الثلاثاء.
وخلصت "واشنطن بوست" إلى أن حرب أوكرانيا ذكرت العالم بحقيقة لا مفر منها: القوة العسكرية الأمريكية، والهيمنة الاستخباراتية والشراكات الاستراتيجية قوية للغاية، والتغييرات في ميزان القوى لا تزال جارية، لكن العالم بات مختلفا عما كان عليه قبل 24 شباط/ فبراير، حيث إنه أصبح يسير في طريق أمريكا.