كتاب عربي 21

الفارق الجوهري بين اجتماعي "سلوق" و"الأبرق"

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
أعقب اجتماع مدينة سلوق (50 كم جنوب غرب بنغازي)، اجتماعا في مدينة الأبرق (200 كم شرق بنغازي)، والفارق بين الاجتماعين كبير من عدة أوجه، أولها أن الأول كان جهدا اجتماعيا طوعيا لا علاقة للسلطة في الشرق به، بل لم تخف تخوفها منه ومعارضتها له، فيما كان ملتقى الأبرق عملا رسميا بامتياز.

خطاب تجمع سلوق الذي ضم مكونات اجتماعية مثلت جل تكوينات الشرق الليبي، من بدو وحضر، ومختلف القبائل الرئيسية ممثلين عبر وجهاء معروفين، كان بنَّاء يجنح للسلم والوحدة وتكريس الديمقراطية عبر صندوق الانتخابات، مبتعدا عن تقديس الأشخاص، إذ لم يشر البيان الختامي إلى حفتر وجيشه، كما هي العادة في مختلف الاجتماعات والملتقيات، ورافضا الاستقطاب الذي ساد منذ الانقسام السياسي العام 2014م، فيما كان حفتر هو محور اجتماع الأبرق وتبجيله مقدما ضمن أجندة الملتقى.

اجتماع سلوق، الذي وُصف بالتاريخي حتى من قبل مبرزين من المعارضين لحفتر ومن ناصروه من بين الحاضرين للاجتماع، مثّل حالة متقدمة من الحراك الذي تشهده مدن الشرق الليبي منذ هزيمة حفتر وجيشه وداعميه من روس وغيرهم في الحرب على العاصمة عام 2020م.
الأسباب خلف تبلور هذا الموقف وانتقاله من حالات التعبير الفردي عن السخط من الوضع في الشرق الليبي إلى فعل جمعي ضاغط؛ ترجع إلى الاعتقاد بأن مشروع حفتر تحول من عملية عسكرية لاستئصال الإرهاب وجهد مؤسسي لبناء الجيش واسترجاع مكانته في المنظومة الرسمية للدولة، إلى مشروع سياسي للوصول للسلطة، يوظف ما توفر من إمكانيات للجيش لتعزيز نفوذ حفتر

فقد كانت الغاية واضحة، وهي تقديم ليبيا والمصلحة العامة لليبيين بمختلف توجهاتهم واتجاهاتهم على المصالح الجهوية وعلى حكم الفرد والعائلة وعلى الاستقطاب السياسي. وبرغم وصول رسائل مباشرة وصريحة تعبر عن تحفظ حفتر وأنصاره على الاجتماع، وما تبع ذلك من إجراءات لمنع انعقاده، إلا أن وضوح الموقف لدى المنظمين والإصرار عليه كان كافيا لعقد الاجتماع. ولقد كان الحضور مؤشرا على تجذر هذا التوجه.

الأسباب خلف تبلور هذا الموقف وانتقاله من حالات التعبير الفردي عن السخط من الوضع في الشرق الليبي إلى فعل جمعي ضاغط؛ ترجع إلى الاعتقاد بأن مشروع حفتر تحول من عملية عسكرية لاستئصال الإرهاب وجهد مؤسسي لبناء الجيش واسترجاع مكانته في المنظومة الرسمية للدولة، إلى مشروع سياسي للوصول للسلطة، يوظف ما توفر من إمكانيات للجيش لتعزيز نفوذ حفتر وأبنائه وبني عمومته، وما اقترن بهذا التوجه من سلوكيات منحرفة باتت حديث الجميع ودافعا لسخطهم.

اجتماع الأبرق ضروري لحفتر في محاولة للتغطية على اجتماع سلوق وردود الفعل القوية عليه في الشرق والغرب، وهو مهم بدرجة أكبر له؛ لأن مرور اجتماع سلوق دون رد مكافئ سينعكس سلبا على اتجاه الحوار والتفاوض في القاهرة، خاصة أنه جاء قبيل انطلاق الجولة الثالثة للحوار، المعنية بمسائل تهم حفتر؛ من بينها شروط الترشح للانتخابات الرئاسية.
اجتماع الأبرق ضروري لحفتر في محاولة للتغطية على اجتماع سلوق وردود الفعل القوية عليه في الشرق والغرب، وهو مهم بدرجة أكبر له؛ لأن مرور اجتماع سلوق دون رد مكافئ سينعكس سلبا على اتجاه الحوار والتفاوض في القاهرة، خاصة أنه جاء قبيل انطلاق الجولة الثالثة للحوار، المعنية بمسائل تهم حفتر

ملتقى الأبرق ربما خفف من ارتدادات اجتماع سلوق، إلا أنه لن يسعف حفتر في التعمية على تصدع القاعدة الاجتماعية التي تمتع بها منذ العام 2014م، والتي كانت من بين أهم أسباب نجاح مشروعه العسكري وتعزيز نفوذه الأمني وثقله السياسي، ولن يسعفه الملتقى في وقف هذا التصدع.

ليس من المستبعد أن يكون من بين أهداف ملتقى الأبرق الضغط على التكتل العريض الذي بات يناوئ حفتر في الشرق، أو لا يواليه في أفضل التقديرات، ذلك أن قبائل الشرق تتحسس بشكل كبير من الانقسام وتصدع النسيج الاجتماعي "البرقاوي"، فليس التهديد بالملاحقة الأمنية مجديا لوجهاء من قبائل وازنة، لكن اتهامهم بتمزيق اللُّحمة "البرقاوية" وتهديد الوئام الاجتماعي في الشرق، قد يدفعهم إلى مراجعة مشروعهم، الذي من المفترض أن يكون له برامجه ومناشطه الممتدة شرقا وغربا وجنوبا.

إن وقع هذا، وهو ليس راجحا في تقديري، فلا يعني أن حفتر لملم شعث نفوذه، ذلك أن المعادلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، تدفع باتجاه تعميق الهوة بينه وبين الرأي العام في الشرق، وخيارات حفتر لأجل جسرها باتت اليوم محدودة.
التعليقات (0)