هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحدث الصحفي الفرنسي المختص بشؤون الشرق الأوسط، آلان غريش، عن القمع الذي تعرض له من وسائل إعلان فرنسية بسبب آرائه المناصرة للقضية الفلسطينية.
وذكر غريش في مقال على موقع "ميدل إيست آي"، أنه بعد انتقاده للاحتلال الإسرائيلي بسبب عدوانه الأخير على قطاع غزة، حذفت قناة تلفزيون "بي إف إم" الرقمية الفرنسية مقطع فيديو له، فيما ألغت القناة ذاتها مقابلة كانت ستجريها معه لاحقا.
ولفت الكاتب الفرنسي إلى أنه منذ مطلع هذه الألفية، وقع تغير في وسائل الإعلام بين السياسيين في فرنسا تجاه القضية الفلسطينية.
وأوضح أن الساحة الإعلامية في فرنسا، شهدت تطورا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وباتت كثير من وسائل الإعلام داعمة لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وللحاجة إلى التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت إسرائيل والولايات المتحدة تصنفها منظمة إرهابية).
وأكد أن الحكومات انحازت تماما إلى جانب إسرائيل، وتبنت – ما يعتبره كثيرون – مواقف معادية للإسلام خلال السنوات الأخيرة.
وتاليا نص المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
ما هو مثير للاهتمام حول الطريقة التي تمارس من خلالها الرقابة في فرنسا، وعلى نطاق أوسع في أوروبا، هو أنها يندر ما تعبر عن هويتها. وما تعرضت له من رقابة مؤخرا مثير للاهتمام ونادر في الوقت نفسه.
في السادس من آب/أغسطس، في خضم الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، طلبت مني قناة إخبارية تعمل على مدار الساعة، اسمها تلفزيون بي إف إم الحديث في اليوم التالي. قبلت دعوتها وتم تحديد موعد المقابلة، التي استغرقت أخيرا خمس دقائق، وكانت على خير ما يرام.
خرجت في المقابلة بفكرتين، أعتقد أنهما كانتا موضوعيتين، أما الأولى، فهي حقيقة أن إسرائيل كانت هي التي شنت الهجوم قبل أن تطلق حركة الجهاد الإسلامي أي صواريخ، وأما الثانية، فهي أن الحصار المفروض على قطاع غزة واحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية، لا يمكن أن ينجم عنهما سوى العنف، وهو الذي تتحمل مسؤوليته إسرائيل وحدها بسبب رفضها تطبيق قرارات الأمم المتحدة.
طلبت مني القناة بعد ذلك إجراء مقابلة ثانية يوم الثامن من أغسطس / آب. ولكن في وقت متأخر من بعد ظهر السابع من آب/أغسطس، أدركت أن مقابلتي السابقة بعد أن تم بثها، لم تعد متاحة على موقع بي إف إم، ولم ألبث طويلا حتى أبلغت بأن مقابلتي الثانية قد ألغيت.
في تلك الأثناء، تم الإعلان عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. سألت محرر بي إف إم لماذا اختفت مقابلتي الأولى من موقع القناة ولماذا تم إلغاء المقابلة الثانية، ولكني لم أتلق سوى إجابات غامضة.
عاصفة إعلامية
خلال ساعات قليلة، كانت حكايتي قد انتشرت في كل وسائل التواصل الاجتماعي. وسألتني عدة صحف عن حقيقة ما جرى معي. ونشرت صحيفة لبراسيون الفرنسية اليومية مقالا بعنوان "لماذا قمعت قناة تلفزيون بي إف إم مقابلة مع ألان غريش وجه فيها اللوم لإسرائيل؟" وردا على هذا الاستفسار الموجه لإدارة قناة بي إف إم، أوضح المسؤولون فيها أن مقطع الفيديو تم حذفه من أجل "تجنب أي تلاعب"؛ لأنه "كان مقتضبا ولم يكن كاملا".
إلا أن القناة، التي تنشر في العادة المقابلات التي تجريها على موقعها على الإنترنت، لم تتمكن من إيراد أي نماذج أخرى لحالات تم فيها حذف مقابلات بهدف تجنب التلاعب، بحسب ما ذكرته صحيفة ليبراسيون، ولم تفسر إدارة القناة ما هو نوع التلاعب الذي تزعم الخشية منه.
