لم تزل تحاربنا، كما فعلت منذ بداية استعمارها
فلسطين أو ما أسموه "الانتداب على فلسطين" سنة 1920 حتى يومنا هذا؛ فهي بدل أن تقوم بالتكفير عن ذنبها، وتقديم الاعتذار للفلسطينيين، والعمل على إيجاد حل لقضيتهم، تقوم بأسوأ ما يمكن أن تقوم به لمحاربة الفلسطينيين من خلال قراراتها المجحفة، وبعض أبواقها الإعلامية وخصوصا تلك المرتهنة للمكافآت القذرة الممنوحة من جهاز الموساد.
قبل عدة شهور صنفت الداخلية البريطانية "حركة
حماس" منظمة إرهابية، بعد مصادقة البرلمان، وذلك خلافا لما استقرت عليه القوانين الدولية التي منحت الشعوب الحق في تقرير مصيرها ومواجهة المحتل من خلال استخدام القوة. وقد وضعت قوانين الأمم المتحدة مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها في إطاره القانوني؛ ليصبح حقا طبيعيا لممارسته عبر حركات التحرر الوطني. والقرارات والمواد التي صدرت عن الأمم المتحدة مؤكدة حق الشعوب في المقاومة والتحرر كثيرة تحتاج إلى مقالة مستقلة، لكنني أكتفي لذلك بالأمثلة الثلاثة التالية:
1- تنص المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة على شرعية حق المقاومة للشعوب من أجل الدفاع عن نفسها إذا داهمها العدو بقصد احتلالها ".. ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة..
2- قرار رقم (1514) الخاص بمنح البلدان والشعوب المُستعمَرة استقلالها، والتي اشتَهرت فيما بعد بقرار "تصفية الاستعمار"، الذي جاء تطبيقا لمبادئ حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وقد جاء فيه: "إن إخضاع الشعب للاستعباد الأجنبي والسيطرة الأجنبية والاستغلال الأجنبي يشكل إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية، ويناقض ميثاق الأمم المتحدة، ويعرّض السلام والتعاون الدوليين للخطر، وإن كل محاولة تستهدف جزئيا أو كليا تقويض الوحدة الوطنية والسلامة الإقليمية لقطر ما، تتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها".
3- أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974 بالقرار رقم 3214 -في تعريفها للعدوان- بحق الشعوب في النضال بجميع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من أجل الاستقلال وتقرير المصير، بالقول: "إن أي محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولإعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان" .
في حين تغض الحكومات البريطانية المتتالية بصرها عما تسببت به من تشرد ملايين الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل، ممن يعيشون في مخيمات غير آدمية في لبنان والأردن وسوريا وقطاع غزة، ناهيك عن مخيمات الضفة الغربية نتيجة استعمارها فلسطين، وإصدارها وعد بلفور الآثم الذي دمر حياة الفلسطينيين، وشتت الأسر، وباعد بين الآباء والأبناء وقطع أواصر القربى، فتجد بعض أفراد الأسرة الواحدة مشتتين في عدة دول، وبعضهم يعيش في أجواء لا تساعده على ممارسة حياته بشكل آمن، وخصوصا في بعض الدول العربية للأسف، حيث يخضع الفلسطيني لرقابة أمنية مشددة، وهو مسجل على قيد الاعتقال والمساءلة بشبهة الشبهة في أية لحظة..!!
لقد خسر الشعب الفلسطيني مئات الآلاف من الشهداء من خلال المذابح التي قامت بها العصابات
الصهيونية الإجرامية قبل وأثناء سنة 1948، وفي السنوات القليلة الفائتة حرقت طائرات العدو الصهيوني الأخضر واليابس في قطاع غزة عدة مرات، وقتلت آلاف الشهداء، وامتلأت السجون بالمعتقلين، كما استولت سلطة الاحتلال على مزيد من أراضي الضفة الغربية بما يشكل كارثة جيوسياسية، في ظل تقلص غير مسبوق في أراضي الفلسطينيين أمام صمت العالم وتواطئه المخزي..
