عائلة معارض معتقل تقوم بحملة للكشف عن الوجه الفظيع للسيسي

كشفت صحيفة "صندي تايمز" في تقرير لمراسلتها لويز كالاهان عن حملة لعائلة علاء عبد الفتاح السجين في مصر للإفراج عنه. وقالت الصحافية إن عبد الفتاح استقبل في اليوم الأول من سجنه بالسجن الأمني بـ"حفلة"، فقد عصبوا عينيه وجردوه من ثيابه إلا ملابسه الداخلية وضربوه بوحشية على ظهره ورقبته. وأثناء ركله ولكمه قال ضابط أمني رفيع له: "هذا المكان بني لأشكالك ولن تغادره أبدا".

وتعلق كالاهان بأن التعذيب والضرب والظروف الرهيبة هي أمور معروفة داخل السجون المصرية التي تقول منظمات حقوق الإنسان إنها الأفظع في العالم. مع أن عبد الفتاح، 40 عاما، هو واحد من أشهر الناشطين المؤيدين للديمقراطية في مصر وحكم عليه في العام الماضي بالسجن لمدة خمسة أعوام بتهمة نشر "الأخبار المزيفة"، اتهامات يقول مؤيدوه إنها صورية ولها علاقة بآرائه السياسية".

وعبد الفتاح مواطن بريطاني أيضا حيث تقول عائلته إن ضربه هو تحذير للآخرين ورسالة بأنه لا أحد آمن.

وقالت شقيقته منى سيف، 36 عاما، التي حضرت مع شقيقته سناء إلى لندن للقيام بحملة تدعو للإفراج عنه: "كان من الواضح أن المستوى الجديد من العنف، ليس معنا فقط هو تعبير عن أنه: إن فعلوا هذا مع ناشطين معروفين فتخيل ما يفعلونه مع الآخرين".

وبعد 11 عاما من الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك الذي حكم مصر بالحديد والنار عدة عقود، فقد باتت البلاد في قبضة اضطهاد وحكم شمولي متطرف يتخلل كل ملمح من المجتمع.

ويشرف على النظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، مدير مخابرات مبارك السابق وسيطر على السلطة في عام 2013 بعد إطاحته بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي، الذي دعمته حركة الإخوان المسلمين. ومنذ ذلك الوقت فقد أشرفت المؤسسة الأمنية الضخمة على عملية اعتقال واسعة بدرجة بات المصريون يتمازحون بينهم بأنه لم يبق هناك من يعتقله الأمن.

ويخيم القمع على كل مجال في الحياة العامة، فرجال الأمن يقفون أمام دور السينما ويتعرضون للناس الذين يتحدثون لبعضهم البعض في الشوارع حول الفيلم الذي شاهدوه، خشية تآمرهم.

ويحضر ممثلون عن الجيش إلى استديوهات التصوير للتدقيق في نصوص الأفلام، وأي شخص يهمس بالمعارضة على منصات التواصل الاجتماعي يواجه خطر السجن المباشر. ونتيجة لكل هذا، فقد باتت السجون مزدحمة بظروف سيئة كما تقول منظمات حقوق الإنسان. وتقول شقيقة علاء، سناء سيف، 28 عاما: "الدروس التي تعلموها (الأمن) هي أن مبارك لم يكن حازما بالقدر الكافي".

واليوم يواجه النظام الذي دعمته دول الجوار ومليارات القروض من المنظمات الدولية، أزمة دين واقتصاد يترنح. فقد زادت أسعار الخبز، المدعم بشكل كبير بدرجات خيالية، بشكل قاد لهمس عام. وللرد فقد رفعت الدولة من وتيرة القمع.

وبالنسبة للكثير من المصريين فالسيسي هو طاغية، لكن الحكومة البريطانية تتعامل معه كحليف ثمين وشريك تجاري، يسيطر على أكبر دولة تعدادا للسكان ويزعم أنه يلاحق الإرهاب ويقدم معلومات استخباراتية ثمينة للغرب.

وفي كل عام يتدفق عشرات الآلاف من السياح المصريين على منتجع شرم الشيخ أو يسافرون لاكتشاف وادي الملوك إلى جانب ملايين الجنيهات التي تضخها بريطانيا إلى الخزينة المصرية على شكل مساعدات أو دعم عسكري وبيع الأسلحة لجيش متهم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

ويقول تيموتي كالداس، الزميل في السياسات بمعهد التحرير بواشنطن: "ربما كانت فترة السيسي الأسوأ في تاريخ المصريين". و"لكن عندما تخدم الدول مصالح بريطانيا، فإنها لا تتعرض من الناحية العامة، لنفس مستوى النقد والتمحيص (مثل بقية الدول) رغم أنها تقوم بانتهاكات حقوق إنسان على نفس القاعدة أو أسوأ". ولكن هذه العلاقة وفي حالة السيسي، باتت محلا للامتحان، ففي العام، منح المدون وخبير برمجيات الكمبيوتر، الجنسية البريطانية من خلال والدته ليلى سويف، المولودة في بريطانيا. إلا أن مصر رغم علاقاتها مع بريطانيا فقد منعت الدبلوماسيين البريطانيين من زيارة عبد الفتاح لتقديم الدعم القنصلي له. بل وواصلت الدولة معاملته بطريقة سيئة ودون خوف من المساءلة، كما تقول شقيقتاه.

