هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نعم أسميها فرصة ذهبية؛ لأن النظام اليوم في حاجة ماسة للمعارضة لخلق مناخ يقبله الغرب ويعمل على مساعدة مصر اقتصاديا ويتغاضى عن الحكم العسكري القائم في مصر، ولكن بتقليل انتهاكات حقوق الإنسان والحبس والقتل والتعذيب. ومطلب الحوار الوطني هو مطلب غربي وبضغوط أمريكية بالتحديد، ولذلك على المعارضة الضغط والتمسك بشروط توضع فيما بينهم، والأفضل أن تكون من الداخل والخارج وعدم الرضوخ لما يمليه النظام كما يفعل دائما.
على المعارضة المصرية أن تتعامل مع بعضها بشكل مختلف عما سبق، هذا الحوار هو لفتح المجال السياسي وللإفراج عن كافة المحبوسين السياسيين من كافة التيارات، ولذلك يجب تجنب الصدام الأيديولوجي الذي ما زال قائما. ولسنا هنا لحل هذا النزاع، والذي يجب أن يأخذ المرتبة الثانية بعد الانتهاء من ملف المعتقلين وفتح المجال السياسي، ولا نريد تكرار 11 شباط/ فبراير 2011 مرة أخرى.
بالنظر بدقة منذ أن أعلن السيسي فكرة الحوار الوطني، والتي لم يضع لها قواعد أو أسسا للحوار، قام النظام باستقطاب بعض قوى المعارضة من الداخل، وقام بعقد عدة اجتماعات معها في محاولة تلقينهما مدى مقدرة النظام على الحوار والإفراج عن بعض المسجونين من تيارات معينة، ولذلك نجد أن المعارضة في الخارج بالذات تحاول تفسير تلك القواعد أو وضع شروط في محاولة لكي يكون لها دور مباشر أو غير مباشر في ذلك الحوار، وسيتم عقد حوار مواز في الخارج قريبا.
النظام وما يصدر من إعلامه يتحدث أن الدولة حاليا مستقرة، وأن النظام بعد قضائه على الإرهاب بدأ الآن في التفكير في فتح المجال السياسي والقيام بالإفراج عن بعض المساجين، وبالفعل قام النظام بالإفراج عن عدد قليل من المساجين، ولكنه لم يتوان في القبض على آخرين وكذلك في إصدار أحكام على البعض بشكل تعسفي ولا يبشّر بالخير. والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح هو مثال صارخ، حيث أنه تمت تبرئته ثم وضع في قضية أخرى لكي يضمن النظام استمرار حبسه وإبعاد رئيس حزب ومرشح سابق للرئاسة عن الساحة السياسية بالكامل، بل ويعرض حياته للخطر نظرا لما يعانيه من أمراض.
علينا تحليل وفهم الوضع الذي وجد النظام نفسه فيه بعد السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة لمدة تسع سنوات منذ 3 تموز/ يوليو 2013. النظام خلال تلك السنوات التسع لم يكن عنده أي دافع للحد من العنف والتعذيب والتنكيل بكل من يتجرأ على إبداء رأي أو يقوم بنقد، أو تعليق على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقام النظام بإقصاء جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تم وضعهم على قائمة الإرهاب، وقام بالقبض على أغلب نشطائها في الداخل ويطارد من خرج من مصر، ثم تفرغ لنشطاء ثورة يناير وكل من لهم علاقة بها باتهامهم بالانتماء لجماعة إرهابية، والكثير من القصص والأمثلة نعرفها جميعا.
النظام لم تكن لديه أي نية في فتح المجال العام، نظرا لخوفه من الشعب والنزول للشارع وتكرار ما حدث في يناير 2011، ولذلك وجدنا النظام متربعا على السلطة وليست لديه أي أسباب في تغيير الوضع الراهن خلال تلك السنوات التسع، وبالفعل نجح في إرهاب الشعب من أي حراك شعبي.
والسؤال المهم اليوم: لماذا بدأ النظام في التحدث عن فكرة الحوار الوطني؟ هناك بعض النقاط نستطيع أن نحددها عند الإجابة على هذا السؤال.
- تأزم الوضع الاقتصادي في مصر بالذات وفي العالم مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. الوضع الاقتصادي المصري يسوء نظرا للسياسات الخاطئة من النظام والتركيز على المشاريع التي تفضلها السلطة من إنشاء طرق وكباري ومبان، وكلها مشاريع مهمة ولكنها لا تساعد على تشغيل العاطلين عن العمل، مع استخدام الجيش العساكر المجندين، بالإضافة لعدم جلبها أرباحا بعد انتهائها. والمطلوب مشاريع منتجة توظف عاملين وتربح وتُدخل عائدا مستمرا.
الحرب تسببت بمشكلة في استيراد القمح ونتائجها ستظهر قريبا، بالإضافة لقطع الدعم للمواد الرئيسية والتي يعتمد الكثير من المعدومين عليها، وتفشي الفساد الواضح بين من يدير أي مشاريع من أفراد القوات المسلحة. ونجد أن الأسرة المصرية تعاني من غلاء في المعيشة من كافة النواحي؛ من مسكن وغذاء وصحة ومرافق ومواصلات.
- الدعم العربي والدولي يكاد أن ينعدم نظرا للظروف الاقتصادية العالمية، وأكثر ما يتم من دعم يكون على شكل ودائع في البنوك، وليس كما كان الحال في السابق.
