هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلنت الحكومة المصرية عن "وثيقة سياسة ملكية الدولة"، التي تحدد المجالات التي ستتخارج منها لصالح القطاع الخاص، والمجالات التي ستستمر فيها بالشراكة مع القطاع الخاص، والأخرى التي ستزيد فيها استثماراتها، خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وتأتي هذه الخطة ضمن إطار إعداد استراتيجية قومية لتمكين القطاع الخاص، وتحديد أنشطة وجود الدولة والقطاع الخاص.
"ثلاثة محاور"
والثلاثاء الماضي، نشرت صحف محلية مسودة الوثيقة كانفراد لبعض المواقع المقربة من السلطات، معلنة أن الحكومة ستُفصح عن الوثيقة النهائية قبل نهاية آيار/ مايو الجاري؛ لكن التسريبات كشفت عن اتجاه الحكومة للتخلص من جميع استثماراتها وملكياتها بنحو 79 نشاطا.
ووفق الوثيقة، فإن على رأس تلك الأنشطة "الاستزراع السمكي"، و"الثروة الحيوانية"، و"قطاع المجازر"، و"التشييد"- عدا مشروعات الإسكان الاجتماعي- و"أنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية"، و"تجارة التجزئة"، و"صناعات السيارات"، و"الأجهزة الكهربائية"، و"الأثاث"، و"الجلود"، و"الأسمدة"، و"الزجاج".
وفي المقابل، بحسب الوثيقة، تُبقي الحكومة على استثماراتها في 45 نشاطا، مع الاتجاه لتخفيضها والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص، من بينها "الإسمنت"، و"الحديد"، و"الألومنيوم"، و"اللحوم"، و"الطيور"، و"الأعلاف"، و"الألبان"، و"السجائر والدخان"، و"محطات توليد الكهرباء"، و"شبكات النقل والتوزيع"، و"محطات معالجة مياه الصرف".
وفي توجه ثالث، تشير الوثيقة لقرار الدولة الإبقاء على استثماراتها في نحو 27 نشاطا مع الاتجاه لزيادتها مستقبلا، ويتعلق أغلبها بأنشطة "البنية التحتية"، و"القطاعات ذات الأبعاد الاستراتيجية والاجتماعية"، مثل "التعليم"، و"الصحة".
وذلك مع السماح بمشاركة القطاع الخاص ببعض الأنشطة من الـ27 نشاطا منها "تجارة الجملة"، و"محطات إنتاج مياه الشرب"، و"شبكات توزيع المياه"، و"إنشاء الأرصفة، والبنية التحتية في النقل البحري"، و"السكك الحديدية"، و"مترو الأنفاق"، و"النقل الجوي"، و"صناعات السفن"، و"خدمات التليفون الأرضي والاتصالات اللاسلكية"، و"البث الإذاعي والتلفزيوني".
اقرأ أيضا: ما تبعات رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة 2 بالمئة؟
"65 بالمئة للقطاع الخاص"
وتشير الوثيقة إلى أن الحكومة تسعى لزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65 بالمئة، خلال 3 سنوات صعودا من 30 بالمئة حاليا، وذلك عبر إتاحة أصول مملوكة لها بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي.
وتستهدف الدولة المصرية التخارج من الصناعات الهندسية بنسبة 77 بالمئة، والمعدنية بنسبة 40 بالمئة، والكيماوية بنسبة 75 بالمئة، والنسيجية بنسبة 90 بالمئة، والغذائية والمشروبات بنسبة 73 بالمئة، والطباعة والتغليف بنسبة 78 بالمئة، والصناعات الدوائية بنسبة 50 بالمئة.
وتأتي الوثيقة في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من أزمات تفاقمت منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي، التي تبعها هروب الكثير من الأموال الساخنة، وزيادة فاتورة استيراد السلع الأساسية وبينها القمح، إلى جانب تجميد قطاع السياحة، ما دفع الحكومة لطلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
وعمد البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة على الجنيه، وقام بتخفيض سعر العملة المحلية مقابل الدولار بنحو 14 بالمئة، في 21 آذار/ مارس الماضي، وذلك كنتيجة لرفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة.
وهي الخطوة التي نفذتها مصر مجددا الخميس، بقرار من المركزي المصري برفع ثان خلال شهرين لمعدل الفائدة داخل البلاد بنحو 200 نقطة أساس أو بنسبة 2 بالمئة، وذلك بهدف السيطرة على ارتفاعات التضخم الأخيرة داخل البلاد.
