هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في خطوة تأخرت بضعة أعوام نحو التحول إلى الطاقة
النووية، بدأت مصر وروسيا، الأربعاء، فعليا أعمال إنشاء أول وحدة في محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء، من الوحدات الأربع المزمع إنشاؤها، وسط حفاوة
إعلامية كبيرة.
مشروع الطاقة النووية الأضخم في مصر يعود
الاتفاق عليه بين البلدين عام 2015، ونص على إنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر المتوسط غرب القاهرة بنحو 300 كيلو متر،
ودخلت العقود حيز التنفيذ عام 2017، ولكن العمل ظل معلقا طوال نحو خمس سنوات دون
الكشف عن الأسباب.
وتعد هذه أولى محطات الطاقة النووية في
منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتنفذها شركة روساتوم الروسية العملاقة
والرائدة في مجالها، وتتكون من 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاواط،
بتكلفة تصل إلى 30 مليار دولار.
يأتي قرار البناء في هذا المشروع الحساس رغم
الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر من ناحية، والعقوبات الاقتصادية
العالمية المفروضة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا من ناحية أخرى، ما يطرح
العديد من التساؤلات حول أولوية هذا المشروع الضخم، الذي قد يتأثر سلبا بتلك
الأحداث.
ودخلت مصر العالم النووي للمرة الأولى
بمجرد بدء انطلاق الصبة الخرسانية للوحدة الأولى بالمحطة النووية في منطقة الضبعة،
بحسب بيان هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء المالك والمشغل للمشروع.
طاقة واعدة وبلد عاجز
يقول الباحث في الهندسة النووية
بالكلية الملكية بكندا، الدكتور محمد صلاح حسين: "بدون شك الطاقة النووية هي
الطاقة النظيفة والكثيفة الواعدة للمستقبل، خاصة بعد أزمة الطاقة في أوروبا التي
تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، ومصر في حاجة منذ عقود لدخول عالم
التكنولوجيا النووية وتطبيقاتها السلمية، لكن يبقى السؤال الأهم هل تملك مصر رفاهية
إقامة المفاعلات النووية، رغم الأزمة المالية والاضطرابات العالمية".
وأوضح لـ"عربي21": "مصر
الآن بها فائض من الطاقة يتجاوز 30% من احتياجاتها، ورغم أن النظام شرع في بناء
هذه المفاعلات كنوع من الدعاية له، فلا شك حول أهميتها للمستقبل، ولكن الأزمة
الاقتصادية المصرية التي هي ليست وليدة اللحظة، كانت تحتم على النظام التريث، فضلا
عن أنه لم تكن هناك مناقصة دولية بل كانت بالأمر المباشر، وعن أن العالم كله الآن
يتخلى عن المفاعلات الكبيرة، ويركز جهوده وأبحاثه على المفاعلات الصغيرة الحجم والموزعة؛ لما فيها من أمان وسرعة في البناء".
اقرأ أيضا: لماذا تموّل روسيا محطة الضبعة المصرية من صندوقها السيادي؟
وحذر الأكاديمي الدولي من "مخاطر بناء
مفاعلات كبيرة تعتمد على طريقة تسليم المفتاح من الجانب الروسي، المعروف بأنه شحيح
في إعطاء المعلومات والتكنولوجيا، الذي يجعل مصر تدخل العالم النووي وهي مكبلة الأيدي
والعقول".
وفيما يتعلق بأثر العقوبات الدولية على روسيا، أكد حسين أنه "في ظل العقوبات على روسيا، سيكون هناك صعوبات بالتأكيد متصلة
بالشرائح الإلكترونية التي تضطر روسيا لاستيرادها من الخارج، سواء من تايوان أو
الولايات المتحدة؛ لذا فإنه مما لاشك فيه سيكون هناك تأخير كبير في ظل استمرار
الحرب والعقوبات، وهو ما سيتسبب في تضاعف الفوائد على القرض الروسي، التي يتحملها
المواطن المصري.
وتوقع خبير الطاقة النووية أن يفقد
المشروع ميزته الاقتصادية، وهي رخص سعر الطاقة لأن "المشروع بسبب سوء
التأخيرات المتوقعة وسوء الإدارة، سيكلف أكثر من 30 مليار دولار بعد حساب الفوائد، وسوف يرتفع متوسط سعر تكلفة الكهرباء بأكثر من المصادر الأخرى".
مشروع سياسي وليس اقتصاديا
وصف مدير المعهد الدولي للعلوم
السياسية والاستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير، المفاعل النووي بأنه "كارثة
بكل تأكيد على مصر وشعبها من جميع النواحي وهذا ليس كلاما إنشائيا، ولكنه واقع
تفرضه طبيعة الصفقة التي تمت دون مناقصة أو كراسة شروط، ولكن بالإسناد المباشر
للروس على عكس المتعارف عليه دوليا في مثل هذه الصفقات، وهو ما يثير الريبة حول
التفاصيل غير المعلنة منه".
مضيفا لـ"عربي21": "قام
النائب العام بحظر النشر حول هذه الاتفاقية في كانون الأول/ديسمبر 2015 ليؤكد اللغط المثار حول
جدواها الاقتصادية وملابسات إبرامها، التي لم يطلع عليها أحد، والتي في الدول
المستقرة ديمقراطيا، تطرح أمثال هذه الاتفاقيات للنقاش العام قبل إبرامها بفترة
كافية وليس حظر النشر حولها، كذلك التكلفة المبالغ فيها للمشروع أعباء الدين
الكبير الذي يصل إلى 25 مليار دولار في دولة عاجزة عن توفير الاحتياجات الأساسية
لمواطنيها".
وأشار المنير إلى أن "التكنولوجيا
الروسية في تصنيع المفاعلات النووية متأخرة عن باقي العالم الغربي، مما يجعلنا نفقد
زيادة قدرها 50% في إنتاج الكهرباء على حد قول الخبراء بين الجيل الثالث، الذي
ستبنيه موسكو في مصر والجيل الرابع الموجود لدى عدد من الدول الصناعية، وكان يمكن
فتح مناقصة معهم حول الموضوع، فضلا عن الاحتكار الروسي لنقل التكنولوجيا إلى
الخبراء المصريين، مما يجعل الصيانة والتطوير حكرا على الروس، وأمرا بالغ الأهمية
للأمن القومي المصري مرهونا بيدهم".
واختتم حديثه بالقول: "بناء على ما سبق، هذا
المشروع ليس له جدوى اقتصادية حقيقية، وهو فقط كان رشوة سياسية يشتري بها السيسي
شرعيته في الحكم في 2015 من بوتين، ويحاول أن يحدث توازنا مع الموقف الأمريكي وقتها، الذي كان فاترا تجاهه.
واستطاعت مصر تحقيق فائض في الكهرباء بعد العمل
على رفع الدعم عن الطاقة بشكل تدريجي منذ عام 2014 وبلغ حجم الدعم صفرا في عام
2019-2020، وتحول العجز إلى فائض يسمح بالتصدير من خلال استثمارات في مجال إنتاج
الكهرباء بقيمة 355 مليار جنيه منذ 2014 حتى نهاية 2021. (الدولار سجل 15.60 جنيها نهاية الفترة).