في خضم هذه العاصفة التي أثارها مقص الرقيب، أجرت قناة بي إف إم مقابلة أخرى معي في التاسع من أغسطس / آب حول وقف إطلاق النار في غزة. من الجدير بالذكر أن قناة بي إف إم مملوكة للملياردير الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي.
أود هنا التأكيد أن هذا الشكل من الرقابة غير معهود. وبشكل خاص في حالة القضية الفلسطينية، فهي يندر أن تتم بهذا الأسلوب، وإنما تتم من خلال انتقاء الضيوف بعناية بالغة، حيث يتم اختيارهم من بين تشكيلة من المتحدثين باسم إسرائيل. فعلى سبيل المثال، خلال الهجمات الأخيرة على قطاع غزة، أجرت قناة تلفزيون بي إف إم لقاء مع ناطق سابق باسم الجيش الإسرائيلي وعرفته بصفة "مواطن مقيم في تل أبيب". ومضت القناة تبث عشرات المقابلات التي تعبر عن المواقف الرسمية للحكومة الإسرائيلية.
كما أن هناك أيضا أصوات أولئك الذين "يعبرون عن أسفهم لممارسة العنف"، ولكنهم يزعمون أن إسرائيل "لديها الحق في الدفاع عن نفسها"، بالإضافة إلى أولئك الذين يؤمنون باتفاقيات أوسلو، وبحل الدولتين، وبالحاجة إلى "محاربة التطرف في الجانبين". ولكن، وفي ضوء تجاربي الأخيرة، يبدو أنه لا يوجد مكان لأولئك الذين ينتقدون بشكل راديكالي احتلال إسرائيل والفصل العنصري الذي تمارسه ضد الفلسطينيين.
الساحة المتغيرة
منذ مطلع هذه الألفية، وقع تغير في وسائل الإعلام بين السياسيين في فرنسا. بينما كانت الساحة الإعلامية قد شهدت تطورا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وبات كثير من وسائل الإعلام داعمة لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وللحاجة إلى التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت إسرائيل والولايات المتحدة تصنفها منظمة إرهابية)، إلا أن تغيرا دراماتيكيا طرأ على الموقف المعبر عن الإجماع.
ينظر البعض إلى فلسطين الآن من خلال عدسة "الحرب على الإرهاب"، وكذلك من خلال عدسة "الخطر الإسلامي". وبات أي انتقاد للصهيونية يفسر على أنه معاداة للسامية. وهذا يعكس الموقف الرسمي للحكومات الأوروبية، وبشكل خاص الحكومة الفرنسية. فقد انحازت هذه الحكومات تماما إلى جانب إسرائيل وتبنت – ما يعتبره كثيرون – مواقف معادية للإسلام خلال السنوات الأخيرة.
بالعودة إلى ما جرى معي شخصيا، منذ سنين لم أدع للحديث عبر تلفزيون بي إف إم أو أي قناة إخبارية ضمن التيار العام، وذلك على الرغم من أنني أعمل في القضية الفلسطينية منذ عقود، ونشرت المئات من المقالات وألفت العديد من الكتب حول الموضوع. بمعنى آخر، إن لدي كل الحق في أن أتحدث عن فلسطين.
والمسألة لا تتعلق بإعطاء وجهة نظر واحدة، وإنما بتقبل وجود محللين وصحفيين يعتقدون أن جذور الحروب التي تدور رحاها في الشرق الأوسط تعود إلى احتلال فلسطين، وتشريد سكانها، والطبيعة الاستعمارية للحركة الصهيونية. تستحق هذه الأصوات والآراء أن تُسمع.
في الوقت نفسه، لقد أثبت التضامن الذي حصلت عليه بعد حذف مقابلتي أن من الممكن مواجهة مثل هذا القمع، والدفاع عن مفهوم التعددية الإخبارية. كما تثبت ذلك التجربة التي يخوضها موقعي على الإنترنت (أورينت 21). وبإمكاني أن أشكر قناة تلفزيون بي إف إم على أنني حصلت بفضل هذه المشكلة على 2300 متابع جديد في حسابي على تويتر.