سياسة عربية

9 لوحات فنية تجسد مجزرة شنيعة للاحتلال في غزة (شاهد)

زينب فتاة فلسطينية عاشت مجزرة لعائلتها ارتكبتها قوات الاحتلال في غزة- عربي21
زينب فتاة فلسطينية عاشت مجزرة لعائلتها ارتكبتها قوات الاحتلال في غزة- عربي21

تحكي 9 لوحات فنية رسمتها فنانة فلسطينية خرجت بعد 12 ساعة من تحت حطام منزلها المدمر بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي، قصة المأساة التي عاشها وما زال يعيشها قطاع غزة بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر. 
 
وبعد عام على نجاتها من القصف الإسرائيلي، ترجمت الفنانة التشكيلية زينب شكري القولق (22 عاما)، تخصص آداب لغة إنجليزية، من سكان قطاع غزة المحاصر، بعضا مما مر به القطاع من أوقات صعبة ومأساة إنسانية، تعرض فيها المواطنون الفلسطينيون لمجازر بشعة من جيش الاحتلال. 
 
القولق التي هدم منزلها فوق رأس عائلتها، فقدت 22 شخصا من أفراد عائلتها، بينهم أمها وثلاثة من إخوتها، في إحدى غارات جيش الاحتلال في أثناء عدوانه على قطاع غزة في أيار/ مايو 2021. 

 

اقرأ أيضا: فنانة في غزة خرجت من الركام لتوثق مجازر الاحتلال (شاهد)
 
قصة المجزرة الإسرائيلية بحق عائلة "القولق" التي وقعت يوم 16 أيار/ مايو 2021، والتي هي نبذة مختصرة عما حدث للكثير من العائلات الفلسطينية في القطاع، تجسدها الفنانة الفلسطينية في 9 لوحات فنية، تحكي بعضا من الألم العميق الذي يسكنها، والذكريات الجميلة التي دفنتها صواريخ الاحتلال، لتظهر للعالم الشيء القليل من جرائم جيش الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني. 
 
هذه اللوحات نظمت في معرض فني في غزة في الأسبوع الماضي، أشرف عليه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين، تحت عنوان: "عمري 22 عاما وفقدت 22 شخصا". 
 
وبدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يوم 10 أيار/ مايو 2021، وتسبب القصف الإسرائيلي العنيف بتدمير المئات من المنازل والأبراج والشقق السكنية والطرق الرئيسية والأماكن العامة وشبكات المياه والاتصالات والإنترنت، إضافة إلى تدمير العديد من المؤسسات الحكومية المختلفة، وتشريد الآلاف من بيوتهم، وترك المئات من الصواريخ والقذائف والقنابل التي لم تنفجر. 
  
وأدى العدوان الذي استمر 11 يوما، إلى ارتكاب جيش الاحتلال 19 مجزرة بحق 19 عائلة فلسطينية، من أكثرها فظاعة ما جرى مع عائلة "القولق"، التي قتل جيش الاحتلال منهم 22 فلسطينيا. 
  
ووصل عدد الشهداء العدوان إلى 254 شهيدا، بينهم 66 طفلا و39 سيدة و17 مسنا، والجرحى إلى أكثر من 1948 مصابا بجروح مختلفة، بحسب إحصائية وصلت إلى "عربي21"، من وزارة الصحة الفلسطينية. 
 
وهذه هي اللوحات مع نصوص قصتها كما كتبتها الفنانة القولق: 
 


ماما أمل، وأختي هناء، وأخي أحمد، وأخي الأكبر طاهر، وجدي أمين، وجدتي سعدية، وعمتي بهاء. زيد وآدم وأمهما دعاء، ووالدهما عزت. زوجة عمي ختام، وعمي فواز، وابنه عبد الحميد، وابنه الآخر سامح وزوجته آيات، ويتوسطهم طفلهم قصي وابنة عمي ريهام. حلا، ورولى، ويارا، ووالدهم محمد. 

