هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تاريخيا، التزمت الملكة إليزابيث الثانية بالحياد بشكل كامل في القضايا الداخلية البريطانية وهذا ما عرف عنها بشكل واضح خلال مسيرتها التي امتدت لسبعة عقود من الزمن فلم تتخذ أي موقف تجاه أي وجهة سياسية محددة أو أي حزب من الأحزاب الرئيسية في بريطانيا.
وحافظت الملكة إليزابيث الثانية، والأسرة الملكية عامة، على موقفها المحايد في التعامل مع القضايا الدولية، من بينها القضايا العربية، دون أن تعرب عن دعمها لأي نظام عربي، سواء كان ملكيا أو جمهوريا.
وكانت زيارات الملكة إليزابيث الثانية للدول العربية، بمثابة حدث مهم يحمل عدة معان سياسية وحركات دبلوماسية، حيث كانت لقاءاتها مع زعماء دول الخليج وملوك ورؤساء دول المغرب العربي بمثابة لحظات تاريخية ودبلوماسية مهمة.
منذ عام 1952 حينما تولت الملكة إليزابيث العرش، عملت على تقوية علاقات المملكة المتحدة الخارجية، وكانت الدول العربية في مقدمة الدول التي توجهت إليها في زيارات رسمية، حيث زارت نحو 13 دولة عربية، من إجمالي 120 زيارة خارجية أدتها طوال فترة حكمها.
وفي أول زيارة للمنطقة العربية، اتجهت الملكة برفقة زوجها الأمير فيليب، في زيارة غير رسمية عام 1954، إلى مدينة عدن باليمن، ومنها انطلقت في زيارة سريعة إلى مدينة طبرق في ليبيا، واستقبلها الملك إدريس السنوسي استقبالا حافلا.
وفي أول زيارة رسمية، توجهت الملكة إليزابيث الثانية برفقة زوجها الأمير فيليب إلى الأردن في عام 1955.
وبعد 10 سنوات، توجهت ملكة بريطانيا إلى السودان بدعوة رسمية من الرئيس السوداني وقتها الفريق إبراهيم عبود، قبل أن تزور السعودية في عام 1967، وفي العام ذاته زار الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز لندن حيث استقبلته الملكة.
وكان عام 1979 مليئا بزيارات إليزابيث الثانية إلى الدول العربية، حيث زارت الملكة حينها السعودية للمرة الثانية، ثم الإمارات، وعمان والكويت وقطر.
وفي 1980، توجهت إلى زيارة تونس والمغرب والجزائر، قبل أن تتجه مجددا إلى الأردن في عام 1984.
وخلال عام 2010، توجهت الملكة إليزابيث الثانية، إلى الإمارات وعمان، في زيارة استغرقت نحو 5 أيام، وكانت هذه الزيارة بهدف تنشيط العلاقات مع دول الخليج العربي.
وتُعتبر السعودية، من أكثر الدول العربية التي سافرت لها ملكة بريطانيا، ما بين أعوام 1981، و1987، و2007، و2018.
الموقف من الاحتلال الإسرائيلي
ورغم زياراتها الكثيرة لعدد من دول العالم، إلا أن الملكة إليزابيث الثانية لم تزر دولة الاحتلال الإسرائيلي أبدا في عمرها، الذي امتد إلى 96 عاما.
وتاريخيا، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي تأسست بالاستناد إلى وعد بلفور، وهو بيان علني أصدرته الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالمية الأولى لإعلان دعم تأسيس "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين.
وجاء في نص الوعد ضمن رسالة بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917 مُوَجهة من وزير خارجية المملكة المتحدة آنذاك آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني: "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".
وعادة ما توصف العلاقة الإسرائيلية-البريطانية بأنها مميزة، ولكن ليس عندما يتعلق الأمر بزيارة الملكة البريطانية إلى إسرائيل؛ وبالمقابل يُطالب الفلسطينيون بريطانيا "بتصحيح الخطأ التاريخي" الذي نجم عن وعد بلفور.
وأشارت صحيفة "هآرتس" العبرية الجمعة، إلى أن "الملكة زارت 120 دولة حول العالم، لكنها لم تزر إسرائيل أبدا"، قائلة إن الممثلين البريطانيين الرسميين كانوا يبررون سبب مقاطعة الملكة لدولة إسرائيل، بجواب متلعثم: "عندما يكون هناك سلام دائم".
وأضافت "هآرتس" مستدركة: "هذا بالطبع لم يمنع الملكة من زيارة الدول العربية".
وتناول موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مسألة عدم زيارة الملكة إلى دولة الاحتلال، حيث أرجع ذلك إلى الخوف من إغضاب دول الخليج العربي وخسارة الصفقات التجارية المحتملة إلى التمرد العنيف الذي شنته الجماعات المسلحة الصهيونية ضد الانتداب البريطاني في فلسطين قبل إنشاء "إسرائيل" عام 1948.
كما أورد الموقع بعض الأحداث المتفرقة التي لها صلة كما يرى بالإجابة عن السؤال، قائلا عندما زارت الملكة الأردن في عام 1984، ورد أنها قالت "يا له من أمر مخيف!" عندما انطلقت طائرات مقاتلة إسرائيلية في السماء وهي تنظر إلى الضفة الغربية المحتلة من بعيد، وقيل إن الملكة نور زوجة الملك حسين ردت: "إنه أمر فظيع".
اقرأ أيضا: هل ينفرط عقد الكومنولث بوفاة الملكة إليزابيث الثانية؟
وأشار الموقع إلى أنه عندما قام الابن الأكبر للملكة -الذي أصبح الملك تشارلز الثالث بعد وفاتها- بزيارة رسمية بصفته أميرا لويلز إلى "إسرائيل" والضفة الغربية المحتلة في كانون الثاني/ يناير 2020 زار مدينة بيت لحم وصلى من أجل "سلام عادل ودائم" في الشرق الأوسط، وقال إن "طاقة ودفء وكرم الشعب الفلسطيني الملحوظ" أمور أذهلته.