خبراء مصريون قدموا لـ"عربي21"، قراءتهم الاقتصادية لوثيقة سياسة ملكية الدولة، ومدى توافقها مع الواقع المصري، وفرص وإمكانيات تلك الوثيقة في تخفيف أثقال الدولة وإنعاش الاقتصاد، ومدى خطورة تخارج الدولة من بعض المشروعات التي ذكرتها الوثيقة.
"لا قيمة لها"
وقال المستشار السياسي والاقتصادي الدولي حسام الشاذلي: "لا شك أن النظام المصري ورئيس وزرائه قد استنفذوا كل المصطلحات الاقتصادية والسياسية التي تتلاعب بتوصيف المنظومة الاقتصادية في مصر، وتحاول تقديم نموذج تلو الآخر للشعب المصري، في محاولات يائسة لإخفاء حقيقة الوضع المتردي لمنظومة القروض التي بناها النظام".
الشاذلي الذي يرأس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا، أضاف لـ"عربي21": "لكن في هذه المرة، فمن الواضح أن رئيس الوزراء قد أفلست مصطلحاته فخرج علينا هذه المرة بوثيقة الفنكوش أو ما أسماه وثيقة سياسة ملكية الدولة، وهي وجه آخر للخصخصة أو بيع الأصول، أو في حقيقة الأمر هي وثيقة سياسة القفز من المركب الغارق".
وتابع: "حقيقة الأمر أن القروض الكارثية لصندوق النقد الدولي التي تعدت مخصصات مصر بمراحل، حيث بلغت أكثر من 12 مليار دولار، مازال الشعب المصري يحاول أن يعرف أين أُهدرت في ظل التردي الواضح في قيمة العملة، وفي جودة الحياة وارتفاع معدلات الفقر في البلاد وسوء منظومات الصحة والتعليم والغذاء".
وأكد أن "تلك القروض اشترط آخرها الذي تحاول المنظومة الفوز به، أن يتم عرض بعض المشاريع التي تملكها القوات المسلحة للبيع في البورصة، ويبدو أن هذا الأمر هو السبب الحقيقي في تلك الوثيقة الفنكوشية".
ويرى أن "النظام استقر على خطوة مدمرة جديدة في منظومة اقتصاده المسموم، وهي ما أسماه تقليل استثمارات الحكومة في قطاعات بعينها، ليحل محلها وبلا شك استثمارات للقطاع الخاص من دول ومؤسسات مختلفة، تسلم قطاعات جديدة من حياة المصريين للأجانب".
وقال الشاذلي: "يجب علينا أن نعي بأنه لا مجال للرجوع للنظام المصري ولا مجال للإصلاح، فقد خرجت الأمور عن السيطرة، وبات بيع الأصول المهمة هو المخرج الوحيد الذي قد يمنح قبلة الحياة لفترة وجيزة للنظام قبل الإفلاس".
وأضاف: "أزعم بأنه لا مفر من إعادة هيكلة اقتصادية شاملة للمنظومة في مصر، قائمة على تغيير سياسي يسمح بمناقشة شروط جديدة مع المؤسسات المدينة والممولة، ويبدأ برنامجا إصلاحيا شاملا يعتمد أوليات جديدة".
تلك الأولويات وفق الخبير المصري "تبني صناعة تكنولوجية جديدة، وتسمح بتطوير سوق متقدم يعتمد على الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويدعم سياسة مختلفة للتعليم والبحث العلمي، تركز على أولويات التعليم المؤسسي والتحول الرقمي، وقد يكون هذا هو السببل الوحيد لإنقاذ مصر من إفلاس محقق".
اقرأ أيضا: عائلة مبارك: سنطالب مجلس الاتحاد الأوروبي بتعويضات
"ثلاث نقاط خطيرة"
الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكرالله، قال؛ إن "هذه الوثيقة التي جاءت مدمجة، والتي تتوالى تسريباتها وتتناول شرح الأمور المدمجة بها صحف محلية وخبراء وثيقو الصلة بالدولة، يوجد بها مجموعة من الخطوط العريضة التي يمكن تناولها بالتحليل والنقد".
