انضم
أحد القضاة
العسكريين إلى
المحكمة الدستورية بمصر (أعلى محكمة بالبلاد) في سابقة من
نوعها، بقرار من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، في خطوة وصفها البعض بخلق ذراع عسكري
للسلطة العسكرية داخل المحكمة وسط تجاهل إعلامي لخلفية الرجل العسكرية.
بعد
أيام من قدوم الوافد الجديد أدى رئيس هيئة
القضاء العسكري، صلاح الرويني، الأحد الماضي،
اليمين القانونية لتولي منصبه الجديد كنائب لرئيس المحكمة الدستورية كأول لواء بالقوات
المسلحة بتشكيل المحكمة، منذ إنشائها عام 1979.
المفارقة
هي عدم رغبة النظام في الكشف عن هوية الوافد العسكري الجديد إذ اكتفى نص قرار التعيين
رقم 304 لسنة 2022 الذي أصدره السيسي في السابع من تموز/ يوليو الجاري "بتعيين
القاضي صلاح عبد المجيد يوسف والقاضي محمد أيمن عباس نائبين لرئيس المحكمة الدستورية
العليا"، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (أ.ش.أ).
لم يتطرق
القرار إلى اسم عائلة القاضي "الرويني"، ولا صفته العسكرية ووظيفته السابقة
التي كان يشغلها وهي رئيس هيئة القضاء العسكري، وهو ما تم تكراره أيضا في بيان المحكمة
الخاص بأداء اليمين القانونية أمام الجمعية العامة للمحكمة للقضاة الجدد وعددهم 5 أعضاء؛
عضوان جديدان لدوائر المحكمة و3 أعضاء بهيئة المفوضين.
وكان
السيسي أصدر في شباط/ فبراير 2022، قراراً جمهورياً بتعيين قاضٍ قبطي وهو المستشار
بولس فهمي على رأس المحكمة الدستورية العليا، وهي المرة الأولى التي يتولى فيها قبطي هذا
المنصب، على الرغم من أن ترتيبه كان الرابع بين نواب رئيس المحكمة ما عده البعض تجاوزا
لمبدأ استقلال القضاء.
من تسييس
القضاء إلى السيطرة عليه
وصف
رئيس محكمة استئناف طنطا، المستشار أيمن الورداني، تعيين لواء عسكري نائبا لرئيس المحكمة
الدستورية "بالخطوة التي تكرس سيطرة الجيش على مؤسسة القضاء بشكل مباشر عبر أذرعها
العسكرية، وتؤكد أن النظام العسكري لا يثق إلا في العسكر".
ورأى
في تصريحات لـ"عربي21" أن "مثل هذه السيطرة تمثل خطرا على منظومة القضاء
المصري الذي قام نظام السيسي بتسييسه بالفعل منذ عام 2013، ولكن هذه المرة يقوم باختراقه
وعسكرته لصالح النظام العسكري بهدف السيطرة عليه من أعلى نقطة".
مضيفا
أنه "منذ تقلد العسكريين جميع المناصب في جميع الهيئات التنفيذية وأوضاع البلاد
تمر من سيء إلى أسوأ، وهي رسالة واضحة من السيسي مفادها أنه لا يثق إلا في العسكريين
لإدارة أو السيطرة على القضاء، وأن الأهم هو توطيد أركان حكمه، ولكنه يؤشر أيضا على
تمادي النظام في عسكرة البلاد سياسيا واقتصاديا وقضائيا".
خطوات
عسكرة القضاء
ومهد
السيسي لهذه الخطوة – غير المسبوقة في تاريخ القضاء المصري – عام 2019، بإجراء تعديلات
تسمح بضم القضاء العسكري الذي لم يتم الاعتراف به كجهة إصدار أحكام إلا في دستور
2014، تحت مظلة المجلس الأعلى للقضاء برئاسته ومنحه سلطة تعيين جميع رؤساء الهيئات
والجهات القضائية.
وتحدث
الدستور الجديد عن القضاء العسكري باعتباره تابعاً "للقوات المسلحة"، ووصفه
في المادة 204 من الدستور أيضا بـ"جهة قضائية مستقلة" باعتباره جزءًا من
المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية الذي يرأسه رئيس الجمهورية.
النائب
الأول لرئيس محكمة النقض سابقا المستشار أحمد عبد الرحمن، أكد بدوره أن هذه ليست المرة
الأولى ولن تكون الأخيرة، في إشارة إلى تعيين الرويني نائبا لرئيس الدستورية، وإنما
سيتبعها تعيين قضاة عسكريين آخرين في المحكمة الدستورية.
وأوضح
في تصريحات صحفية أن التعديلات الدستورية الأخيرة جعلت القضاء العسكري جزءًا من السلطة
القضائية بضمه إلى المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية.. ومن ثم لهم الحق في التعيين
بالمحكمة الدستورية وهيئة المفوضين، بل ورئاستها أيضًا.
خطة
لعسكرة القضاء
تشكل
تلك الخطوة بحسب القاضي المصري المستشار محمد سليمان "تمدد سيطرة الجيش إلى السلطات
القضائية والسيطرة عليها باستبدال القضاة بلواءات من القوات المسلحة بدلًا
من القضاة، وهي بمثابة الإعلان الرسمي عن وفاة القضاء الطبيعي في مصر والهيمنة التامة
على منظومة العدالة".
مضيفا
لـ"عربي21" أنه "ليس بالضرورة أن تكون العسكرة بتعيين عسكريين في الجهات
القضائية المختلفة، وإن كنت لا أستبعد أي شيء مستقبلا، ولكن الواقع الذي يشهده القضاء
المصري ومنظومة العدالة في البلاد أشد مرارة".
لافتا
إلى أن "محاولة السيطرة على القضاء ودمج القضاء العسكري مع الهيئات القضائية الأخرى
تؤكد أن أحاديث السيسي عن عدم التدخل في القضاء، وهو بيده مفاتيح التعيين والإقالة،
كلها أحاديث كاذبة مخالفة للواقع الذي لا يراه إلا أعمى".