اقرأ أيضا: والدة علاء عبد الفتاح: إضرابه مستمر حتى حريته أو الموت (1)

وعاش علاء لمدة عام في زنزانة باردة جدا بدون شبابيك تحت الأرض. وكان يأتي لمقابلة عائلته في زيارة لمدة 20 دقيقة يرتجف من البرد. وتقول منى: "كانوا يجبرونه على الاستماع لتعذيب بقية السجناء وبالصواعق الكهربائية". وحرم من الكتب، والقلم والأوراق، ما دفعه في بعض الأحيان للتفكير بالانتحار. وتعلق سناء، مخرجة الأفلام: "الأمور التي حطمته، ليس عدم خروجه للتشمس، بل الكتب". وأضافت أن الأمن "يعرف أنها آلية صمود كبيرة وأنها تغذي عقله، ولهذا فهم يفهمون أهمية منعها، ولم يحصل على كتب منذ ثلاثة أعوام".

وفي نيسان/ إبريل بدأ إضرابا عن الطعام، ونقل منذ ذلك الوقت، وفي انتصار صغير لعائلته إلى سجن أقل شدة وسمح له بالحصول على بعض الكتب. لكنه لم يستطع رؤية ابنه خالد، 10 أعوام، الذي يعشق والده مع أنه كبر ووالده في السجن. وفي رسالة لعائلته من زنزانته قال عبد الفتاح إنه سيواصل إضرابه عن الطعام حتى يسمح بزيارة القنصل له. إلا أن مسؤولي السجن يزعمون كذبا أنه يحصل على ثلاث وجبات في اليوم. وكتب: "إنهم كذبة ولا يستطيعون تقبل وجود أشخاص على الجانب الآخر، ناس يهمهم قول الحقيقة كقيمة ويشعرون بتأنيب الضمير لو انحرفوا عن قسمهم بالقصد أو الخطأ". وأضاف: "أؤكد على مطالبي والتي تقف مع العدالة مهما تشوهت المعاني والقيم".

وتقول الشقيقتان إن المسؤولين البريطانيين يعملون من خلف الأضواء لتأمين الإفراج عنه، وربما مقابل تخليه عن جنسيته المصرية وانتقاله إلى بريطانيا. إلا أن التحركات ليست سريعة بالقدر الكافي، وفي ظل تدهور حالته الصحية.

وقالت منى: "لم يكن عبد الفتاح السيسي قادرا على القيام بهذا الكم من الجرائم والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان لو لم يحصل على دعم من بقية الحكومات مثل الحكومة البريطانية" و"لا شك في هذا وهو يعرف هذا ويستفيد منه بالكامل. وهو ما يمنح الحكومة البريطانية تأثيرا لكنهم لا يستخدمونه لدفعهم لاحترام القانون وحقوق الإنسان ولو بالحد الأدنى". وأضافت سناء: "هذان البلدان هما حليفان، ومن الغريب أن يرفض حليف بريطانيا السماح بهذه الحقوق الأساسية، أي اتصال القنصل، ويجب أن تلزم حليفك بأعلى المعايير".

ووصفت الشقيقتان محاولتهما إخراج شقيقهما حيا قبل فوات الأوان، وتعلق منى: "هذه فرصة وحيدة بيدنا، حيث يوجد طريق قانوني وسياسي لإخراجه" ولو "ضيعنا هذه الفرصة فقد فاتت. وسيكون مصير علاء هو السجن مدى الحياة ونعرف هذا".

والمعارضة هي جزء من حياة العائلة، فوالدهما قضى حياته في الدفاع عن حقوق الإنسان ودخل إلى جانب زوجته أستاذة الرياضيات بالجامعة السجن. وكذا خالتهما أهداف سويف، الكاتبة والروائية مؤلفة "خريطة الحب". واعتقلت سناء لأول مرة في سن العشرين من عمرها، ومنذ ذلك الوقت سجنت ثلاث مرات، وقضت آخرها سنة ونصف السنة بناء على تهم "التحريض على الجرائم الإرهابية" و"إساءة استخدم منصات التواصل الاجتماعي".

والآن تقول العائلة إنها مستعدة للتخلي عن حياة الكفاح السياسي والعيش بهدوء في لندن مقابل الإفراج عن علاء. وستواصل الكفاح لو مات في السجن. وتقول سناء: "أريد مستقبلا براقا وأريد أن نعيش حياة طبيعية، وأقول هذا عنا جميعا" و"لكن استمروا بعمل هذا، ولو مات شقيقي في السجن فسيتغير كل شيء".