هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد انتهاء العدوان
الإسرائيلي على غزة، بدأت تتكشف معطيات جديدة أمام الرأي العام الإسرائيلي، أهمها
أن قرار الحرب لم يتم اتخاذه في المحافل المتبعة رسميا، وهو مجلس الوزراء، أو على
الأقل الكابينت المصغر، مع أن مجلس الوزراء تم تشكيله لتنظيم عملية اتخاذ القرار
في شؤون الأمن القومي، لكن الهرم في إسرائيل يبدو أنه بات مقلوبا.
مع العلم أن الأيام
الأخيرة شهدت كشف عدد من الوزراء الإسرائيليين أنه لم يجر استدعاؤهم لإجراء نقاش
حول شن حرب على غزة، ومدى الحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء السياسي-الأمني على
بدء العملية، وبعد أن أعلن وزير الصحة نيتسان هوروفيتس عضو الكابينت ورئيس حزب
ميرتس أنه كان من الضروري الموافقة على الخطوة، لكن رئيس الوزراء يائير لابيد، رد
عليه بالقول إن عملية من هذا النوع لا تحتاج إلى موافقة محددة من مجلس الوزراء.
البروفيسور أميحاي
كوهين من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية وعضو هيئة تدريس بكلية الحقوق، ذكر في
مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت، ترجمته "عربي21" أن "رئيس الحكومة
ووزير الحرب بيني غانتس ربما خشيا إن عقدا الكابينت المصغر لإقرار العملية على غزة
أن يتم تسريب ما قيل بالضبط في الاجتماعات السرية، لكن هذا السلوك كشف عن عيب
بنيوي في طبيعة النظام القانوني والدستوري في دولة الاحتلال، خاصة فيما يتعلق بصنع
القرار الخاص بالشروع في العمليات العسكرية، وتبين لاحقا أنه نظام ناقص
بشدة".
اقرأ أيضا: مسؤول إسرائيلي سابق يحذر من نهاية "إسرائيل كدولة يهودية"
وأضاف أن
"المستوى العسكري تابع للسياسي الذي يلزم موافقته لبدء العمليات العسكرية،
كبيرة أو محدودة، ومن الواضح أن القيادة السياسية العليا في القضايا الأمنية
والعسكرية هي الحكومة، لكن الإجابة على السؤال حول متى تحتاج الحكومة بأكملها
لاتخاذ قرارات، ومتى تكون قرارات وزير الحرب أو الكابينت كافية ما زالت غامضة، وهو
ما كشفت عنه حرب غزة الأخيرة، لأن قرار الحرب، بغض النظر عن عمقه الجغرافي وسقفه
الزمني يتطلب اتخاذ قرارات المستوى السياسي في منتدى مهني وواسع، كي يسمح بمناقشة
موضوعية وذات مغزى، إضافة للرقابة والسيطرة الحقيقية على النشاط العسكري".
من الواضح أن قرار
العدوان على غزة تم اتخاذه من قبل شخص واحد أو مجموعة صغيرة، بما لم يسمح بإجراء
مناقشة يتم فيها عرض المواقف المختلفة، وهو ما تكرر في حربي لبنان الأولى 1982
والثانية 2006، حيث لم تشمل إجراء ما يكفي من التشاور مع أعضاء الحكومة
الإسرائيلية، خاصة ممن لديهم معرفة أمنية واسعة، من ذوي الخبرة والمعرفة في مجال
النشاط العسكري، واقتصر الأمر على مناحيم بيغن رئيس الحكومة، وأريئيل شارون وزير
الحرب ورفائيل إيتان رئيس الأركان.
تشير المعطيات التي
بدأت تتكشف حول قرار الحرب على غزة أن الهرم السياسي والدستوري في دولة الاحتلال
انقلب رأساً على عقب، فالقوى الأمنية والعسكرية باتت تحدد أجندة مجلس الوزراء وليس
العكس، مما نجم عنه ضعف بنيوي في تركيبة مجلس الوزراء، الذي ترك أغلبية مراحل صنع
القرار في يد رئيس الوزراء ووزير الحرب وقائد الجيش، دون إجراء بحث معمق ونقد
فعّال، من الطبيعي أن تشهده المناقشات المهمة في مجلس الوزراء، لكن ذلك لم يحصل
فعلا.
مع العلم أنه في ضوء
الزيادة المستمرة في عدد أعضاء الحكومة، فقد يكون من المناسب تحديد الحد الأقصى
لعدد أعضاء الكابينت المقلّص من أجل الحفاظ على مناقشة سرية وموضوعية، صحيح أن
العدوان على غزة جاء قصيرا.
لكن ما حصل من اتخاذ قرار مباغت له، دون إبلاغ باقي الوزراء، يتطلب في المستقبل أن تكون الحكومة ورئيسها أكثر شمولا في قراراتها الخاصة بمسائل الأمن القومي، خشية التعرض لسيناريوهات سيئة، ومن أجل التعامل معها هناك حاجة ماسة لتعديل قانوني.