قضايا وآراء

"فتح الفتوح".. دليل معياري للباحثين ومنتجي المعرفة الذين نتمنى

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
أهداف المقال

1- توجيه ميول النخب المخلصة والموهوبين اليقظين إلى الأزمة والواجب فعله معرفيا (10 في المئة).

2- بيان الواجب فعله وأولوياته وترتيبه فيما أطلق عليه "فتح الفتوح" (20 في المئة).

2- تعريف الموهوبين المخلصين بدليل معياري وخريطة طريق واضحة، نحو بناء وتأهيل أنفسهم لأداء مهمتهم في إنتاج وتمكين المعرفة الجديدة (70 في المئة).

أزمتنا العربية والإسلامية

أصل أزمتنا العربية والإسلامية هو أزمة بشر، في ضعف الكيف والنوع والذي امتد ليشمل غالب العدد. أحدد الأزمة في نقاط محددة:

1- سطحية وهشاشة البنية التربوية الأساسية على مستوى المعتقدات والقيم والمفاهيم والأفكار.

2- غياب الوعي الجمعي الأساسي للمجتمع على مستوى الوعي بالذات وبالعالم من حوله وبالآخر، وبسنن وقوانين الله تعالى والحياة والواقع.

3- تجاهل وتناسي المهمة والدور البعثي الرسالي، وأننا أمة صاحبة رسالة مهمة للعالمين؛ بلغت مبلغا بعيدا من الضعف والهوان والتبعية، وصولا إلى مجتمع القطيع الوظيفي التابع الخادم لغيره من الأمم.

موقع ومكان الأزمة

يتشكل جسد المجتمع والأمة من طبقات ثلاث تدير حركته بالتتابع:

أولا: طبقة المفكرين: ومهمتهم فهم الواقع والدراية بتحدياته ومشاكله، وتطلعاته، واستكشاف الطريق، ووضع الأسئلة والإجابة عليها، وإنتاج المعرفة المتجددة التي تحرك وتقود كل جسد المجتمع.

ثانيا: طبقة المخططين: القادرين على ترجمة الأفكار والمعرفة الجديدة إلى أهداف كبيرة وخطط استراتيجية ومشاريع وبرامج عمل.

ثالثا: طبقة المنفذين: لمشاريع وبرامج العمل التنفيذية في كافة مجالات حياة المجتمع وتحقيق الخطط النظرية إلى أرقام إنتاج حقيقية وتحولات اقتصادية واجتماعية حقيقية؛ يتلقاها المفكرون لترجمتها إلى أهداف سياسية أكثر تحضرا وتقدما، لتستمر بذلك عجلة ودورة حياة الأمة.

ومكمن أزمتنا العربية والإسلامية هو في الطبقة الأولى طبقة المفكرين التي أصابها مرضين:

المرض الاول: الضعف والركود والعجز عن إنتاج المعرفة المتجددة، والتوقف عن الإنتاج المعرفي والفكري، والهروب إلى الماضي لإعادة نسخه.

المرض الثاني: الاختراق والتحول إلى أداة وظيفية لتمرير أفكار مشاريع الخصوم.

النتائج الكارثية لتوقف طبقة المفكرين عن إنتاج المعرفة المتجددة:

توقف الجهاز المعرفي لإنتاج المعرفة المطلوبة للمجتمع أدى إلى:

- تقادم وتخلف كافة أشكال الحياة العلمية والتعليمية والتأهيلية والعملية بالمجتمع.

- تفكك وضعف وتلاشي الهوية وغيابها عن الوجود والتأثير.

- تراكم وتعقد الإشكاليات الداخلية وتحولها إلى أزمات كبيرة.

- التحول إلى مجتمع عشوائي استهلاكي لما يسمح به من المعارف التي ينتجها الآخرين ولمنتجات الآخر المادية، وما يتبعها من خلل في الميزان التجاري وتدهور في الاقتصاد والعملة..

بإيجاز، التحول من مجتمع قابل للاستعمار إلى مجتمع مدمن استعمار واستحمار، ولا يمكن له أن يعيش بذاته.

الحاجة إلى فتح الفتوح

فتح الباب الحضاري الكبير باب الانتاج المعرفي، والذي سيفتح أمامنا كل الفتوحات المتتالية.. جيل جديد من الباحثين ومنتجي المعرفة المتجددة لتحقيق المهام والأهداف التالية:

أولا: سرعة فهم واستيعاب التطور المعرفي والعلمي الجاري في التخصصات المختلفة.