وفي حديثه لـ"عربي21"، كشف عن الخط الأول منها، موضحا أن "الدولة أعلنت صراحة عن مشروع كبير لخصخصة ما تبقى من القطاع العام وعدد ضخم من ملكياتها بمشروعات متنوعة، هذا العدد الكبير لم يكن مطروحا على طاولة الدولة منذ القرض الأول لصندوق النقد نهاية 2016، ما يعني أنه توجه مصري جديد".
أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، أكد أن "ذلك يعني ببساطة أن الدولة تواجه مشكلة في إيرادات النقد الأجنبي، تأثرا بمجموعة من العوامل الكثيرة منها؛ أقساط وفوائد القروض المستحقة العام الحالي والقادم والذي يليه".
ولفت إلى أنه "قد يكون هذا التوجه هو نوع من الإجبار فرضه صندوق النقد الدولي، أساسه التنازل عن الخطط العامة أو مشروعاتها العامة، لقاء الحصول على قرض جديد من الصندوق".
وأشار إلى أن "حديث الوثيقة عن الخصخصة قد يشمل كلا الأمرين معا، بمعنى أن هناك توجها من الدولة بالتنازل عن الأصول وإجبار من الصندوق على ذلك في الوقت نفسه، وهو ما يقابله حاجة مصرية حثيثة إلى الأموال بالعملة المحلية أو الأجنبية يوفرها برنامج خصخصة".
الخط الثاني في الوثيقة، وفق ذكر الله، هو أن "هذه المشروعات مدرة للربح للدولة، وهو ما يثير التساؤل، عن كيفية تسديد الدولة أقساط قروضها، وهل ستأخذ أموال الخصخصة لتسديد القروض؟ وما بال وحال القروض الجديدة، كيف سيتم سدادها؟ خاصة في ظل توجه الدولة على استكمال مشروعات الأبهة كما يسميها خبراء أجانب".
الخبير المصري واصل تساؤلاته، قائلا: "لماذا تبيع الدولة الشركات الرابحة؟ وإذا باعت أرباحها من تلك الشركات، فكيف تسدد ما عليها الآن من قروض وأقساط وفوائد؟ أم إنه ترحيل للمشكلة دون حلها؟".
الخط الثالث، وصفه ذكر الله، بأنه "شديد الأهمية"، موضحا أنه "متعلق بتقييم الأصول"، مشيرا إلى أن "هناك أسسا عالمية معتبرة للتقيم، فعندما تبيع شركة يوجد مثمن قانوني قضائي له خبرة بتثمين الجزء العقاري والجزء السائل وجزء الشهرة، وهي أمور تستغرق وقتا ولا تحدث بين ليلة وضحاها".
وأكد أن "هناك استسهالا من الحكومة بزج هذه المشروعات بالبورصة، وبغض النظر عن أسباب ذلك، فهو أمر معيب للغاية، ويجب أن يخضع كل مشروع من هذه المشاريع على حدة، إن اتفقنا في الأساس على إمكانية أو جواز بيعه أو الموافقة على بيعه، لعملية تقييم حقيقية عن طريق مثمنين حقيقيين خبراء دوليين محايدين لا تشوبهم شائبة".
وتحدث عن عيوب بصفقة تملك "صندوق ثروة" في أبوظبي لبعض الأصول المصرية 21 آذار/ مارس 2022، بينها حصة 18 بالمئة من البنك التجاري الدولي، موضحا أنها "كانت معيبة للغاية ومجموعة من الشركات الرابحة وزنت ولم تقدر بـ2 مليار دولار"، مشيرا إلى أن "مثل هذه الأمور في التقييم تثير التساؤل حول التلاعب في القيم الحقيقية لهذه المشروعات".
وسجل ذكرالله اعتراضه الكامل على "خصخصة مشروعات وأصول الدولة المصرية وبالأخص المشروعات الاستراتيجية، وعلى رأسها مشروعات رأس المال الاجتماعي وفي مقدمتها الموانئ، وكل المشروعات التي تمس الأمن القومي المصري".
"تخارج مثير"
الخبير الاقتصادي المصري الأمريكي محمود وهبة، انتقد الوثيقة واعترض على لفظ "التخارج"، مؤكدا أنه "كلام لصندوق النقد غير صالح للاستخدام الآدمي".
وتساءل: "هل يشمل التخارج خروج الجيش والصندوق السيادي من هذه القطاعات؟ وكيف تسترد الشركات والأصول من الجيش والصندوق السيادي؟"