هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يعتبر متحف القرار الثقافي جنوب قطاع غزة واحدا من أهم الشواهد على تاريخ قطاع غزة، والذي يؤكد تمسك الفلسطينيين بهويتهم وتراثهم.
وتحول المتحف الذي يقع في بلدة القرارة والذي اشتق اسمه منها والكائنة شرقي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة إلى مزار تراثي يؤمه المئات من الفلسطينيين يوميا للاطلاع على مئات القطع الأثرية والتراثية التي يحتضنها.
ويصف محمد أبو لحية مدير ومؤسس متحف القرارة متحفه الذي جمع مقتنياته قبل 12 عاما بأنه "دليل حضاري وتاريخي وفكري وثقافي وسياحي".
وقال أبو لحية لـ "عربي21": "إقامة متحف القرارة جاء بمبادرة ذاتية منه ومن مجموعة من زملائه الفنانين بصفتهم فنانين تشكيليين، وذلك لوعيهم بأهمية تلك الأثرية، ولإدراكهم ضرورة الحفاظ عليها".
وأشار إلى أن متحف القرارة عبارة عن موسوعة تراثية وتاريخية تشمل بعض ما حملته أرض فلسطين من رصيد للإنسانية جمعاء، وازدانت به مدن قطاع غزة.
وأضاف: "أرض فلسطين تحتضن أجمل لوحة تاريخية عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ شاملة هذه التراكمية الحضارية الرائعة في كل العصور؛ لذلك كان تجميعي لمتحف القرار الذي يحتوي على آثار من عدة عصور كالفرعونية والبيزنطية والإسلامية وغيرها".
وتعود أولى القطع الاثرية الت كانت نواة هذا المتحف حينما كان أبو لحية (33 عاما) فتى صغيرا يعشق التاريخ والقطع الاثرية حيث تعثر خلال سيره إلى مدرسته الواقعة في قرية القرارة شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة؛ ببعض القطع الأثرية القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، ولكنه لم يتوقف عند هذه القطع بل سعى إلى جمع مثيلاتها ليكّون منها متحفاً تراثياً مصغراً في قطاع غزة يكبر باستمرار".
وأكد شغفه منذ الصغر بجمع هذه القطع الأثرية واقتنائها قبل أن تتشكل شخصيته ويصبح فناناً تشكيلياً يهتم بالثقافة والتراث كان احدى الأسباب الهامة لتأسيس هذا المتحف.
وقال: "جميع القطع الاثرية التي في المتحف احتفظت بها منذ أن كنت طالباً، وكبرت معي وازدادت لتصبح شغفي في تجميع هذه القطع لتساعدني في ذلك دراستي للفنون الجميلة".
وأضاف: "على مدار 12 عاما تقريبا قمت بجمع قرابة 3500 قطعة أثرية وتراثية شعبية، حتى تشكلت لدي فكرة تجميعها في متحف القرار وذلك بمشاركة زوجتي نجلاء أبو نحلة وهي زميلتي في الدراسة والمرشدة في المتحف والتي كان لها الدور المهم في مساعدتي على إقامة هذا المتحف بعد تجميع هذه القطع".
محمد أبو لحية مؤسس ومدير متحف القرارة
واختيار أبو لحية وزوجته بيتاً قديماً كان يطلق عليه اسم "بايكة الحاج جابر الأغا" ليكون مكانا لإقامة المتحف، ومن ثم تمكنا من الحصول على ترخيص من وزارة السياحة والآثار الفلسطينية لإقامة المتحف ودمغ جميع القطع التي يضمها هذا المتحف، وتسجيلها في سجلات رسمية لدى الوزارة.
وأعرب عن أمله أن يتم تحويل المتحف إلى هيئة وطنية عامة، يزورها الناس من داخل المنطقة وخارجها، منبهاً إلى وجود عدد من الصعوبات التي تواجههم خلال عملهم لا سيما العامل المادي.
وينقسم المتحف حسب أبو لحية إلى مجموعة أقسام؛ أولها القسم الذي يضم القطع النحاسية والخشبية، وبعض المعدات الحديدية، وعلى رفوفه تتناثر أدوات الطبخ والمنزل القديمة، وفي زاوية أخرى تصطف مجموعة من الأدوات الحادة والخناجر.
وأشار إلى وجود مكان مخصّص للمعدات التي كان يستعملها الفلاحون في الأرض، والبائعون في تجارتهم، إضافة لمجموعة من أجهزة الراديو والتلفزيون والكاميرات القديمة التي يعود عمرها لعشرات السنين.
كما خصّص خزانة خشبية لأدوات الزينة التي كانت تستعملها النساء الفلسطينيات قبل النكبة؛ إذ احتوت على المكاحل النحاسية، والبراقع التي كانت تستخدم من النساء البدويات قناعاً للوجه.
وقال أبو لحية: "وجود تلك المعدات، يدلّل على تنوع الحياة الفلسطينية القديمة، ويشير إلى أن السكان كانوا يهتمون بكلّ تفاصيل عيشهم، ويقبلون على توفير كل احتياجاته".
