هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما إن تنقضي إساءةُ أحد السياسيين أو المتثاقفين للنبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى يطلع علينا نكرةٌ آخر بتغريدةٍ أو تصريحٍ يستهدف ويتقصّدُ الإساءة للجناب الشّريف، ويتطاول على مقام النبيّ صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه الكرام.
المسكُ فاح
الخنفساءُ السَّوداء قبيحةُ المنظر، نتنة الرائحة، إذا وُضِعَت في باقة الورد والزهر تختنق وتموت، ولا تنتعش إلا إذا وضعت في كومة سِباخٍ وقاذوراتٍ، ولا تعيشُ إلا في قلب النَّتنِ والرائحة الكريهة.
هكذا هو صنفٌ مِن النّاس لا يستطيعُ أن يعيشَ في رحيقِ السموّ ويخنقه عبيرُ الطّهر، ولا يحيا إلا في مستنقع الانحرافِ ولا يستنشقُ غير نتنِ الشّذوذ.
يخنقهُم المسكُ إن فاحَ في الأرجاء، وتضوّع في هذه الدّنيا، ولذلك تراهم يغيظهم أن يعبّر المسلمون عن بالغ حبّهم لنبيّهم صلى الله عليه وسلم، ويستفزّ أحقادهم أن يروا المسلمين يملؤون المواقع والصّفحات بما يعبّر عن شوقهم لسيّدهم ونبيّهم وحبيبهم صلّى الله عليه وسلّم؛ فسرعان ما يستنفرون أقلامهم التي يخنقها هذا العبيرُ الفوّاح لتنفث سمومها وأحقادَها عبر التّطاول على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تحت ستارٍ بائسٍ من النّقد الفكريّ والتّقييم الثّقافيّ.
سياسة "التبوّل في بئرِ زمزم"
يذكرُ ابنُ الجوزيّ في المنتظم: "بينما الحُجّاجُ يطُوفون بالكعبةِ ويغرفُون الماءَ من بئرِ زمزمٍ، إذ قامَ أعرابيٌّ فحسَرَ عن ثوبه، ثمّ بالَ في البئرِ والنّاسُ ينظُرون! فما كانَ منهم إلا أن انهَالُوا عليه بالضّربِ حتى كادَ يموت، فخلّصه حُرّاسُ الحَرَمِ منهم وجاؤوا به إلى أمير مكّة فقال له: قبّحَكَ الله، لِمَ فعلتَ هذا؟! فقال: حتى يعرفني النّاسُ فيقولون هذا الذي بالَ في بئرِ زمزم"!
هذا ما يفعله تماما كتّاب ومتثاقفون نكرات، فكلما وجد أحدهم أنّ النّاس لا يكترثون له ولا يعبؤون به؛ هاجم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو أحد أصحابه ليصبح "الترند" على وسائل التواصل الاجتماعيّ وينال شهرته المنشودة.
إنّه داء الرّغبة في الشّهرة الذي يدفع هؤلاء إلى سلوك سياسة معارضة النّاس والإساءة لهم حين يكونون في أشدّ حالات إقبالهم على فكرةٍ أو شخص، فسرعان ما يقتنصون الفكرة للظّهور كحال هذا الأعرابيّ؛ فيشمّرون ويقذفون دنسهم في البئر الزلال حتّى إذا رأوا غضبة النّاس علت أصواتهم بالتّباكي على حريّة الرّأي والتّعبير.
التّباكي على حريّة التّعبير
وما إن يحقّق هذا النّموذج شهوته في أن يُشارَ إليه بالبنان، ويغضب النّاس لأجل نبيّهم وأسوتهم ويعبّرون عن غضبهم ويهاجمونه بسبب تطاوله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو أحد أصحابه؛ فإنّه يرفع على الفور راية الدّفاع عن حريّة التعبير ويتباكى على قمع الحرّيات الذي يعانيه من المسلمين، وغياب النّقاش الفكريّ لما يطرحه!!
وهذه شعارات رنّانة يمتطيها هؤلاء من أجل تبرير هجومهم على مقدّسات المسلمين، ومنها التّطاول على حبيبهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وهنا لا بدّ من تجديد التّأكيد على الدّوام أنَّ هناك فرقا كبيرا وبونا شاسعا بين حريّة التعبير وبين حريّة السبّ والشّتم والسّخرية والاستهزاء.
إنَّ التّطاول على النبيّ صلى الله عليه وسلم والإساءة له أو التهجم على أحد أصحابه، كخالد بن الوليد رضي الله عنه، لا يمكن أن يندرج تحت لافتة حريّة التّعبير، بل هو إغراق في الإسفاف والابتذال والتّشهير الذي لا يرتضيه أحد سواء أكان شخصا أو مؤسّسة أو دولة؛ بحقّ رموزه ومقدّساته.
وهذه الاستهانة بمشاعر المسلمين في السخرية والإساءة المباشرة لأعظم شخصيّة عندهم أو رموزهم من الصّحابة الكرام ليست سوى جريمة أخلاقيّة وفكريّة؛ تستوجب على المسلمين التحرّك لإعادة وضع الأمور في نصابها من حيث التّفريق بين حريّة التعبير والتّشهير، وبين ازدراء المقدّسات وبين نقد الأفكار وتدافُعها لبلوغ الحقائق.
كما أنَّ من حقّ المسلمين أن يتحرّكوا قضائيّا لرفع دعاوى في الدّول التي تعدّ ازدراء الأديان والتشهير بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم جريمة يعاقب عليها القانون.
ومن واجب المسلمين ومن حقّهم أن يثوروا غضبا لنبيّهم صلى الله عليه وسلّم ولرموزهم من الصحب الكرام، على أن يكون هذا الغضب راشدا وفاعلا وليس نوعا من جرّهم إلى معركة انفعاليّة لا يختارون توقيتها ولا ساحتها؛ وتحقّق هدف المسيء في الشهرة وبلوغ الآفاق.
twitter.com/muhammadkhm