هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دار جدل بين وزيرين أردنيين سابقين بشأن علاقة التصوف بالتشيّع.. ففي حين يرى أحدهما أنها موجودة ويحذّر منها، فإن الآخر يؤكد عكس ذلك ويعبر عن استهجانه للربط بينهما.
وبدأ الأمر بتصريحات للوزير الأردني السابق بسام العموش، في ندوة تتناول "اتفاق النووي مع إيران وتداعياته على المنطقة".
وحذر العموش في الندورة التي نُظمت من "مركز الشرق الأوسط للدراسات الإعلامية والسياسية"، من "التصوف في المساجد الأردنية باعتباره طريقا للتشيّع".
وأضاف العموش الذي شغل أيضا منصب سفير الأردن لدى إيران، أن طهران تحاول الاعتماد على بعض الحركات الشعبية في الأردن، مناديا بالاستعانة بـ"جماعة الإخوان المسلمين لوقف ذلك، بتحالف تاريخي غير مكتوب بين النظام الرسمي والجماعة".
وشدد على أن "جماعة الإخوان -رغم بعض المآخذ عليهم- فإنهم يمكن أن يواجهوا إيران في المساجد، لأنهم غير تكفيريين ولا شيعة".
وقال إن الدعم الرسمي للتصوف في الأردن قد يؤدي إلى التشيع، موضحا أن "الحركة الحبشية التي تتم رعايتها رسميا في الأردن، تمهد دربا للتشيع".
وكرر ما قاله مرارا، أن "إيران عرضت عليّ إقامة مطار في الكرك، لدخول ألف إيراني يوميا للأردن بحجة السياحة الدينية"، وأنه رفض ذلك.
رسالة من الصرايرة
وهذه التصريحات أثارت حفيظة الوزير السابق والعين الحالي، جمال الصرايرة، الذي كتب "رسالة مفتوحة" إلى الوزير العموش تناولتها وسائل الإعلام المحلية.
واستهجن في رسالته ما جاء في تصريحات العموش التي اعتبر فيها أن "التصوف" في المساجد الأردنية طريق للتشيع.
واعتبر أن هذه التصريحات "تناقض رسالة عمان، وتدعو إلى إقصاء جزء أصيل من أجزاء المجتمع، وهم أهل التصوف، وأصحاب الوجود المتجذّر منذ مئات السنين في الأردن"، وفق قوله.
وقال الصرايرة: "ربما هذا من أخطر التصريحات التي يمكن أن نسمعها في مجتمعنا، وفي هذا المقام لا ندري هل يتحدث الدكتور الكريم في ندوته بصفة شرعية دينية باعتباره مدرسا للعلوم الشرعية... وبالتالي فإن مؤسساتنا التعليمية الرسمية تتبنى بالضرورة فكراً إقصائيا يتم تلقينه لأبنائنا، وهو ما يناقض رسالة عمان".
وأضاف: "لا أدري كيف استطاع أن يوفق الدكتور بسام بين المتناقضات في الجمع بين التصوف والتشيع وهي تهمة جاهزة دائما وأبدا، لا نسمعها إلا من الذين يرددون هذه العبارات في كل مكان، وبالتالي يتخذونها ذريعة".
وقال: "مساجدنا هي الملاذ الآمن لكل أبنائنا، وأصبحت أكثر أمنا وسكينة حين تمت استعادتها ممن اختطفوها من أصحاب الفكر المتطرف الذين حولوا أبناءنا وخلال سنوات مضت طويلة إلى عقول مقولبة ضمن منظومة حزبية لا ترى سوى نفسها على حق، أو حولتهم إلى أحزمة ناسفة تفجر نفسها بالآمنين باسم الجهاد".
وأضاف: "من المناسب أن نذكر في هذا المقام وبمناسبة الربط "الفنتازي" بين الصوفية والشيعة، بأن أهل التصوف على مدار التاريخ كانوا هم صمام الأمان للأمة الإسلامية على امتداد العصور، وهم من حفظ المقدسات ودافع عنها، وهم أهل الصلاح والجهاد الحق، فهم من أعاد المسجد الأقصى المبارك على يد صلاح الدين الأيوبي "الصوفي" من أيدي الصليبيين بعد احتلال دام مئة عام، بل هم من أعادوا مصر من أيدي الفاطميين "الشيعة" إلى أحضان أهل السنة فأصبح الأزهر الشريف منارة أهل السنة والجماعة على امتداد أكثر من ألف عام".