أما القسم الثاني من المتحف فيحتوي حسب مدير المتحف على مجموعة من الصناديق الزجاجية على عينات مختلفة من صخور ذات ألوان جذابة، وكذلك على قطع نقدية فضية معدنية، تحمل شعارات وصوراً.
وأضاف أبو لحية: "هذه المقتنيات ترمز لعدد من العصور، التي تعاقب عليها شعب فلسطين العربي".
وحاز المتحف على جائزة "ايكروم ـ الشارقة" لهذا العام لحفظ التراث العربي تحت فئة "إحياء التراث الثقافي والحفاظ على قرية القرارة".
ويهدف المتحف حسب أبو نحلة إلى الحفاظ على الهوية الفلسطينية الثقافية والموروث الحضاري واحتضانه، وتقديم خدمات ثقافية وتعليمية وفنية لكافة الفئات.
وقال أبو لحية لـ "عربي21": "يحق لنا كفلسطينيين أن نفاخر ونباهي بهذا الكنز الحضاري الاستراتيجي المعرفي الذي يمكث في بطن أرضنا وعلى ظهرها، لذلك حرصنا على تجميع أكبر قدر من هذه المقتنيات التاريخية والاثرية ووضعها في مكان واحد هو متحف القرار ليتحول إلى مرجع تاريخي وفكري وثقافي للدارسين والباحثين، كذلك لأبنائنا على كافة مستوياتهم العلمية".
وأضاف: "متحف القرار أصبح مرجعا يوثق تاريخاً قد يعرفه كثيرون ويجهله آخرون، وهو جزء من الهوية الحضارية لهذه الأمة، وليس لفلسطين وحدها، وذلك لإدراك الأبعاد المتعددة لمثل هذه الهوية، ولما هو وراء ذلك بل وربما أبعد كثيراً كان هذا المتحف".
واعتبر أبو لحيةالمتحف بأنه إضافة نوعية ومعرفية للتراكمية الحضارية للشعب الفلسطيني، معربة عن أملها أن يكون لبنة جديدة في بناء مشروع تراثي كبير يتم توسيعه.
وقال: "نسعى من خلال هذا المتحف تعريف الجمهور الفلسطيني بالإرث التاريخي والحضاري لفلسطين، لإدراكنا أهمية تلك القطع الأثرية والمحافظة عليها من الاندثار والتعديات، وكي يفخر أبناء فلسطين أن أرضهم التي يعيشون عليها ويتنسمون هواءَها، إنما هي أرض مقدسة لها تاريخ غائر القِدَم، ومجد تليد شاهد على الحضارات الإنسانية التي مرت عليها منذ أقدم العصور".
وأضاف: "تتميز أرض فلسطين بإرث تاريخي وحضاري مميز، جعلها مصنفة عالمياً بأنها واحدة من دول العالم، التي تمتلك مقاصد وجوانب سياحية تاريخية من مبانٍ ومواقع أثرية يعتز المرء بها، لذا كان لزاماً علينا أن نقوم بواجبنا تجاه تاريخ فلسطين عامة، وتاريخ قطاع غزة بشكل خاص، في إقامة هذا المتحف لشر ثقافة المحافظة على المواقع الأثرية والتعريف بها لكل الأجيال والحفاظ عليها".
ويفتح المتحف بابه يوميا أمام رحلات المدارس والأطفال، فهناك زاوية مخصصة لاستقبالهم، ولإلقاء المحاضرات التاريخية التي تعرفهم بالتّراث الفلسطيني، كما يمنحهم فرصة التّجول في أرجائه لمشاهدة القطع التراثية عن قرب.
وتضم الساحة الخارجية للمتحف، والتي توجد بها مجموعة من الصخور الكبيرة، التي يعود تاريخها لمئات السنين "المقعد العربي"، الذي تتزين جدرانه بالأثواب القماشية النسائية والرجالية التقليدية، إضافة لصبّابات القهوة والمفارش العربية التي تعيدك مئات السنين في جو تراثي رائع.
ويصف الشاب إسماعيل عبد السلام خلال زيارته للمتحف ما رآه بأنه شيء عظيم يستحق الفخر والثناء.
وقال عبد السلام لـ "عربي 21": "جئت في رحلة مدرسية لهذا المكان ولم أكن أتوقع أنه بهذا الروعة والجمال وأنه يضم كل هذه القطع الأثرية والتراثية".
وأضاف: "هناك جهد وتعب كبير بذل من خلال القائمين على هذا المتحف الذي يجب أن يأخذ حقه إعلاميا وتسليط الضوء عليه كونه يروي تاريخ فلسطين في كل عصورها".
وطالب الشاب الفلسطيني بعمل متحف مشابه لهذا المتحف في مدينة غزة التي يوجد بها المتحف الوطني الكبير متحف قصر الباشا وذلك لأهمية هذه المتاحف في تعزيز الهوية الفلسطينية.