هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار قرار الإفراج عن صحفيي الجزيرة المعتقلين في مصر، جدلا عبر مواقع التواصل، خاصة أن الإعلان جاء خلال زيارة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي الأولى لقطر، ما دفع مراقبين لفتح ملف تسييس الاعتقالات والتلاعب بقرارات الإفراج، وكذلك تغول السلطة على سيادة القانون.
زيارة السيسي، للدوحة الثلاثاء والأربعاء، والتي جاءت وفق مراقبين لطلب الدعم المالي والاستثمارات، زامنها قرار بإخلاء سبيل صحفيي قناة "الجزيرة" المحبوسين في مصر، وذلك وفق ما نقله عضو لجنة العفو الرئاسي في مصر طارق العوضي، عبر تدوينة بـ"فيسبوك"، دون تفاصيل.
وأكد موقع "القاهرة 24" الإلكتروني المقرب من السلطات أن "جهات التحقيق، أصدرت قرارا بإخلاء سبيل صحفي الجزيرة أحمد النجدي، المحبوس احتياطيا على ذمة اتهامات بنشر أخبار كاذبة، منذ آب/ أغسطس 2020.
وتحتجز السلطات المصرية 4 صحفيين يعملون في "الجزيرة مباشر"، هم: النجدي، وهشام عبد العزيز المعتقل منذ حزيران/ يونيو 2019، وبهاء الدين إبراهيم في شباط/ فبراير 2020، وربيع الشيخ، منذ آب/ أغسطس 2021، أثناء عودتهم في إجازة من مطار القاهرة.
وحتى كتابة هذا التقرير لم يتأكد إلا خروج النجدي، وما زال موقف الثلاثة الآخرين غامضا، إلا أن المحامي طارق العوضي رجح في حديثه لفضائية "الجزيرة" مساء الأربعاء، صدور قرارات إخلاء سبيل لجميع صحفيي الجزيرة.
وبالحديث إلى مقربين من ربيع الشيخ، أكدوا صباح الخميس، أن هناك حالة من التفاؤل، وأن أسرته في انتظار خروجه، وأن الأمر منته ومجرد وقت لإنهاء الإجراءات، فيما لم يتسن التواصل مع أسرتي عبد العزيز، وإبراهيم.
"توقيت الإفراج"
زيارة السيسي لقطر كللها توقيع 3 مذكرات تفاهم بين صندوق "مصر السيادي" وجهاز "قطر للاستثمار"، وفي مجال الشؤون الاجتماعية، والتعاون في مجال الموانئ بين البلدين، وذلك بعد سنوات من المقاطعة والخلاف السياسي على خلفية الانقلاب العسكري بمصر منتصف 2013.
وهو ما دفع مراقبين لاتهام النظام بالمتاجرة بملف المعتقلين لتحقيق مكاسب اقتصادية وشراكات مع الدوحة، وذلك في وقت تعاني فيه مالية مصر واقتصادها من أزمات أوصلت خبراء اقتصاد للتحذير من إفلاس البلاد بفعل ديون بلغت 157.8 مليار دولار بالربع الثالث من العام الجاري.
ورغم أن الإعلامي محمد السطوحي، وجه تهنئته للصحفيين المفرج عنهم من قناة الجزيرة، ودعا للإفراج عن باقي المعتقلين، إلا أنه قال: "كنت أتمنى لو لم يتم حبسهم من الأساس أو تم الإفراج عنهم مبكرا كدولة قانون، حتى لا يتم تفسير ذلك الآن على طريقة (إرمي بياضك)"، في إشارة إلى الاتفاقيات الاقتصادية الأخيرة مع الدوحة.
ومنذ انقلاب السيسي 3 تموز/ يوليو 2013، تواصل السلطات الأمنية جرائمها بحق المعارضين ورافضي الانقلاب لتعتقل أكثر من 60 ألف مصري أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين.
ومع الضغوط الحقوقية الدولية والمحلية وكشف المعارضة جرائم النظام الأمنية بحق المصريين، أطلق السيسي 10 أيلول/ سبتمبر 2021، "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، ودعا في نيسان/ أبريل الماضي لحوار وطني يضم المعارضة المدنية.