وقال: "لنتذكر أن أهل التصوف هم من حموا أهل الإسلام من هجمات المغول والتتار وجعل الله تعالى النصر على أيديهم بقيادة السلطان قطز والعز بن عبد السلام في معركة عين جالوت، بل هم من ثبّتوا أوتاد الإسلام في الأندلس على يد المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين، وهم من دافعوا عن العقائد الدينية في وجه الملحدين، فكيف يمكن لإنسان أن ينكر فضل أهل التصوف على الأمة على امتداد القرون والعصور؟".
ووجه كلامه للعموش قائلا: "أدعو الدكتور الفاضل إلى النظر في إنجازات الفكر الذي يحارب ويعادي أهل التصوف، وما الذي قدمه للأمة الإسلامية على مدار عشرات السنوات التي انتشر فيها".
العموش يرد
في المقابل، رد العموش في مقال آخر على الصرايرة، نافيا فيها أن يكون دعا إلى إقصاء أهل التصوف، أو أن يكون قد خالف "رسالة عمان"، موضحا وجهة نظره.
وقال في رسالته للصرايرة: "مضامين رسالة عمان، ولعلم الجميع فقد وضعناها هدفا من أهداف رابطة علماء الأردن، ومما هو مشترك احترام المقام الملكي، والدعوة لسماحة الإسلام ونبذ العنف والتطرف والإرهاب والتكفير".
وأضاف: "هناك أمور لا بد من إيضاحها بخصوص "التصوف"، فمن البداية أقول لأخي جمال هذا هو ميداني وتخصصي، كما هو تخصصك في الهندسة وأرامكو والبوتاس، فالتصوف أنا من يعرفه ويميز بين التصوف والمتصوف".
وتابع: "إنني مع التصوف النظيف الخالي من الشوائب وادعاءات الولاية، ولعلمك أخ جمال أنني كما تعلم كنت في مدرسة الإخوان المسلمين التي عاش مؤسسها وهو طفل في الطريقة الحصافية، وأن الجانب الروحي في الإخوان واضح في مناهجهم التربوية، حيث قراءة الورد اليومي من القرآن "قراءة جزء" وحفظ أدعية الصباح والمساء وورد الرابطة وزيارة المقبرة وصيام الاثنين والخميس، وكتيبة الشهر حيث الأجواء الروحية".
وضرب أمثلة على مشايخ الصوفية الذين يحترمهم، وتتلمذ على أيدي بعضهم، مؤكدا أنه حاصل على "سند صوفي عملي"، وقال: "لكن لم أنتمِ لطريقة، ولم أدّعِ الولاية، ولم ألبس لفة، ولم أحمل سبحة".
وأضاف لزميله السابق: "يجب أن توافقني تجاه السلبيين، وأنت أشرت إلى ذلك يوم ذكرت دخول الشوائب على التصوف، ويا ليتها شوائب خفيفة، لكنها من العيار الثقيل!!".
وروى في رسالته بعض "روايات خيالية" من بعض المتصوفين، مؤكدا أنهم "دجالون"، وأن بعضهم زعم "رؤية الإله" وآخر قال إنه "ذهب إلى السماء السابعة".
ورد على السرد التاريخي للصرايرة، بالقول: "على ذكر الصليبيين والمغول والفاطميين فلم يقف المتصوفة ضدهم، بل وقف المجاهد صلاح الدين ووقف المجاهد ابن تيمية والمظفر قطز والظاهر بيبرس والعز بن عبدالسلام وكل هؤلاء ليسوا صوفية".
وأوضح سبب ربطع التصوف بالتشيع، بالقول: "أما علاقة التصوف المنحرف بالتشيع فهي علاقة ثابتة، ولا جدال فيها، وقد أكد لي هذا شخصية مرموقة في بلدنا، ولعلمك أن الحلقة النقاشية التي تمت لم يكن موضوعها التصوف، بل إيران ومحاولتها التسلل إلى الأردن كما فعلت في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فكان لا بد من التحذير والتنبيه".
وختم رسالته بالقول: "على وزارة الأوقاف أن تشكرنا عليه، رغم تحفظي على النهج الذي يتم، فالأخ جمال يتحدث عن الإقصاء بينما نحن نعيشه ممارسة من بعض الجهات في الجامعات والمساجد والمنابر والمناسبات فمن هو الذي يمارس الإقصاء؟!".