ما زال الجمود السياسي
الذي تحياه دولة الاحتلال، سواء داخليا بسبب حالة عدم الاستقرار الحزبي والحكومي،
أو في العلاقة المتوترة مع
الفلسطينيين، تثير المخاوف لديهم بأن هذا الوضع يشكل
وصفة سحرية لأعدائهم، خاصة حركة حماس وباقي فصائل المقاومة، وبجانبها حركة
المقاطعة العالمية BDS، وفي الوقت ذاته
يعتبر تطورا سيئا للساعين لترسيخ الدولة اليهودية، لأنهم يعتقدون أن الانتفاضة
الثالثة ستأتي لاحقًا، مع مرور الوقت.
مصدر التخوفات
الإسرائيلية
يعود إلى أن العلاقة مع الفلسطينيين جرت العادة بأن تمر كل عدة أعوام بأحداث
ميدانية ساخنة، فقد اندلعت موجة هجمات السكاكين عامي 2015-2016، وقتلت 47 إسرائيليا،
ثم هبة القدس وحرب غزة 2021، وأخيرا موجة العمليات في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل وأيار/ مايو
وقتل فيها 20 إسرائيليا، وبين كل واحد من هذه الأحداث تندلع أعمال مواجهات ميدانية
في مناطق الضفة الغربية وعلى حدود قطاع غزة.
بن درور يميني الكاتب
في صحيفة
يديعوت أحرونوت، ذكر أن "الانطباع الإسرائيلي بأن هذه الأحداث لا
تشكل استدارة عنيفة كبيرة، تدفعهم للزعم بأننا أمام عقد هادئ نسبياً، قياسا بقتلى
وجرحى إسرائيليين في انتفاضة الأقصى، ويعطي الإسرائيليين وهماً بأنهم عثروا على
الصيغة المطلوبة لـ"إدارة" الصراع مع الفلسطينيين، وليس حله نهائيا، لكن
موجات إلقاء الحجارة في شوارع الضفة الغربية، سرعان ما تبدد هذا الوهم، ما يعني
أن الوقت يمضي، والقضية الفلسطينية ترفض النزول عن الأجندة الإسرائيلية".
وأضاف في مقال ترجمته
"عربي21" أن "بقاء العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية في حالة تأرجح،
وعدم حسم، تتحمل مسئوليته القيادة الإسرائيلية المترددة دائما، رغم مبادرات سابقة
أطلقها إيهود أولمرت في 2008، وجولات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري،
ولكن لم يحدث شيء، والنتيجة أننا قد نكون في الطريق الى الكارثة المحققة، مع تزايد
معدلات انزياح الإسرائيليين نحو اليمين بشكل أكثر وضوحًا، وكذلك الحال على الجانب
الفلسطيني".
وتتزامن هذه التحذيرات
الإسرائيلية مع ما يقوم به الجيش يوميا من خوض حالات حربية مع الجيل الفلسطيني
الشاب بلا توقف، غزوات كل ليلة في جنين ونابلس، الآلاف منهم يمتلكون أسلحة
لاستخدامها ضد الجيش والمستوطنين، وسيطرة السلطة الفلسطينية آخذة في التراجع، وأي
إسرائيلي يعتقد أن هؤلاء الشباب الفلسطينيين سيبقون فقط في مخيمات اللاجئين بالضفة
الغربية، وستقتصر عملياتهم على الاشتباكات الليلية الخفيفة مع جنود الجيش، فإنه
مصاب بمتلازمة الوهم.
وهذا يعني أن القناعة
السائدة بين الإسرائيليين، أنه ليس من الواضح متى قد يحدث الانفجار الفلسطيني
القادم، في غضون شهر أو عام، لكن الانتفاضة القادمة في طريقها إليهم، صحيح أن
قيادة السلطة الفلسطينية قد لا تريد ذلك، بزعم أنه لن يأتي شيء من موجة أخرى من
العنف، لكن الشباب الفلسطيني في مخيمات نابلس والخليل وجنين مشبع بالكراهية
للاحتلال، ولأن الجيل السابق أراد إقامة دولة، لكنه فشل في ذلك، ما دفع الجيل
الفلسطيني الشاب لإعلان شعاره الجديد "حق العودة".
وتتحدث المحافل
الأمنية الإسرائيلية عن أن الجيل الفلسطيني الجديد لم يعد يريد دولة، بل يريد قتال
إسرائيل، لأنه غدا أكثر راديكالية وتديناً، لأن فترات الجمود الطويلة بين الجانبين
أسفرت عن نشوء جيل كامل ينمو بصورة أكثر عدائية للاحتلال، ما يعني أن المأزق
السياسي الذي يعيشه الإسرائيليون يعتبر بالنسبة لهم هجوما زاحفا، ليس أقل،
والنتيجة أن الانتفاضة الفلسطينية القادمة ستأتي في وقت لاحق، والمواجهة المقبلة
مع الفلسطينيين لن يشارك فيها الأقلية فقط، بل الأغلبية منهم، وحتى الآن لا يعرف
الإسرائيليون كيف سيتعاملون معها، لأنهم يعيشون ما يمكن وصفها
بـ"غيبوبة" سياسية.