إلا أن منظمات حقوقية أكدت أن السيسي يواصل سياسات القمع بعد تلك الخطوات، إذ رصدت منظمة "كوميتي فور جستس" الحقوقية 1046 اعتقالا تعسفيًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد دخول الإستراتيجية حيز التنفيذ.
"سجل سابق"
وطالما استجاب النظام المصري لضغوط حقوقية من حكومات غربية، للإفراج عن مواطنيهم المعتقلين، مقابل التنازل عن جنسيتهم المصرية.
أولى القرارات في هذا الإطار، شهدها شباط/ فبراير 2014، وجاءت بتدخل السفارة الكندية في القاهرة لإخلاء سبيل صحفي "الجزيرة" محمد فهمي بعد تنازله عن جنسيته الكندية، لتنتهي فترة اعتقاله التي بدأت 29 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
تتابعت الإفراجات بضغوط أمريكية، خاصة مع مطالبات رسمية من واشنطن بالإفراج عن معتقلين يحملون جنسيتها، وطالما لوحت بوقف المعونات السنوية، واقتطعت بالفعل 130 مليون دولار من قيمتها البالغة 3 مليارات دولار، لدفع مصر نحو تحسين ملفها الحقوقي.
أهم تلك القرارات جاءت بحق الناشط محمد سلطان الذي أخلي سبيله وتوجه للولايات المتحدة في أيار/ مايو 2015، والناشطة آية حجازي التي غادرت إلى أمريكا في نيسان/ أبريل 2017.
وبضغوط إيطالية ولإرضاء الرأي العام في روما التي تتهم 4 ضباط مصريين بالضلوع في قتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في 25 كانون الثاني/ يناير 2016؛ أفرجت السلطات المصرية عن الناشط الحقوقي باتريك جورج في كانون الأول/ ديسمبر 2021.
وفي شباط/ فبراير 2021، أفرجت القاهرة عن الصحفي بقناة "الجزيرة" محمود حسين، بعد أسابيع من المصالحة الرباعية من مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع قطر، إثر قمة "العلا" في كانون الثاني/ يناير.
ومع ضغوط منظمات حقوقية فرنسية على الرئيس إيمانويل ماكرون تدخلت باريس، لدى القاهرة للإفراج عن الناشط المصري الفلسطيني رامي شعث بعد اعتقاله في حزيران/ يونيو 2019، ليتم إخلاء سبيله في كانون الثاني/ يناير الماضي.
"الخصومة سياسية"
حقوقيون تحدثوا إلى "عربي21"، وأكدوا أن إفراج السيسي عن صحفيي الجزيرة وما سبقه من مواقف مماثلة يؤكد أن الاعتقالات في مصر تتم بقرار سياسي وأن الإفراجات أيضا تتم بقرار سياسي، مشيرين إلى أنها تثبت أيضا اتهامات المعارضة للنظام بتغييب سيادة القانون وتغول السلطة على القضاء والنيابة.
مدير مركز "الشهاب" لحقوق الإنسان خلف بيومي، أعرب في بداية حديثه لـ"عربي21"، عن أمنياته بتحقيق "حلم الحرية للجميع"، مضيفا: "نبارك لصحفي الجزيرة على قرار الإفراج".
لكن بيومي، يرى أن "هذا القرار ومن قبله قرارات إفراج عديدة تؤكد أن عمليات القبض على المصريين ومحاكمتهم كلها تسير في سياقات وأطر سياسية"، مذكرا بـ"خروج الناشطة آية حجازي من المعتقل وسفرها مباشرة إلى أمريكا".
وأكد الحقوقي المصري، أن "كل الإجراءات الاستثنائية منذ كتابة المحاضر بمقرات الأمن الوطني، ثم القبض على مصريين بلا مبرر قانوني، والمحاكمة أمام نيابات ودوائر قضائية ملاكي تصدر أحكاما صادمة؛ كلها تؤكد أن الخصومة سياسية ولا مكان فيها للقانون".