ثانيا: توطين الاحتياجات المعرفية اللازمة وفق أولوياتنا المعرفية.

ثالثا: إنتاج المعرفة الوطنية المتجددة اللازمة لتلبية احتياجاتنا في التخصصات المختلفة.

السمات الأساسية اللازمة في فتح الفتوح

جيل جديد مختلف تماما عن الأجيال السابقة التي تربت ونشأت في ثقافة الضعف والهزيمة والاستهلاك، ورضعت اللبن الفاسد للذل المهانة والتبعية للآخر.

- فتح الفتوح جيل غاضب رافض للتخلف والضعف والعيش بثقافة الاستهلاك والتبعية.

- فتح الفتوح جيل متمرد على القطيع، يفكر ويتحرك خارجه تماما.

- فتح الفتوح جيل من أصحاب العقول الكبيروالمواهب الفطرية البارزة والنفوس الكبيرة التي تعيش لرسالتها، من المهم رصدهم ووتوسمهم واكتشافهم مبكرا وهم على مقاعد الدراسة أو بمجرد الانتهاء منها، قبل أن يتم اختطافهم ودمجهم كجنود منفذة وخدام في برامج ومشاريع الخصوم.

- فتح الفتوح جيل يختار حياته بنفسه، يصنع نفسه بنفسه ويتحدى ويتجاوز الظروف ويعيد صناعة الظروف، ويغير الواقع ويصنع التاريخ.

- فتح الفتوح جيل يعتز بذاته الإسلامية الحقيقية الأصيلة التي تلهمه وتوجب عليه إتمام مسيرة الإنتاج المعرفي والعلم والإنتاج والقوة والتحرر والسيادة الكاملة.

- فتح الفتوح جيل جديد مبتكر يرفض النسخ والتقليد والأفكار التقليدية المكررة الفاشلة.

- فتح الفتوح جيل متحرر من كل أمراض التخلف والهزيمة من فردية وعشوائية وخرافات.

- فتح الفتوح جيل عقلاني منهجي مؤسسي واقعي عملي.

- فتح الفتوح جيل رسالي يحمل هم ومسؤولية وأهداف رسالته المحمدية العظمى، فهما وتطبيقا.

- فتح الفتوح جيل واقعي عاقل حكيم غير متعجل، بعيد النظر يفكر جيوستراتيجيا، لا يبحث عن المنصب والمال والشهرة، إنما يركز على غاية واحدة فقط إنتاج النموذج الإبداعي الابتكاري الذي يفرض نفسه على الواقع، ويدعو الدولة إلى طلب والإلحاح في تنفيذه لإنقاذ المجتمع والدولة.

فتح الفتوح تعد نفسها في بيت الفرعون

ندرك جيدا حقيقة أن الأنظمة الاستبدادية المحلية تدور في فلك الدول الكبرى الاستعمارية، ومشروعها الأساس هو المحافظة على البقاء في السلطة، ودعم استمرار الأوضاع كما هي عليه وقطع الطريق على أية محاولات للإصلاح والتغيير، والمحافظة على مصالح الدول الكبرى. ومن ثم فهذه النظم بوزاراتها ومؤسساتها تعمل بشكل ميكانيكي لتحقيق هذه الأهداف الثلاث، ومن ثم لن تقبل بأي جديد خارج نظامها وصندوقها الأسود الذي تعيش فيها منذ قرن ونصف، ومن ثم يحتاج الأمر إلى حكمة فردية بالغة للتعاطي الإبداعي مع هذا التحدي الكبير، ومحاولة الدخول إليه وإصلاحه في داخل بلادنا.

1- التواصل مع العلماء والمفكرين المخلصين المبدعين من أصحاب العقول الموسوعية الكبيرة، الذين يعملون خارج صنادق الانظمة الساسة والتنظيمات الدينية والصناديق التقليدية الخاصة، والحصول على رعايتهم العلمية والخبراتية اللازمة والاستفادة من تجاربهم وتجارب الآخرين، اختصارا للجهود والمسافات والأزمنة.

2- التحرر التام من أية تنظيمات سياسية أو دينية، والعمل بشكل أكاديمي وطني منفرد يحمل مشروعا كبيرا لنهضة بلاده، ورب فتاة أو شاب ذو عقل وهمّة يحيي الله به أمة.