 
كنت أتخيلهم واحدا تلو الآخر بداخل تلك الأكفان، كلما انتهيت من رسم أحدها، ودعت قريبي الذي تخيلته بداخله. اثنان وعشرون كفنا، اثنان وعشرون روحا رحلت في ليلة وضحاها. تلك الأكفان ليست متشابهة كما ترى على الإطلاق، كل كفن منها يحتوي على قريب/ة لي.

 


صراخ وهلع وبكاء وأصوات الصواريخ المدمرة، كان الأطفال والنساء أكثر أشخاص خائفين، لم يدركوا ما يحدث، هذا صوت أمي ويد أختي ونظرة أخوَايَ، وشكل الحائط الذي أمامي وهو يتشقق، وهذه الأرض التي ابتلعتنا، والمبنى الذي انهال فوقنا، ثم الأسقف التي قسمت ظهورنا والحجارة التي جرحت أجسادنا، والرماد الذي نتنفس وأجسادنا العالقة، والظلمة الحالكة والدم الذي يسيل، وانعدام الهواء ورائحة الركام والتراب الذي نبتلع، والحجارة اللعينة التي فصلتني عن أهلي الذين كانوا بجانبي، وصراخي وصراع أفكاري وصراخي وصراع أفكاري وصراخي وصراخي إلى أن تلاشى صوتي حتى اختفى تماما. 
هذا ما تذكّرني به الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وقتما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية بيتي الذي أسكن، حينما فقدت اثنين وعشرين فردا من عائلتي، بينما كنت أنا الُأخرى أصارع الموت. 
 


مر 12 شهرا وأفزع من رقمهم، مر عام!.. يستفزني مرور الأيام وشمس كل صباح، ما زلت أنتظر أن أفتح عيني كما عهدت دوما على ابتسامة أمي واهتمامها المفرط بي كطفلة. متلهفة لحضنٍ واحد من هناء. اعتدت السهر مع أحمد ليخفف عني عبء أيامي بضحكاته، ما زالت ضحكاته تتردد في أذني للحد الذي يجعلني ألتفت أبحث عنه. اشتقت لفنجان قهوة واحد مع طاهر لنفتح حديثا ونمر بألف قصة لم ننهِ أيّا منها، ولكننا نضحك أخيرا، لم يكن أخا عاديا، فقدت أخي الأكبر وصديقي المفضل. لا أستطيع الالتفات لبُرهة إلا و ذكرى لأحدهم أو لجميعهم تباغتني، هلكت روحي شوقا. ألم الفقد يتسع، يزداد بمرور الوقت، ولا يهدأ ولا يسكن ولا يصمت. 


ما أنا إلا صدوع ألم تتسع وندوبٌ لا تلتئم. 
 


لم أتخيل يوما أن تضيق عليّ الأرض وتبقى المقبرة هي المكان الوحيد الذي أستطيع فيه إخبار عائلتي بأني تخرجت أخيرا، لم أتصور قبلا أني لن أكون قادرة على إخبار أمي كم كنت ممتنة لليالي الاختبار التي نامتها بجانبي لطمأنتي، لكل كوب قهوة أحضرته لي في ساعة متأخرة من الليل بينما كنت أدرس. لم أخبر أختي هناء بعد كم آنسني دعاؤها وأحاديثها حين كنت خائفة من الاختبار.. لم أتخيل كيف لأحلامنا التي تمنيناها طويلا أن تنقلب لكابوس بشع، أن تنتهي أعوام من الدراسة وقد أصبحتُ جثة ترتدي زي تخرج. 
 


تخذلني ذكرياتي ومحاولاتي، كلما أردت ردم الصدع في روحي اكتشفت أنه يتسع. لا تعلم معنى أن تحتضن أختك أو أخيك تطمئنه وقلبك يرتجف! أن تخبره ألا يخاف وأنت هو الخائف! 


أن يلجأوا إليك لتضحكهم أو تخبرهم قصة كما اعتادوا، بينما تنظر إليهم وتتمنى أن تقول لهم ليخبرني أنا أحدكم قصة تنسيني ما يحدث حولي. ربما أزالوا الأنقاض من فوقي، ولكن من سيزيلها من داخلي! 
 