"مسجل خطر"
عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا الدكتور عز الدين الكومي، من جانبه، قال إن "هذه المواقف المخزية من النظام الانقلابي تؤكد أنه نظام مسجل خطر رغم أنها ليست جديدة".
في حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "الفتوة قديما كان يمنع مرور الناس إلا بدفع إتاوة، وفق القول الشعبي: (شخلل عشان تعدي)، وهي نفس القصة، يمارس النظام البلطجة والفتونة، وأفرج عن معتقلي الجزيرة بعد تلقي (الرز) القطري الذي حرم منه برفض الدوحة الانقلاب".
السياسي المصري، وجه تساؤلاته للنظام، قائلا: "لماذا اعتقل هؤلاء الصحفيون؟ ولماذا تم الإفراج عنهم اليوم وليس قبل شهر مثلا؟".
وأعرب عن أسفه من أن "النائب العام لا يستطيع الإجابة على هذا السؤال، ولكنه مفترض أنه من أمر بالقبض عليهم ومن أمر بالإفراج عنهم"، معتقدا أنه "سمع بالخبر من وسائل الإعلام مثلنا مثله، لأنه في الواقع لا أمر باعتقال أحد ولا بالإفراج عنه".
وألمح إلى أن "هذه ليست الحادثة الأولى التي يتم فيها الاعتقال والإفراج بعد جرعات (رز) أو مكالمة من الكفيل الأعلى، كما حدث بقضية الأمريكية آية حجازي، التي استقبلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبيت الأبيض، بعد أسبوعين من لقائه والسيسي".
"وكذلك الأمريكية من أصول مصرية ريم الدسوقي، التي اعتقلت 10 شهور بزعم إدارتها حسابات معارضة للنظام بمواقع التواصل الاجتماعي، وناشد ابنها في مقطع مصور الرئيس ترامب، للإفراج عن والدته"، بحسب الكومي.
وأضاف: "بالفعل جرى الإفراج عنها بعد مطالبة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، سلطات الانقلاب بالإفراج عن المواطنين الأمريكيين المحتجزين في مصر".
وقال: "لا تحدثني عن (سيادة القانون) في بلد يحتل المرتبة 136 من 139 دولة شملها تصنيف مشروع العدالة العالمي 2021".
وختم بالتأكيد على أن "مصر أصبحت جمهورية خوف، تدار بالقمع والقهر والإخفاء القسري، والقتل خارج إطار القانون، أو القتل البطيء في السجون والمعتقلات ومقار الاحتجاز".
"القانون في إجازة"
الأمر لم يخل من انتقاد صحفيين ومراقبين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتسييس ملف الاعتقالات في مصر.
وتساءل الحقوقي بهي الدين حسن: "ألم يكن من الأكرم لرئيس الجمهورية أن يتخذ هذا القرار مبكرا، بدلا من أن يضطر لاتخاذه وهو في الدوحة، خاصة وأنه يعلم أن الصحفيين المحبوسين أبرياء، مثلهم في ذلك مثل آلاف آخرين ما زالوا مسجونين باتهامات ملفقة".
— Bahey eldin Hassan (@BaheyHassan) September 14, 2022
وكتب الصحفي أنور الهواري، يقول: "لما يكون الاعتقال بقرار سياسي، ولما يكون الإفراج بقرار سياسي، تبقى سيادة القانون في إجازة رسمي".
وأشار إلى أن نص المادة (٩٤) من الدستور المصري، يؤكد أن القانون أساس الحكم في الدولة، وأن الدولة تخضع للقانون، وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية للحقوق والحريات.
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، قال الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، إن "الإفراج عن إعلاميي الجزيرة يوم زيارة الرئيس لقطر، لا يعني إلا أحد أمرين".
"الأول: أنه أمام المعونات والقروض والودائع، تغور النيابة والقضاء والقانون، ويخرج من السجن من لا يسمح القانون بخروجه".
"الثاني: أن المقبوض عليهم كانوا مجرد رهائن مقبوض عليهم بلا سند من قانون، حتى نفرج عنهم في صفقة".