وكان تشارلز قد أشار في رسالة بعثها إلى صديق له عام 1986 إلى أن "تدفق اليهود الأوروبيين الأجانب" إلى إسرائيل هو المسؤول عن الصراع المستمر بينها وبين العالم العربي، وأعرب عن إحباطه من عدم استعداد الرؤساء الأمريكيين لمواجهة "اللوبي اليهودي" في أمريكا.
ولم يمنع عدم زيارة إليزابيث الثانية لـ"إسرائيل" من استقبالها للعديد من رؤساء الاحتلال خلال زياراتهم إلى بريطانيا، بما في ذلك إفرايم كاتسير وحاييم هرتسوغ وعزرا وايزمان، فضلا عن منحها وساما رفيع الدرجة لرئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز.
ومن المعروف أيضا أن للملكة علاقة قوية مع الجالية اليهودية في بريطانيا، حيث رفّعت الحاخام الأكبر إيمانويل جاكوبوفيتش وخليفته جوناثان ساكس إلى رتبة النبلاء، ومنحت العديد من اليهود البريطانيين الآخرين أوسمة الفروسية.
النعي العربي لها
ونعت دول عربية الملكة إليزابيث الثانية التي توفيت الخميس بعد سبعة عقود قضتها على عرش بريطانيا، ما يؤكد مكانة الملكة لدى الحكام العرب بالنظر لتاريخ العلاقات.
وأُعلن الحداد على رحيل الملكة إليزابيث الثانية ونُكّست الأعلام في عدد من الدول العربية، بينها لبنان والأردن والبحرين والكويت والإمارات وعُمان.
واعتبر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز "جلالتها نموذجا للقيادة سيخلده التاريخ"، فيما شدد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خلال تقديم العزاء على عزمه على العمل مع العاهل البريطاني الجديد الملك تشارلز الثالث "لتعزيز" العلاقات الثنائية، قائلا: "أؤكد عزمنا على العمل مع الملك تشارلز لتعزيز علاقات بلدينا وشعبينا الصديقين".
ونعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر الملكة إليزابيث الثانية قائلة في بيان: "نذكر لها بوجه خاص علاقاتها الطيبة بكنيستنا القبطية ومساندتها الدائمة لوجودها في بريطانيا لخدمة أبناء الكنيسة المقيمين هناك".
من جهته، عبّر رئيس الإمارات محمد بن زايد عن تعازيه للعائلة المالكة وللشعب البريطاني، قائلا إن الملكة الراحلة جمعتْها بدولة الإمارات "صداقة طويلة وروابط وثيقة".
وقال حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في تغريدة عبر تويتر، إن الراحلة خدمت على مدى عمرها المديد المملكة المتحدة على نحو "لا مثيل له في العالم الحديث".
وفي قطر، قال الأمير تميم بن حمد على حسابه عبر "تويتر" إن الملكة البريطانية الراحلة كانت خلال مسيرتها الحافلة "مصدرا للإلهام والنُبل"، مشيرا إلى أن إليزابيث الثانية "جمعتْها بقطر علاقات راسخة وبناءة عززت روابط الصداقة والشراكة" بين الشعبين.
أما الملك عبد الله بن الحسين عاهل الأردن فقد نعى الملكة قائلا إنها كانت شريكة للأردن وصديقة عزيزة للعائلة مؤكدا أنها كانت منارة للحكمة والقيادة القائمة على المبادئ لمدة سبعة عقود.
واعتبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن الملكة "كرست حياتها في خدمة وطنها وشعبها منذ اعتلائها العرش لعقود طويلة قضتها في العطاء وعمل الخير وتأدية واجباتها الملكية، تاركة إرثا زاخما سيبقى محفورا في أذهان وقلوب الأجيال".
وفي العراق، نعى الرئيس برهم صالح في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، الملكة الراحلة قائلا إن "الملكة إليزابيث ستبقى في الذاكرة كأيقونة تاريخية عظيمة أدت مهامها".
كما بعث أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد برقية عزاء إلى الملك الجديد تشارلز الثالث في وفاة والدته. وجاء في البرقية أن الكويتيين لن ينسوا "الموقف التاريخي والثابت والمشرف لها وللمملكة المتحدة الصديقة مع الحق الكويتي ضد العدوان العراقي الغاشم على دولة الكويت عام 1990".
من جهتها، أعلنت الحكومة اللبنانية حدادا رسميا لثلاثة أيام حزنا على وفاة الملكة البريطانية. وقررت الحكومة اللبنانية تنكيس الأعلام على المؤسسات العامة، فضلا عن تعديل البرامج الإعلامية بما يتناسب والحدث.
وفي الأردن، وصف الملك عبد الله الثاني ملكة بريطانيا الراحلة بأنها "كانت منارة للحكمة والقيادة". وقال العاهل الأردني عبر تويتر إن إليزابيث الثانية "كانت شريكة للأردن وصديقة عزيزة للعائلة".
وفي البحرين، أمر الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بتنكيس الأعلام في المملكة لمدة ثلاثة أيام حدادا على وفاة الملكة إليزابيث، معربا عن تعازيه إلى ملك بريطانيا الجديد تشارلز الثالث.
ومن سلطنة عمان، بعث السلطان هيثم بن طارق برقية تعزية عدّد فيها "مناقب الملكة الراحلة والمكانة التي حظيت بها بين شعوب العالم"، مشيرا إلى أن إليزابيث الثانية "كانت صديقة دائمة لسلطنة عمان".