منذ سنة واحدة فقط، كان الجميع حولي. كانت المرة الأخيرة لأن يجتمعوا سويا، لدي صور ومقاطع مصورة توثق ضحكات ذلك اليوم. لدي صور لم يبقَ منها أحد سواي، نذوب من الفقد، وبات الليل يسكننا، كما باتت مآسيه تبتلعنا. 
 


ربما كانت معضلة عائلتي أن الحنان يفيض منهم، صغارهم يبقون أطفالا حتى وإن كبروا، يطعموننا الحب ويسقوننا الاهتمام، أن تكون طفلا لهذه العائلة، يعني أنه سيكون في جعبتك محاصيل حب من الأجداد للآباء للأبناء، أن يكون قلبك معلقا بجميعهم، لم تكن تخلو تفاصيل أيامنا منهم. في يوم كهذا، كنت أحصل على قبلة من أمي قبل نومي، وحضن من أختي عند استيقاظي، تدفئ قلبي رسالة حب طويلة من أخي الأكبر ودندنة وضحك من أخي الأصغر، كنت سأحصل على حضن دافئ من جدتي وقبلات من جدي وأمشي ودعواتهما تحفظني، وكلمات غزل تطرأ عليّ من عمتي، و دعاءٌ يرافقني من زوجة عمي، كانت أمي ستخبرني مجددا تفاصيل ولادتي وعيونها تلمع والحب يفيض.. أخاف الملابس المعلقة، أبكي أرواحها الغائبة. 


لوحةٌ ألوانها اختلطت بالدموع، أقسى ما خطّت يداي. 
 


عزيزي رجل الدفاع المدني، شكرا لأنك استطعت ملاحظة تحريكي لطرف قدمي في جسد خائرت قواه، رأسه عالق للأسفل بين حجارة كبيرة، صوته غير مسموع، وظُنّ بأنه جثة. شكرا لأنك استطعت ملاحظتي في الثواني الأخيرة بعدما باتت الجرافة بجانبي وقد غرزت أسنانها بالقرب مني، حتى بت أرتعش من حرارتها، وأنا عاجزة تماما عن إيصال صوت قد حُبِس في داخلي. شكرا لأنك صرخت بأني لست جثة، وبأن يجدوا حلا آخر لانتشالي! 


شكرا لرجل الدفاع المدني الذي أصرّ على إنقاذ والدي رغم صعوبة الموقف وبدائية الأدوات، ذلك الذي كاد يختنق مقابل إيصال الأوكسجين لوالدي. شكرا إلى جميع أفراد الرجال المدني نساء ورجالا؛ الذين انتشلوني وعائلتي من تحت ذاك الركام، رغم صعوبة الموقف واستحالة أسباب النجاة، ورغم الطائرات التي كانت ما تزال تقصف من فوقهم. سخيفة جدا كلمة شكرا في مواقف كهذه، لا شيء يوفي حقكم أو يقّدر جهودكم. 
 


اثنتا عشرة ساعة بتفاصيلها كافة، كنت أراجع ذكرياتها ثانية بثانية وأنا أرسم اللوحة، حتى إنني سمعت صوت المسعف مرة أخرى وهو يحاول معرفة مكاني تحت الركام، شعرت أني اختنق مجددا، كنت ألتفت باحثة عن مصدر رائحة الرماد والتراب التي سيطرت عليّ، حتى إنني نظرت للأرض وتخيلتها تهوي، أمسكت بهاتفي، تشبثت به، ووضعت رقم المسعف نفسه أمامي، في حال أي طارئ! 


أذكر آخر ما قلته له قبل أن تنفد بطارية هاتفي، أسمع مرة أخرى صوت هاتفي وهو يهوي من يدي للأسفل ويرتطم بالركام، أراني وأنا عاجزة أحاول، أراني وأنا خائرة القوى أحاول، أراني وأنا أشاهد بطارية هاتفي تنفد وأنا ما زلت عالقة تحت الركام وأحاول، أراني في ظلمة حالكة في ألم شديد في جروح غامرة، أراني وأنا أفقد صوتي وأنا أبحث عن هواء وأنا أبتلع التراب وأحاول، وما زلت حتى اليوم أحاول. 


التعليقات (0)