3- امتلاك غاية واضحة ومحددة لإعادة بناء المواطن والأسرة والمجتمع والمؤسسة والمجتمع بمعنى القوة البشرية للمجتمع، من رحم الواقع الحالي بتحدياته وإمكانياته وفرصه وتفاعلاته الواقعية الحالية.

4- صناعة حلم وخطة استراتيجية لتحقيقه، مع قابليتها للتطوير المستمر في التفاصيل بحسب حراك الواقع والخبرات المتجددة.

5- التوسع في استيعاب التجارب العالمية الناجحة واستخلاص الدروس المتنوعة من كل منها.

6- ابتكار وصناعة نموذج وطني جديد خاص بالواقع المحلي، قادر على تربية وإعادة إنتاج المواطن والمجتمع الحضاري وولوج طريق التحرر والتنمية والنهضة، جاهز وقابل لتطبيقه رسميا على النظام والأجهزة الرسمية للدولة.

7- التحدي الإبداعي يكمن في إقناع الدولة بالنموذج الجديد المبتكر القادر على حل مشاكلها على المدى القريب، وتحقيق الغاية الكبرى على المدى المتوسط والبعيد.

تحديات وإشكاليات أولية تتجاوزها فتح الفتوح

- التعطيل المتعمد لأجهزة التفكير وإنتاج المعرفة، عبر الحرمان المتعمد من تعليم التفكير ومناهجه وأساليبه وأدواته، واستهلاك واستنزاف الطلاب في نظام تعليمي على مدار ستة عشر عاما بالغ التخلف، يعمد لتعطيل عقل الطالب وجهازه المعرفي عن العمل ويجهزه للانضمام تلقائيا إلى مجتمع القطيع.

- فكرة سياسة لماذا نجهد أنفسنا في إنتاج المعرفة وهناك من هو أفضل منا في إنتاجها ونحن نستورها جاهزة من العالم المتقدم.. هذه السياسة التي أسس ورسخ لها العقل العربي المجتمع الخليجي، الذي تعود على الاقتصاد الريعي والكسب والغنى السريع بدون مجهود، عبر استخراج البترول والغاز من الأرض، وتحويله إلى عملة ورقية لاستيراد كل ما يحتاجه، وتم تصديرها إلى بقية العالم العربي.

- الهزيمة النفسية الذاتية والإحساس بالدونية والعجز أمام الآخر المتقدم، وقبول التبعية والعبودية له.

- الاستدراج الجزئي المتدرج الناعم إلى النظام المجتمعي وبيروقراطية الواقع وظروفه شهرا بشهر وعاما بعام ومرور الوقت، وتضييع الفرصة على ولوج طريق فتح الفتوح.

- الغربة والوحشة في مجتمع يفتخر بالتخلف والتبعية والعبودية للآخر، ويحارب كل جديد خاصة الموهوبين، فيحاول تعويقهم والسخرية منهم وتعطيلهم ومحاربتهم بكل ما يستطيع غلى ذلك سبيلا. لكن جيل فتح الفتح يرسم طريقه الجديد على الصخر وينحته نحتا ويشقه شقا. ولا عجب، فهذا منهاج ومسيرة سيد الخلق والأسوة والقدوة ومعلم البشرية، وأستاذ وقدوة جيل فتح الفتوح، محمد صلى الله عليه وسلم.

مراحل الإعداد والتأهيل

اولا: التأهيل العلمي التأسيسي الخاص: من منظومة علوم الأداة والغاية والمكملة، والتي قمتُ بتطويرها وبيانها ورسم خريطتها الحديثة المعاصرة وفق علوم العصر، بعد الجهود الطيبة لعلمائنا في القرون السابقة والتي توقفت على العلوم الدينية فقط.

ثانيا: التأهيل الأكاديمي: وشروطه ومعاييره وأماكنه وكيفية تحقيق بأفضل وأسرع ما يمكن، وتحديد المجال والإطار العام للدراسات العليا بما يخدم الغاية الكبرى.

ثالثا: التأهيل الواقعي: في الواقع العالمي ومدارس بناء الإنسان والمجتمع فيه، وفي الواقع المحلي وأزماته التاريخية العميقة وتحدياته ومشاكله وعقباته الحالية والمتجددة، بمعنى المتابعة المستمرة لحالة المريض المستهدف علاجه، ومسارات وأنواع العلاج الحديث عالميا.

وللحديث بقية عن مجالات ومراحل التأهيل الثلاث الخاصة بجيل فتح الفتوح.
التعليقات (0)