كان من المفترض أن تتحمل
بريطانيا كلفة ما حاق بالشعب الفلسطيني بسبب إجراءاتها الغاشمة، بدلا من أن تكون شوكة في خاصرة الشعب الفلسطيني. إن المنطق والعقل والقانون والأخلاق تحتم على بريطانيا أن تكفر عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، وأن تعترف بأخطائها التي دمرت شعبا وأخرجته من أرضه وسوغت للاحتلال الاستيلاء على حقوقه وممتلكاته، بل إنها لا تزال تدعم الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا وعسكريا حتى يومنا هذا..
ومن المفارقات أن يكون أحد أشرس المنادين بشيطنة حركة حماس، لا بل كل من يدافع عن الحق الفلسطيني وزير التعليم البريطاني ناظم زهاوي العراقي الأصل، فهو صهيوني أكثر من الصهاينة.
إن من اللياقة ومما ينسجم مع مقاصد التربية والتعليم أن تنأى هذه الوزارة ووزيرها بنفسيهما عن الشأن السياسي الطبيعي، فكيف بالمغرض الذي يخالف القواعد والمبادئ التي كفلتها القوانين الدولية في الحق بمقاومة المحتل الغاصب.
إن الخلط المقصود بين مصطلحي
الإرهاب والمقاومة في ظل عدم وجود تعريف أممي دقيق ومتفق عليه للإرهاب؛ يسهل على المؤيدين للاحتلال الصهيوني وصم حركات المقاومة بالإرهاب، بالدوس على الضمير الإنساني الذي بات مجرد مفهوم مفرغ من الداخل، يحلو لبعضهم استخدامه حيث يجد ذلك مكملا تجميليا لكلامه ليس إلا.. وفي ظل عدم وجود محددات لمصطلح الإرهاب؛ يجعل الحكم بالإرهاب على الحركات التي تحمل السلاح باطلا، ذلك أن ثمة مبدأ مفاده أن "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني".
وجدير بالذكر أن الجرأة التي بات بعض الساسة في الغرب يصدرون عنها في التغول على الفلسطينيين واتهام بعضهم بمعاداة السامية، والانتقاص من فلسفة المقاومة والتصدي للمحتل، ترجع إلى الارتهان الذي أبدته بعض الدول العربية للكيان الصهيوني من خلال عمليات التطبيع المخزي التي بدت فيها هذه الدول مستكينة راضية بجرائم الصهيونية، بل مشاركة فيها بالصمت أو التأييد أو بذل الجهد لإنفاذها، كما حدث في صفقة القرن التي أيدها عدد من الدول المنتمية زورا للوطن العربي. فحين يكون الأخ المفترض راضيا ومشاركا في التنكيل بأخيه؛ فمن الطبيعي أن يتجرأ عليه من كانوا مترددين في مهاجمته والإساءة له، كما هو الحال مع حركة حماس التي تعاديها معظم الأنظمة العربية، وتتآمر عليها كما حدث بوضوح كبير في محرقة 2014 على قطاع غزة الصامد في محاولة للقضاء على حركات المقاومة في القطاع بتحالف صهيوني عربي غربي قذر، سيكتبه التاريخ بأحرف من سخام ودخان.
لكن مع كل محاولات الصهاينة وأذنابهم في الشرق والغرب، إلا أن الرأي العام العالمي بدأ ينتبه لجرائم الصهيونية، وخصوصا لدى الجيل الجديد المتعلم الذي خدمت وعيه شبكات التواصل الاجتماعي والفضاءات المفتوحة بشكل كبير إضافة إلى الأنشطة الاجتماعية والسياسية والفكرية التي نشط فيها الفلسطينيون والعرب في أوروبا والولايات المتحدة وكندا في السنوات الأخيرة.
نتمنى أن يأتي اليوم الذي تعترف فيه بريطانيا بجرائمها في حق الشعب الفلسطيني، وتعتذر له، وتكفر فيه عن جرائمها في حقه؛ لكن ذلك لن يحدث إلا حين نتخلص من حكامنا الخونة وننشئ وطنا يعتز بكرامته وكرامة أبنائه، وتكون له مكانته ووزنه الدولي، وحضوره القوي في خارطة العالم.