- تزايد قيمة الديون الخارجية والداخلية كما لم يحدث من قبل في تاريخ مصر، وصعوبة تسديد فوائد تلك الديون، ويتم أخذ ديون جديدة لتسديد فوائد الديون، وكذلك عملية بيع الأصول المصرية التي تزايدت بشكل كبير، ولن أخوض في تفاصيلها هنا.
- الضغوط الدولية في ملف حقوق الإنسان والديمقراطية والتي يحاول النظام التهرب منها، ومع سوء الوضع في السجون ومعاملة المساجين بشكل فج يعرفه العالم وتتحدث عنه المنظمات المحلية والدولية لحقوق الإنسان، فإن هذا يضع النظام في مأزق، بالإضافة لتصريحات الرئيس بايدن عن عدم إعطاء أي شيك على بياض لديكتاتور ترامب المفضل، لذلك نجد أن النظام في وضع صعب إن لم يغير من سياسته.
- مؤتمر المناخ الذي سيعقد في مصر في خريف 2022 والذي تحضره كافة الدول مع المنظمات الحكومية والأهلية. وقد تمت كتابة انتقادات عن الوضع في مصر، والكثير من الناشطين سيقومون بالتظاهر كما يحدث خلال تلك المؤتمرات، ولا أعتقد أن النظام سيكون قادرا على الحد من حريات المشاركين في هذا المؤتمر على مسمع من العالم، وهي فرصة أخرى للمعارضة تجب الاستفادة منها.
- ظاهرة خروج بعض الأفراد بفيديوهات وتسريبات من داخل النظام في الفترة الأخيرة، بشكل يظهر أنه توجد معارضة من داخل النظام تسرب لتحريك الشعب ضد النظام، والبعض قد يصنفها شائعات، ولكن الكثير منها حدثت أو تحدث في الكتمان، بالإضافة إلى أن الكثير منها تمس السيسي وأسرته بالذات والمقربين منه، وبعضها بدأ في 2019 عندما قال السيسي إنه يبني القصور وسيبني المزيد. ولا يخفى على أحد أن المعارضين للسيسي نفسه يتزايد عددهم داخل مصر، والكثير منهم يتحدث علنا في وسائل المواصلات في حين أن ذلك كان من المستحيل في السنوات الماضية.
النقاط السابقة هي من بعض الأسباب وليست كلها، وهي سلاح قوي في أيدي المعارضة في الداخل والخارج، وعليها استخدامها بقوة وبوضوح وبشكل مفتوح أمام النظام. وطبعا النظام هو الذي يحتاج المعارضة وليس العكس، كما كانت الأحوال في السابق.
على المعارضة في الداخل والخارج العمل على وضع شروطهم وتخطي أي شروط يريد النظام وضعها، وعليها رفضها بالكامل بدون خوف، وسيأتي النظام ويتحاور معها ويطلب التفاوض. وبالطبع لا بد من التنسيق بين الداخل والخارج بغض النظر عن أن النظام يروج بأن المعارضة في الخارج تحاول إسقاط مصر، وهي دعاية وضيعة من نظام يدعي الوطنية وفي نفس الوقت يفرط في الأرض والحدود المائية وفي حصة مياه النيل. كل من يدعي الوطنية ويخون الآخرين هو بعيد عن الوطنية ولا يفهم معنى الوطنية. ويتم التشكيك في وطنية أي مصري لأنه ينتقد السياسات، برغم أن من ينتقد هو من يريد الإصلاح لمصر ولشعبها، ولذلك يجب علينا ألا نمشي في ركب قيادة عسكرية أفشلت مصر وشعبها لمدة 70 سنة.
النظام يتلاعب بعقول المعارضين ويضع شروطا ولجانا للإفراج عن بعض المحبوسين ظلما، ويظن أنه بذلك يتلاعب على الغرب وعلى المصريين في نفس الوقت. ومن المعروف أن المعارضين السياسيين جميعا تم التخلص منهم للاستيلاء على السلطة، فتم تلفيق تهم للحكم عليهم وزجهم في السجون. والنظام استخدم بعض القضاة الفاسدين لتنفيذ ذلك، والكل على علم بذلك.
إن كان النظام صادقا في أي حوار وطني حقيقي فلديه السلطة للإفراج عن كافة السجناء السياسيين غدا بدون أي تكلفة، وإرجاع المظلومين إلى أحضان ذويهم، ثم يتم الحوار الوطني لفتح المجال السياسي وللعمل معا على النهوض بمصر وشعبها بعد حجر النظام على المواهب المصرية في الداخل والخارج في المشاركة في النهوض بمصر لكي نصبح مثل كافة الدول.
الحرية هي السبيل الوحيد للنجاح، ومصر لديها من الخبرات والدراسات تجعلنا دولة قوية اقتصاديا في فترة قصيرة.
إن المنتفعين من المعارضين في الداخل يتحاورون مع النظام ويقررون من يتم إقصاؤه، ومن يمكن أن يفرج عنه ومن يظل في السجون. تلك هي طريقة الانبطاح للسلطة العسكرية التي ظلمت وسجنت، وهي وسيلة للانتفاع الشخصي للشخص أو فصيله السياسي. ومن يريد التفاوض مع النظام على هذا الأساس فعليه الصمت والتحدث عن نفسه فقط، وليترك بقية المعارضة للضغط ونيل ما تريده، فهي تمتلك كل الأوراق حاليا لو استخدمت بحرفية سياسية وقدرة على التفاوض.